وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على زعزعة الأمن الفكري .. ذ. أهجو رقية

تمهيد:
لطالما سمعنا عن الأمي، وكما هو معروف عند عامة الناس أنه هو ذاك الشخص الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، لكن هذا الامر بات متجاوزا اليوم؛ حتى أصبح العالم الذي لا يعرف الى وسائل التواصل الاجتماعي سبيلا؛ يعد اميا في نظر البعض. وان كان في هذا بعض من الشطط والاخذ والرد، الا ان وسائل المعلوميات والاتصال عامة غزت كل تفاصيل حياتنا بشكل ملفت ومهول، حتى بتنا اليوم نبحث عن عيادات خاصة لعلاج مرضى ادمان العصر؛ الا وهو ادمان الشبكة العنكبوتية بما حوت من مواقع وغرف ومنازل افتراضية، باتت تغني بشساعتها وتعددها عن الاهل والاصحاب الواقعيين.
ولقد ساعدت تكنولوجيا المعلوميات والاتصال الرقمي على ربط التواصل بين الشعوب بمختلف توجهاتها الحضارية، متجاوزة بذلك الحدود السياسية والجغرافية، وباتت العزلة الحضارية التي كانت تعرفها معظم شعوب المعمورة؛ أمرا مرفوضا ومردودا على أصحابه. وإذ يشهد عالمنا هذه التغيرات المتسارعة في كل مجالات الاتصال المتعدد الأوجه، طال ذلك بالضرورة تغير أنماط التفكير والتوجهات والاعتقادات وحتى القناعات.
وعلينا الاعتراف بالدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في امداد الانسان بكثير من المعلومات والمواقف والاتجاهات، مساهمة بذلك في تشكيل وعيه بإعداده ليكون أكثر قدرة على التأثير في الآخرين واستمالتهم، وأكثر قدرة على الاقناع و جعلت مفاهيمه تتسع وتنفتح أكثر على عوالم مختلفة ومتعددة، بدل العزلة التي كان يعرفها قبل ظهور هذه الوسائل و انتشارها بالشكل الذي هي عليه اليوم. فهي تقدم اللغات وتسهم في ترجمة المعلومات من إلى اللغة العربية، من أجل تسهيل عملية التواصل بين الشباب و إزالة الفوارق الحضارية، فضلا عن تميز هذه الشبكات بعدة مميزات منها “التشاركية و التفاعلية و الحضور الدائم غير المادي” .
وقد نتج عن التزاوج بين تكنولوجيا الاعلام و الاتصالات ظهور ما يسمى بالإعلام الالكتروني، الذي أحدث ثورة في عملية الاتصالات، حيث إن الفرد في المجتمع أصبح باستطاعته أن يرسل ويستقبل و يتفاعل ويعقب ويستفسر ويعلق ويعبر بكل حرية وبسرعة فائقة، حتى اننا أصبحنا نشهد ونلحظ ما يمكن ان نعبر عنه بازدواجية الشخصية الإنسانية، اذ نجد الفرد له شخصيتان متباعدتان تماما؛ واحدة في الواقع يتعامل بها مع كل محيطة الواقعي المعيش، و أخرى خاصة بالتواصل الوهمي في العالم الافتراضي، وغالبا ما تكون وسائل التواصل الاجتماعي عالما ينقض فيها المرء مثقلاته الحياتية، ويلقي فيها كل مكنونات نفسه فيخرج كل ما يستحي من اضماره في واقعه فيعبر عن خلجات روحه بكل اريحية.

وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على زعزعة الأمن الفكري


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ ياسر أغا
    ياسر أغا

    تحيّة طيّبة ، أشكرك على المقال الرّائع و المميّز في طرحه و رؤيته ، حقيقةً أصبحت تشكل وسائل التواصل الاجتماعي اليوم وسيلةً لا ينبغي على كل إنسانٍ أن يتخلى عنها ، ذلك أنّها شكلت هويّة افتراضية و نوستالجية في الوقت نفسه ، جعلت مِن المتواصلين يُشَكّلون بيئات تواصل افتراضية يجمعهم عقدٌ تواصلي تتحكم فيه السنن الخلفية و المرجعيات الإبستيمولوجية يتم بواسطتها تبادل المقصديات من الأطراف المتبادلة للحوار الكائن ، حتى أصبح مِن الضروري أن يكون للفرد اليوم سيرورةً في هذا المجتمع الإلكتروني الّذي يمنحه تأشيرة الوجود الهوياتي التكنولوجي يجعله يتمتع بجنسية الإنسان المعاصر المنفك من كل قيود العرقية .

    1. الصورة الرمزية لـ رقية أهجو
      رقية أهجو

      شكرا لك سيدي

  2. الصورة الرمزية لـ مجاهد الناصر /الجمهورية الجزائرية
    مجاهد الناصر /الجمهورية الجزائرية

    هو صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي ربطت العالم على اختلاف جنسياته واختلاف ثقافاته وايديولجياته وديانته ، وقربت البعيد ، الا ان عملية التوحد والانفصال عن المجتمع ، وعملية العكوف الطويل ، أمام أجهزة التواصل، لم تستطيع أن تترك الفرد حرا طليقا ، حتي يقوم بواجباته الاسرية والمجتمعية، وحتي التعبدية،التي وجد من أجلها في الحياة،وبالتالي فهي هدامة أكثر منها بناءة ، اذا لم يحسن استغلالها،

اترك رد