تاريخ النشر: 8 مارس 2016
بالنظر إلى فكر العالم الشيخ عبد السلام ياسين، نجد أن قضية الاختلاف كانت حاضرة بشكل واضح في منظومته الفكرية المكتملة. وأساس هذه المنظومة أنه ينطلق من رؤية جامعة، أساسها وحدة الأمة، لا تمزيقها، والنظر في ما يمكن أن تتفق عليه جموع العلماء والدعاة والنهضويين، لا فيما يؤدي إلى اختلافهم .
الاختلاف من أجل الوحدة :
إذا كان هناك اختلاف فهو علامة على الحيوية الفكرية، وثراء الشخصية، وعمقها، وهو كما أسلفنا لازمة للمجتمع البشري، ولكن شتان ما بين اختلاف يؤدي للبلبة والتشتت ويمنع العمل، واختلاف يؤدي إلى الإحاطة بجوانب القضية ومن ثم العمل في ضوء مراعاة كافة الرؤى والأبعاد للقضية، نقول العمل لا النظر، فما أشقى أمة، جعلت الجدل ديدنها، ومنعها من الإتقان بل من العمل ذاته.
فمن الأوهام الشائعة في الفكر العربي المعاصر، أن هناك وحدة للأمة، أو ما يسمى الوحدة العربية، وهي في منظور ” ياسين ” وهم كبير، فمما ” يؤلمنا أشد الألم ما فيه الأمة من تجزئة وتشتت، لكن العواطف المتأسفةَ لاتفيد، ولايفيد أن نندفع بوخز الضمير، وداعي الواجب الشرعي في الوحدة، إلى التسرع في بناء وهم وحدوي سرعان ما ينصدع عند أول صدمة”.
فالقضية في مفهوم الوحدة الذي راج كثيرا خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين المنصرم، هو بناء مفهوم وحدوي للأمة على أساس المفهوم الغربي القومي الذي يعود إلى الأصول الإثنية أو اللغوية وما شابه، بالرغم من اعتراف القوميين العرب أن الشخصية العربية وسلوكياتها وتصوراتها ” مشتقة أساسا من الحضارة الإسلامية التي هيمنت على العالم العربي قرونا طويلة من الزمان( )، وكانت الأزمة لدى الفكر القومي العربي الحديث، أنهم شغلوا أنفسهم بجميع المكونات المادية والاجتماعية والثقافية للشخصية العربية وأنماط الإنتاج الاقتصادي، والتاريخ المشترك، وأعلنوا في نهاية الأمر، وبعد تغليب الآراء، وبالطبع التوجهات السياسية التي تبنتها الأنظمة أن مفهومهم ” للشخصية القومية يرتكز على المفهوم الاشتراكي العلمي للشخصية الإنسانية، وخصوصا ما تعلق بربطه لسماتها بالتغيرات التي تلحق بها وبالتكوين الاقتصادي والاجتماعي من ناحية وبالتاريخ الاجتماعي لكل شعب من ناحية أخرى ” ( ). وتناسوا- بالتالي – أن الدين هو الأساس الجامع لهذه الشخصية، فنحن العرب، أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
اترك رد