تحتضن البحرين منذ يوم الثلاثاء المؤتمر الدولي الأول من نوعه في الوطن العربي حول “الاستثمار في الثقافة: التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية” بتنظيم من هيئة البحرين للثقافة والآثار، و المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي ، ومؤسسة “ثنكرز آند دوورز” الفرنسية، وذلك بحضور أكثر من 300 شخصية من صناع الحراك الثقافي في المنطقة والعالم، ضمنهم رئيس معهد العالم العربي في باريس ووزير الثقافة الفرنسي الاسبق جاك لانغ، والشيخة حصة صباح السالم الصباح مديرة دار الآثار الإسلامية بدول الكويت، والشيخ حسن بن محمد آل ثاني نائب رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، والشيخ راشد بن خليفة آل خليفة وكيل وزارة الداخلية لشؤون الجنسية والجوازات والإقامة وعدد من الشخصيات الرسمية والسفراء المعتمدين في مملكة البحرين وإعلاميين من وسائل إعلام عالمية ومحلية ومهتمين بموضوع الاستثمار في الثقافة.
وقالت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة خلال الجلسة الافتتاحية امس : “عندما بدأنا مشروع الاستثمار في الثقافة في مملكة البحرين، لم يخطر على بالنا عندها أنّه بعد أقل من عقدٍ على البدء بالمشروع سيكون لنا مسرحٌ بمواصفاتٍ عالمية يُشيّدُ نتيجةً لثقة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بهذا المشروع الرائد، وأننا سنُقيم فيه أوّل مؤتمرٍ حول الاستثمار في الثقافة في عالمنا العربي”، واضافت أن ” الحلم أصبح حقيقةً لأنَ إيماننا بدور الحراك الثقافي والبنيةِ التحتية الثقافيّة في مجتمعاتنا هي التي ستغيّر وجهَ عالمنا، وهي فعلُ المقاومةِ الحقيقية التي تنهض من خلالها شعوبنا”.
وزادت قائلة : ” في مؤتمرنا اليوم نعيدُ قراءة التزامنا بالثقافة ونقول للعالم من مملكة البحرين إن فعل الجمال، عبر الثقافة، مقاومةٌ لا تتوقف أبداً. نريدُ أن نقول للعالمِ أيضاً، من قلب العالمِ العربي، إنَ اجتماعَ اليوم لأشخاصٍ يؤمنون بدورِ المحافظة على الإرث الثقافي لأوطانهم ما هو إلا دليلٌ حيّ لوعي عالمنا بأهمية تاريخنا الإنساني المشترك، والذي نعملُ جاهدين من أجل الحفاظِ على مكتسباته، من هنا، من المنامة، حيثُ المركزُ الإقليمي العربي للتراث الإنساني يسهرُ على التراث الحضاري في عالمنا المتألّم”.
من جانبه، قال رئيس معهد العالم العربي في باريس، وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، جاك لانغ، إن الشيخة مي، أصبحت أيقونة للاستثمار في الثقافة عالمياً، مشيرا إلى أن إنجازاتها واضحة للعيان داخل وخارج البحرين. وأشار في كلمته إلى أنه وقبل أعوام عدة، كان من الغريب وضع المقومات التراثية ضمن المشاريع الاستثمارية، وأن تكون طريقاً للحصول على العوائد المادية، مبيناً أنه تبين خلال السنوات الأخيرة أن العنصر الثقافي هو جزء أساسي من عملية الإنجاز في كل المجالات الاقتصادية، الاجتماعية والعلمية. وأكد لانغ ايضًا أن الاستثمار في الثقافة يمكن أن يحقق عوائد اقتصادية كبيرة، موضحًا أن قصر فرساي في باريس استطاع أن يستقطب أكثر من 10 ملايين زائر سنويًا بعد أن تم ترميمه والاستثمار فيه على عكس ما كان عليه سابقًا حيث كان لا يتعدى عدد زواره سنويًا أكثر من مليون.
وأشاد لانغ بمبادرة مملكة البحرين لإقامة مؤتمر الاستثمار في الثقافة، مشدداً على أن العالم سيقتنع يوماً بأن الاستثمار في الثقافة هو السبيل نحو تعزيز التنمية المستدامة. وقال إن البحرين تحمل هم الثقافة وتسعى للحفاظ على التراث والثقافة المحلية رغم الظروف والمتغيرات المحيطة بها.
أما رئيسة مؤسسة “ثنكرز آند دوورز” أماندين ليبوتر، فقالت إن العمل المشترك إلى جانب هيئة البحرين للثقافة والآثار أثمر عن إقامة هذا المؤتمر العالمي الذي استطاع أن يجمع أكثر من 20 دولة من حول العالم للنقاش، وتبادل الآراء والخبرات حول الاستثمار في الثقافة. وأكدت أن إقامة هذا المؤتمر تحت إشراف الشيخة مي بنت تشكل دافعاً كبيراً نحو تعزيز مكانة الثقافة، مشيرة إلى مؤتمر الاستثمار في الثقافة هو إنجاز يسجل لمملكة البحرين. وزادت قائلة إن البحرين تعد واحدة من الدول التي تهتم بفتح قنوات التواصل مع الشعوب والحضارات الأخرى والاستثمار في الثقافة، قائلة إن اجتماع كل هذه الشخصيات إنما هو فرصة عظيمة للقاء وتبادل الأفكار المؤثرة إيجابيًا في المجتمعات.
وشهدت الجلسة الأولى من المؤتمر تكريم الشيخة مي بوسام الفنون والآداب للدولة الفرنسية (Officier de L’ordre des arts et des lettres)، حيث قام لانغ بتقليدها الوسام ، وذلك تقديراً من الجمهورية الفرنسية لجهودها بتعزيز مكانة الثقافة والاستثمار فيها.
وحملت الجلسة الأولى عنوان “لماذا نسعى للاستثمار في الثقافة”، واتفق المتحدثون فيها على أهمية الاستثمار في القطاع الثقافي من أجل تعزيز مكانته كأحد الروافد الهامة للنمو الاقتصادي، إضافة إلى تأكيدهم على أهمية المشاركة بين القطاعين العام والخاص في تلك الاستثمارات.
وشارك في الجلسة كل من الشيخة حصة صباح السالم الصباح، مديرة دار الآثار الإسلامية، ومدير المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي الدكتور منير بوشناقي، والمتخصصة في برنامج WMF للآثار في الشرق الأوسط اليساندرا بيروزيتو، إضافة إلى صاحب مؤسسة “جاليري” في فرنسا كامل منور، وممثلة مؤسسة “آرت دبي” انتونيا كارفر . وأدارت الجلسة عضو مؤسسة “ثنكرز آند دوورز” كولين هوسه.
وقالت الشيخة حصة صباح السالم الصباح: “الثقافة جزء من حياتنا ولا نستطيع أن ننكر ذلك.” مشيرة إلى أنه بعد أحداث عام 1990 في الكويت، بادرت إلى إعادة تأهيل متحف الكويت والعديد من المعالم الثقافية المدمرة بدعم من منظمة “اليونيسكو”. وأشارت إلى أن الثقافة أصبحت اليوم جزءاً هاماً من مشاريع الاستثمار والتنمية المستدامة، إضافة إلى عمل دول العالم حاليًا على فتح الباب أمام تطوير منتجات ثقافية محلية، فضلاً عن استثمارها لتكون محل اعتزاز بالهوية الوطنية الخاصة بكل بلد.
أما الدكتور بوشناقي، فأشار إلى أن منظمة اليونيسكو طرحت مبادرات مختلفة حول التنمية المستدامة في التراث من خلال الاستثمار فيه، وتحقيق عوائد كبيرة، ليصب ذلك في نهاية المطاف في تحسين الدخل العام، مبيناً أن تلك المبادرات لاقت ترحيبًا كبيرًا من الجميع. وأكد ضرورة تعمير المناطق الثقافية والحفاظ عليها للأجيال الحالية والقادمة.
من جهتها، قالت اليساندرا بيروزيتو إن تخصصها يتركز على العمل مع المجتمعات المحلية من أجل صيانة وحفظ كل أنواع الصروح التاريخية والحضارية الموجودة في المنطقة، مشيرة إلى ضرورة إدراك المجتمعات المحلية أهمية تلك الصروح. وأكدت أن العديد من سكان المدن والمناطق حول العالم بدأوا بفهم أهمية ذاكرة المكان، مشددة على أن القطاعات الخاصة والعامة إضافة إلى السكان يجب أن يشاركوا بمجهود الحفاظ عليها. وقالت انتونيا كارفر إن الأحداث المحيطة في المنطقة تجعل الاستثمار بالتراث العالمي والمحافظة على المكان أهم من أي وقت مضى، وأن الشباب في العديد من مناطق العالم أصبحوا مدركين لأهمية التراث في التنمية المستدامة وفق استبيان أجري في عام 2015.
أما كامل منور، فأشار إلى أهمية تنشئة الجيل الجديد على معرفة الثقافة المحلية بشتى الوسائل المحببة لديهم. وقال إن التعليم الفني والثقافي هو المهم لتحقيق الاستثمار في الثقافة، وهو ما يؤدي إلى رفع مستوى التنمية في البلدان التي تتبع هذه المناهج.
وشمل المؤتمر العديد من اوراش العمل وحلقات النقاش وعروض لأفكار ومشاريع في مجال الثقافة في كل من متحف البحرين الوطني والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، والتي هدفت جميعها إلى تعزيز فهم الثقافة كفرصة استثمارية وبلورة معايير لتقييم وانتقاء المشاريع الثقافية المناسبة في ظل الجهد العالمي المتزايد على إنجاز مثل هذه المشاريع. وتناولت مواضيع اوراش العمل وجلسات النقاش العديد من المحاور حول دور الثقافة في الترويج للتنمية المستدامة، وإشراك الجيل الشاب في صناعة الثقافة واستهلاكها، وإنشاء المؤسسات الثقافية ومساهمة البنية التحتية الثقافية في النهوض بالمجتمعات وغيرها. كما أقيم على هامش المؤتمر حفل استثنائي لفرقة البحرين للموسيقى بقيادة المايسترو العالمية الفنانة ميسا جونوشي في مسرح البحرين الوطني.
المصدر: إيلاف
اترك رد