
من دافع اهتمامنا بموضوع المرجعية الدينية الوطنية في الجزائر أو المرجعية الوطنية في بعدها الديني، ومن واقع انتظارنا تجسيد مشروع المرجعية الدينية في شقها المؤسساتي المأمولِ حصولُه قريبا كما صرّح مرارا معالي وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى؛ تتجلى أهمية أن تكون لدينا مؤسسة دينية رسمية تُعنى بالإفتاء في نوازل الجزائريين، وشفاء عيّ أسئلتهم فيما يعرض لهم من وقائع أو يهمهم من شؤون الواقع.
مؤسسة إفتائية إجتهادية فقهية نعتز بها ونفخر كما يفعل المغاربة بقروييهم (القرويين)، والتونسيون بزيتونتهم (الزيتونة)، والمصريون بأزهرهم (الأزهر)، والسعوديون بكبار هيئة علمائهم…مؤسسة تعكس مرجعيتنا العلمية الدينية، وتقف سدا منيعا أمام الأفكار الدخيلة والمذاهب الوافدة، وتُسهم في حلّ مشكل اضطراب الفتوى التي ميّعتها ألسن ليس لها حظ وافر من العلم؛ فأفتوا بغير علم، فضلّوا هم وأضلّوا أمتهم.
أعزّائي من الخطأ البيّن أن يتخرّص بعضنا رأيا خداجا ويُلبسونه حلّة من الحق والصواب، يقولون أن الجزائر غير مستهدفة في فكرها وهويتها، بقدر ما هي مُستهدفة في وحدتها ولُحمتها ومتانتها وتماسكها، ولكن ما الفرق بين أن تكون مُستهدفة في هذا أو ذاك، الأمر سيّان، ولا فرق بينهما ؟!.
أليس الشعب الجزائري مستهدفا من جماعات التنصير ؟، أليس مستهدفا من جماعات الإلحاد واللادينيين والعلمانيين ؟، أليس مستهدفا من الرافضة الشيعة… ؟. أقولها دائما إن الجزائر ميدانٌ ملائمٌ ومجالٌ مناسبٌ ومرتعٌ خصبٌ لتفريخ هؤلاء، وممارسة نشاطاتهم وتحقيق مطالبهم وبلوغ أهدافهم، في ظلّ غياب الإطار المؤسساتي للمرجعية الدينية الوطنية.
صحيح أن وجود الإطار المؤسساتي (المؤسسة) يدعم المرجعية الدينية الوطنية داخل المجتمع، وأن في تأسيسها أهمية مجتمعية (لها علاقة بالمجتمع) يُؤكدها الواقع ويشهد على صحتها؛ إذ تسهم في تعزيز الهوية الوطنية ووحدة الأمة، وتحقيق تماسك المجتمع ومتانة أواصره؛ أقول إلى جانب هذا الدور للمرجعية الدينية المؤسساتية دورٌ آخر لا يقلّ أهمية عما ذكرناه، يتمثل في تعريف أبناء أمتنا بعلمائهم، وإعلامهم بخبر وسير أعلامهم وأذكيائهم؛ الذين صنعوا مجدهم الدينيّ، ولا زالوا بحمد الله تعالى ومنّه وكرمه على سيرتهم الأولى.
عندما يتم تأسيس الإطار المادي المؤسساتي لعمل المرجعية الدينية الوطنية؛ فيصدر بشأنها قانون يُحدّد هياكلها ومبانيها وأعضائها ووظائفها، ويكون لها موقع رسمي على الشبكة العنكبوتية (الأنترنت)، يُتيح للمواطن الجزائري التواصل معها بالأسئلة والاستفسارات والاهتمامات؛ فإنها ستُسهم إسهاما كبيرا في تعريف أبناء الأمة بعلماء الأمة.
المغاربة والتونسيون والمصريون والسعوديون…وغيرهم، يعرفون علماءهم كما يعرفون أبناءهم، ويفخرون بهم، ويُجلّونهم ويحترمونهم؛ فإن مجرّد معرفة أسمائهم وسيرهم وأخبارهم هو تكرمة لعلمائهم، وبذل لواجب الاحترام والتوقير والتبجيل الذي يستحقه ذوو الهيئة والرتبة الدينية.
لكن ماذا عنّا نحن.. ؟، هل نعرف علماءنا ؟، هل ندرك أيّ علماء أقحاح ونحارير وأفذاذ وأفنان أنجبتهم أرض الجزائر ؟. للأسف لو سُئل أحدنا عن لاعبي فريقنا القومي (الوطني)، أوعن فنانينا – مع تقديرينا للجميع – لسمعنا منه ردا عجيبا جوابا عُجابا يكشف عن اطّلاع واسع على شؤونهم وأحوالهم وأخبارهم.
كم من عالم غيّبه الثرى وقد خلّف فوق الثرى تلامذة وطلابا وتواليف وتصانيف لا نحيط بهم خبرا، ولا نسمع لهم ذكرا، أسباب تغييبهم وعدم اشتهارهم تبقى كثيرة وعديدة، منها: عدم وجود مؤسسة تحتضنهم وتعرّف بهم وبعملهم وعلمهم.
وتبقى مرجعيتنا الدينية تنتظر التجسيد..
اترك رد