ذ. عصام بوشربة – ماجستير في العقيدة والفكر الإسلامي المعاصر بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة.
تقديم:
يأتي بحث قضية القراءة الحداثية للقرآن عند طه عبد الرحمن في سياق مناقشة الآراء التي أثارتها قراءة الحداثيين العرب للقرآن ، وجاء هذا في محاضرة بعنوان “الآيات القرآنية والقراءات الحداثية” ألقاها طه عبد الرحمن في قاعة ابا حنيني بوزارة الثقافة بالرباط بالمغرب ليل الاثنين 25 رمضان 1425ه، الموافق لـــ 8 نونبر 2004 ،ونشرت بمجلة “منتدى الحوار” عدد 14 دجنبر2004 ، ثم تطرق طه عبد الرحمن إلى هذا في كتابه “روح الحداثة“ ، وهو بصدد وضع أسس لمشروع حداثة إسلامية ، هذه الأخيرة مبنية على رؤية خاصة يراها طه عبد الرحمن للحداثة ، وهي كونها نزعة وروح مبطنة لدى الإنسان كيفما كان هذا الإنسان ، ومهما كانت الجغرافيا التي يتواجد فيها، وفي أي زمن من الأزمان الذي ينتمي إليه ، ويقابل روح الحداثة كنزوع يرتبط بالإنسان تجسيد وتطبيق الحداثة في مكان مخصوص وزمان مخصوص، وهو ما ينطبق على الحداثة الغربية؛ التي يطلق عليها طه (واقع الحداثة)، فهي أحد أوجه التطبيق من بين تطبيقات أخرى ممكنة .
ولما كان من نتاج واقع الحداثة(الحداثة الغربية) بعث الروح العقلانية النقدية اتجاه واقع ثقافي وفكري سائد، طالت موجة التفكير هذه النصوص الدينية (التوراة والإنجيل)، وكان لهذه الثورة الفكرية صدى وتأثيرا على الفكر الإنساني، والمفكرون العرب لم يكونوا استثناء من هذا التأثير ، سواء من تلقى منهم هذا عن قرب عن طريق التكوين والدراسة في الجامعات الغربية أو تلقي غير مباشر تمثل في البحوث والدراسات ، وهنا نجد طه عبد الرحمن يربط في نقده بما قدمته الحداثة العربية من قراءة حول القرآن وواقع الحداثة .
والمبادرة لإعادة النظر في القرآن ، وإعادة قراءة نصوصه، نظرا لكونه أحد مصادر المعرفة بالنسبة الإنسان العربي المسلم، والمشكل لثقافة، والموجه له في حياته ، وإذا قلنا حياته المعاصرة فهو كلام عن التخلف والركود الذي يعيشه هذا الإنسان في مختلف المستويات ، فراحت التساؤلات تثار حول هذه الحالة: فذهب البعض إلى الاستفسار حول العقل الإسلامي وعلاقته بالنصوص ، أم أن الإشكال في التراث المحيط والدائر حول هذه النصوص (الخطاب الديني) ، أم هي أزمة تراث بأكمله عجزت الذات العربية عن فك شفيرة تحديثه ، والكشف عن عناصر تطوره …
و هكذا يشكل لدينا بحث قضية القرآن وربطه بالإنسان المسلم من جهة، والواقع المعاصر من جهة أخرى إشكالا حاولت الحداثة العربية أن تقدم إجابات حولها ، وستناول في هذه الورقة ما طرحه المفكر المغربي طه عبد الرحمن من داخل خطابه وضمن إطار مشروعه ، و الذي يرى فيه أن لا تأسيس لحداثة إسلامية إلا بضرورة قراءة مبدعة للقرآن ، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول ماهية هذه القراءة والأسس التي تستند إليها .
اترك رد