المؤتمر الدولي الرابع المدن التاريخية، التراثية و العلاقات الدولية

عقد المنتدى الوطني للمدينة مؤتمره الدولي الرابع حول موضوع “المدن التاريخية، التراثية والتعاون الدولي” يوم 21 ماي الجاري بمكناس ( بمقر المجلس الجهوي لجهة فاس- مكناس سابقا) و يوم 22 من نفس الشهر بقصر المؤتمرات بفاس حضرته وفود أجنبية من البرازيل و فنيزويلا و ايطاليا و ألمانيا و هولاندا و فرنسا و اسبانيا و بلجيكا و سوسيرا، وتمثيليات وطنية من مدن مكناس و فاس و البيضاء و الرباط و المحمدية و الجديدة و اكادير و مراكش و القنيطيرة و تطوان و طنجة و العرائش و الناطور و ميسور و تازة و صفرو وتاونات و كلميم و الراشيدية و كلميمة و بني ملال و ميدلت و جرادة و وجدة و مولاي ادريس زرهون ..

كما شارك في هذا المؤتمر العلمي عدد من المؤسسات والهيئات الوطنية ( المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مجلس جهة فاس- مكناس، مجلس الجالية المغربية بالخارج، الجماعة الحضرية لمكناس، جامعة مولاي إسماعيل بمكناس (كلية العلوم، كلية الحقوق، كلية الآداب و العلوم الإنسانية، المدرسة الوطنية العليا للفنون و المهن)، الوكالة الوطنية لترميم وتأهيل المدينة العتيقة بفاس، غرفة الصناعة التقليدية بجهة فاس مكناس، غرفة الصناعة و التجارة و الخدمات ب جهة فاس- مكناس، و ثلة من المستشارات و المستشارين من مكناس و فاس و من مختلف مدن المغرب. كما تميز الحضور بأطر وزارة السكنى و سياسة المدينة، إلى جانب نقابة المحامين وهيأة الموثقين و الصيادلة وثلة من الأطباء والمهندسين و الأساتذة الباحثين و الإعلاميين و رجال الأعمال وشخصيات من عالم الفكر والثقافة والسياسة و الرياضة و الاعلام، بالإضافة إلى عدد من الخبراء والمهتمين من داخل الوطن وخارجه وجمهور من الطلبة.

ويأتي انعقاد هذا المؤتمر الرابع، بعد مرور 5 سنوات من عمر المنتدى الذي تأسس سنة 2012 بحضور 14 دولة أجنبية و ممثل الأمم المتحدة، و 24 مدينة مغربية، و في سياق التراكمات العلمية الأدبية في مجال بلورة تصور حول دور المدن في عالم سريع التغير ومتميز بعدد من التوترات سواء حول الموارد وشحها أو بفعل المشاكل المختلفة والمتنوعة سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، إلى جانب مرافقة دستور المملكة المغربية لسنة 2011 الذي فتح الباب أمام الأدوار الجديدة لمكونات المجتمع المدني وتقعيد الجيل الجديد من الحقوق وذلك بجعل المدينة بوثقة إخراج المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي ومواكبة للدفع به وتوفير كافة الفرص لتحقيقه.

كما يأتي هذا المؤتمر في سياق الحديث عن المدينة كثقافة وحضارة وخاصة كبيئة ، باعتبارها الوسط الحاضن لكل هذه الأبعاد، والمساهم في مختلف تمظهراتها وتجلياتها. فالمدينة بما هي مستقبل للبشرية ونقط ارتكاز للتراب الوطني والتشبيك على الصعيد العالمي من خلال الإشعاع والمساهمة في تداول المعارف وسيولة الثروات والإنتاجات واستقطاب الموارد، أصبحت رافعة في التنمية البشرية وأداة من بين أهم الأدوات في إنتاج الثروة وتوزيعها.

وانكباب المؤتمر على دراسة المدن التاريخية و التراثية و التعاون الدولي، هو انكباب على دراسة رهانات مستقبل مدننا و طرق تدبيرها و تسييرها، وبحث سبل تحقيق مدينة مواطنة دامجة، تضمن الحقوق الإنسانية. كما أنه (المؤتمر) وقفة تأمل في سياق تنظيم المؤتمر العالمي الثاني والعشرين للبيئةcope 22 من خلال الاستلهام من تراث مدننا والممارسات الجيدة التي تأسس عليها هذا التراث وبلورته على مستوى حكامة الماء (للتذكير، إن نظام توزيع الماء بمدننا المغربية يعتبر من أقدم وأعرق الأنظمة)، وتوزيع النسيج الحضري الذي يحترم البيئة الطبيعية والبيئة السوسيوثقافية مما أعطى لكل مدينة شخصيتها ودورها (تقنيات البناء والهندسة المعمارية، العلاقة بين المكونات المعدنية والنباتية، توفير جودة حياة، العلاقة بين الرابط الاجتماعي والروابط المعمارية والتعميرية من قبيل تراتبية المجالات والجوار وخدمات القرب …).

إن هذا الاهتمام، يأتي – كذلك – من أجل لفت الانتباه إلى هذا التراث المشترك بيننا و بين الآخرين والذي لا يمتد إشعاعه فقط داخل الفضاء العربي- الإسلامي إلى جانب الفضائين المتوسطي والإفريقي، بل يتعداه إلى قارة أمريكا الجنوبية بالإضافة إلى استثماره في بناء تعاون دولي مثمر يؤسس لتعاون جنوب – جنوب من خلال بناء علاقات عبر أطلنطية في المنطقة الجنوبية للمحيط الأطلنطي والتي يجب اعتبارها حوضا مشتركا للعلاقات الأفرو-لاتينية التي نحن بصدد تأسيسها.

فبعد حصيلة 5 سنوات من العمل والحلم، انصب اهتمامنا اليوم، في هذا المؤتمر الرابع، على الدور الذي لعبته المدن التاريخية بما لها من تراكمات إيجابية وسلبية في تغذية الجوانب الإيجابية والتي نمت في سياقها بعض الممارسات السلبية أو تم تجاهل عدد من الممارسات الجيدة هو ما يجعلنا نهتم بالتراث في أبعاده المادية واللامادية ودوره في بناء عالم يكفل للمدن كمراكز لإنتاج الثروة ضمن نظام يقوم على التعايش واحترام الآخر ونسق بيئي يقوي من الممارسات الجيدة ويدعمها وفق مقاربة تشاركية تقوم على قيم المواطنة من خلا ل الربط العضوي بين الحقوق والواجبات. فالحضارات ليست منذورة للصراع إنما الجهل هو الذي يؤجج هذا الصراع. لهذا نحن مسؤولون على الحفاظ على هذا التراث وتوريثه للأجيال المقبلة بأقل تكلفة ممكنة مع تأهيلهم لاستثماره بما يضمن حق هذه الأجيال المقبلة في العيش الكريم والتعايش السلمي مع الخروج من منطق الصراعات البالية التي ترهن المستقبل، وهو ما يجعلنا نؤكد على مرجعية المقولة التي تؤكد على أن “القديم لا يموت، والجديد لا يولد من عدم”.

إن المدن التاريخية المغربية كانت دائما منفتحة على المدن الأوروبية والإفريقية والآسيوية وحتى العالم الجديد (التجارة والتعليم والمعرفة العلمية والدينية، والهجرة …)، ومورفولوجية المناطق الحضرية لا تزال تحتوي على هذه العلاقات وهذا التراث المتعدد إلى اليوم، بما يعبر عنه من تداول للمعرفة والسلع الثقافية وأمكنة المواجهة و / أو التعايش مع شعوب الدول الاستعمارية (المدن الجديدة والمدن العتيقة، الخ.)، إلى جانب نقل هذا التراث العمراني، من خلال قنوات مختلفة، إلى قارة أمريكا الجنوبية والذي يبقى ضعيف التحليل ويعاني من نقص في التعبئة.

إن المؤتمر الرابع شكل فرصة لتدارس هذه القضايا من خلال دعوة كل “صناع المدينة” مغاربة وأجانب ومن مختلف المستويات والهيئات، حكومية وغير حكومية، سياسية ومدنية وعلمية ،ومن القطاع الخاص للعمل المشترك من أجل مدينة مواطنة و خلص إلى العديد من التوصيات أهمها:

– 1. إعداد ميثاق المدينة المواطنة الحاضنة للرجال و النساء و لكل المواطنين و الفاعلين فيها، ينص على الحق في الكرامة و العيش المشترك و الولوج إلى الخدمات الأساسية (لاسيما التعليم و الصحة و السكن و الشغل و النقل العمومي)، انطلاقا من المادة 31 من الدستور المغربي لسنة 2011، و المعايير الدولية من قبيل التصريح العالمي لحقوق الإنسان و مواثيق 1966 و التصاريح المتعلقة بالبيئة و التنمية المستدامة (مؤتمر الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة، ريو +20، 2012) و أهداف الألفية للتنمية و أجندة التنمية لما بعد 2015 ؛

– 2. الحفاظ على الذاكرة المشتركة للمدن و حمايتها والاشتغال عليها كتراث للتنوع و الوحدة ( التراث اليهودي و المسيحي و الإسلامي و الأمازيغي و العربي..)، و اعتبارها دعامة أساسية في العلاقات الدولية والأجنبية وموضوع أساسي في التعاون الدولي، بما يساعد في التغلب على التوترات المجتمعية و الطبيعية و البيئية، من أجل الرفع من جودة العيش المشترك؛

– اعتبار الحق في المدينة و تراثها المادي و اللامادي ( كما أصبح تداوله منذ 1990) حق من حقوق الإنسان، و المدن فضاءات جماعية – مسؤولة عن السياسات المحلية – ضامنة لذات الحقوق، عبر الولوج العادل و المنصف إلى الخدمات الأساسية؛

– 3. الانخراط في برامج وطنية و دولية، تهدف إلى النهوض بالتراث الثقافي بميراثه المادي و غير المادي؛

– 4. الانخراط في مشاريع وطنية و دولية للحفاظ على التراث المادي الذي يشمل المباني و الأماكن التاريخية و الآثار و التحف، و التشجيع على التكوين والتأطير في مجال الهندسة المعمارية و الفنون التراثية و علم الآثار لضمان التواصل مع الماضي؛

– 5. تنظيم أنشطة تحسيسية و إشعاعية و تدريبية لحفظ التراث، مع إيلاء تركيز خاص على إنشاء الأدوات التعليمية و التربوية؛

– 6. دعوة القائمين على تدبير و تسيير المدن إلى استخدام مناهج التخطيط المتكامل و المندمج في المدن التاريخية و الاستثمار السياحي في موروثها الإنساني و الحضاري، و نهج سياسات محلية في الحفاظ على التراث و إشراك المجتمع المدني في انجاز مشاريع مشتركة من أجل جعل المدن التاريخية فضاء لجودة الحياة؛

– 7. بلورة مشاريع مواطنة تهدف إلى النهوض بالمنظر العام لمدننا وللخدمات داخلها، مع وضع برامج موجهة للفئات الهشة والمهمشة بما يقوي الرابط الاجتماعي ويجعل من الاختلاط السكاني ثروة حضارية؛

– 8. اعتبار مغاربة العالم “سفراء” المنتدى الوطني للمدينة أينما تواجدوا، لما يتوفرون عليه من قدرات و كفاءات و مهارات و قدرة على إنجاز و تتبع برامج للتوعية المجتمعية المنفتحة على التعدد و التنوع الثقافي و الديني و ما يضمنه من أهداف إنسانية مشتركة من أجل السلم و السلام بدل الشقاق و النزاع و العنف الإرهاب.

– 9. تعبئة صناع المدينة و كل الفاعلين في التنمية المحلية حول مسألة حقوق الإنسان في سياسات المدينة، وذلك من أجل إنتاج مشروع ترابي جماعي لتحسين ظروف عيش المواطنين و حمايتهم من الاستبعاد الاجتماعي.

– 10. المساهمة في التقليص من حدة التحديات العمرانية الناجمة عن الزحف العمراني و عن تزايد الحجم السكاني للمدن وبروز سكان الضواحي و الهوامش.

– 11. تشجيع و دعم البحث العلمي للقيام بالدراسات الحضرية ببلادنا و مقارنتها مع غيرها، و مساعدة الطلبة للقيام بالدراسات العليا المتخصصة في مجال التراث العمراني، و الإسهام في النقاش و الحوار حول المدينة المواطنة في ضوء التحديات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية التي أضحت تواجهها، و تنظيم مسابقات في مواضيع التراث و العمران و سياسة المدينة.

– 12. المساهمة في بلورة وعي حضري و بيئي جديد، و تغيير السياسات و القوانين و التشريعات و أدوات ومناهج العمل المعنية بالمخططات التنموية الجهوية و التهيئة الحضرية و التطور العمراني للمدن التاريخية و غيرها؛

– 13. الاهتمام بالمدن الحديثة و تمكينها من التنمية المستدامة و خاصة المدن العمالية/المنجمية كمدينة جرادة؛

-14. إنشاء مرصد المدينة المواطنة و التراث العمراني لتشجيع تبادل تجارب الحفاظ على التراث، ووقف الدمار الذي تتعرض له المدن التاريخية و حماية التراث الإنساني.

و إيمانا بالدور الذي يلعبه “صناع المدينة” داخل المغرب و خارجه، تم تكريم عددا من مؤسسي المنتدى الوطني للمدينة و هم: الدكتور أحمد حرزني الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان و الكاتب العام السابق للمجلس الأعلى للتعليم العالي؛ المستشارة و الناشطة السياسية و النسائية المغربية- الفرنسية الزهرة دراس؛ الفاعل الجمعوي و الحقوقي بايطاليا حميد بشري ، عضو مجلس الجالية المغربية بالخارج. و الباحثة في السوسيولوجيا برلا كوهين المتخصصة في التراث اليهودي المغربي.

المصدر: دنيا الوطن

نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد