صاحب ظهور كل شكل جديد من أشكال الاتصال وأدواته هواجس تتعلق بماهيته وحدود تأثيره وأوجه استخداماته، وهذه الهواجس تكون مشروعة حين يلف الغموض مدى تأثير هذه الوسائل والنتائج المترتبة على التعامل معها.
لكن هنالك نقاط أساسية يؤكدها تاريخ ظهور كل المستحدثات الاتصالية، أولها أن هذا الوافد الجديد يمثل إضافة نوعية مؤثرة لكل الوسائل التي سبقته، فالراديو أضاف قطاعاً كبيراً من الجمهور لم تكن الصحيفة تصل إليه، كما أن الصوت أدخلنا عوالم جديدة لها تجلياتها، والتلفزيون أضاف للراديو سحر الصورة الذي مثل لنا مع الصوت عالماً نراه ونلمسه.
ثانياً بالرغم من التوجس من آثار دخول هذه الوسائل الجديدة والسلبيات التي يمكن أن تحدثها في بداية التعامل معها غير أنه لا يمكن الارتداد عنها أو معاداتها باعتبارها مرحلة جديدة من مراحل التطور الاتصالي، فهي سنة كونية ويقيناً أنها ما دامت قد ظهرت إلى الوجود وأصبح لها جمهور قل أو كثر فإن هناك احتياجاً إنسانياً لمثل هذا النوع جعل البعض يفكر في الطريق إلى تلبيته وإشباع حاجة الناس إليه.
وفي تقديري أن ظهورها لا يؤدي إلى القضاء على غيرها ممن سبقتها من وسائل الاتصال بقدر ما يؤدي إلى تطويرها لذاتها والبحث عن جوانب جديدة تحفظ لها البقاء وتضمن لها الاستمرار، ولا بأس من الاستفادة من الرافد الاتصالي الجديد في ذلك وهو ما يؤكده المشهد الاتصالي الراهن، فقد باتت المواقع الإلكترونية لكل الوسائل التقليدية حاضرة وبقوة للتغلب على الجوانب السلبية المتعلقة بالآنية أو مشاركة الجمهور في المضامين المقدمة.
ما أود التطرق إليه هو أن كل وسائل الاتصال جاءت بجوانبها الإيجابية وكذلك تلك الأوجه التي تقلق وتزعج نتيجة عدم الوعي أو حداثة التجربة والرغبة في استكشاف كل جوانبها بدافع الفضول الإنساني، غير أنه من الثابت أيضاً، بعد مرور فترة وجيزة من الزمن، يرشد الجمهور سبل استخدام هذه الوسائل.
ويبدأ في البحث عن تعظيم جوانبها الإيجابية، ووضع آليات للحد من جوانبها السلبية، كما أن هذه الوسائل تعمل ما يمكن أن نطلق عليه بصقل نفسها بنفسها حين يهجر الجمهور بعض ممارساتها فتذبل وتموت ويركز على ما يحقق له الفائدة.
وإذا كان الإعلام الجديد، أحدث حالة اتصالية متداخلة زاد غبارها أحياناً فحدث التشويش والارتباك، إلا أنه في أحيان أخرى فتح الباب لعرض الجانب الآخر من الصورة، حين تكون الرؤية الإيجابية للتعامل مع تلك الوسائل غائبة أو مترددة أو تظهر على استحياء تملأ الفراغ الاستخدامات السلبية وتكون هي الحاضرة.
ولا شك أن قيادتنا الراشدة ضربت بنفسها المثل في كيفية الطرح الإيجابي في التعامل مع تلك الوسائل ورصدت الجوائز للاستخدام الأمثل لها بما يحقق الفائدة للفرد والخير للمجتمع، وهنا يجب أن تكون المؤسسات والدوائر الرسمية حاضرة في هذا المشهد، ولا شك أن آفاق الانطلاق عبر الإعلام الجديد في رحاب التعليم والبحث العلمي رحبة وثرية.
وبخاصة أن تقرير «نظرة على الإعلام الاجتماعي في العالم العربي» لعام 2014، والصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، أشار إلى أنه يتغلغل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمع الإماراتي بنسبة تصل إلى 54%، مما يجعل الإمارات في المركز الأول عربياً من حيث مدى انتشار استخدام الموقع بها.
لذلك يمكن الاستعانة بتلك المواقع لتدريب الطلبة في وقت مبكر على سبل استخدام والاستفادة من مصادر المعلومات الرقمية مثل المدونات التعليمية الرقمية والشبكات العلمية فضلاً عن الموسوعات الحرة والمتخصصة والتي يعجز معها الفرد عن ملاحقتها، وإذا كانت العلاقة بين الأستاذ والطالب لها تأثيرها الكبير في تجويد العملية التعليمية.
فإنه يمكن تعزيزها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما يرسخ لحالة من التوجيه المستمر ويساعد المعلم ذاته على اكتشاف ما لدى طلابه في مختلف المجالات مما يعيد أدواراً للمعلم غابت لفترات طويلة من تعليم فحسب إلى تربية وتوجيه وبناء الإنسان.
كما أن استخدام الشبكات العلمية المتخصصة تصنع حالة من التواصل بين الباحثين على أرض المعمورة يمكن من خلالها تبادل المعلومات والخبرات، مختصرين المسافات الجغرافية والجهد البدني وتكثيف الفترة الزمنية، وهو ما يجعل مناقشة كل جديد بين الكيانات العلمية أمراً متاحاً بشكل يومي، وهو ما من شأنه تقليل فجوة المعرفة بين الشعوب.
من ناحية أخرى فإنه يمكن تطوير مهارات الباحثين ليس في الإمارات فحسب بل في المنطقة العربية على نشر إنتاجاتهم وأوراقهم العلمية من خلال تطبيقات الإعلام الجديد، وهو شكل من أشكال التمكين للعربية، في الوقت الذي يمكن فيه الاستفادة من نموذج الجامعات الافتراضية التي من شأنها الارتقاء بالمستوى الثقافي والتعلم الذاتي للأفراد.
ومن الأهمية بمكان تشجيع إنشاء المكتبات الرقمية والتوسع فيها وبخاصة الشخصية منها بما يمكن كل باحث من نشر إنتاجه العلمي وتبادل الخبرات مع غيره من الباحثين، وهي من أهم أشكال نشر الثقافة العلمية في المجتمع. إن من يتخوف من آثار الإعلام الجديد عليه أن يفتح أفقاً لفكرة جديدة تعظم من قيمة ذلك، إن إضاءة شمعة أفضل بكثير من لعن الظلام.
اترك رد