إن فهم إشكال العلاقة مع النص والتراث الإسلامي في الفكر العربي، لا يمكن إنجازها دون استحضار الثقل الذي يشكله الإطار المرجعي داخل حياة المفكر العربي، فكيف يمكن قراءة الذات والحاضر، والمفكر العربي لازال أسيرا، لنظم مرجعية لم يحسم في مدى ملاءمتها للواقع، ونحن لا ننكر ما لتجربة الغير مع واقعه من آثار إيجابية وسلبية، غير أنه حينما تتحول تلك التجربة إلى مصدر أو مرجعية مطلقة، بها تقوم الذات، فهذا يبين بوضوح أن المفكر العربي لم يستطع بعد تأسيس الذات بما يكفي لتجاوز أزمة البناء الفكري لخطاب نقدي يقوم على جهد الذات في فهم الذات، ذلك أن الفكر العربي منذ بداية تشكله في نهاية القرن التاسع عشر هيمن على مفاصله الكبرى الموضوعات ذات البعد الإشكالي، والتي تكشف في مجموعها عن أزمة التأسيس، وذلك لطغيان الخلفية المرجعية على الممارسة النقدية، ومعالجته لقضايا الهوية والنص من داخل مرجعيات محددة، تشكل الإطار الناظم الذي ينطلق منه،ومرد ذلك إلى فقدان الفكر العربي لحرية النقد بعيدا عن الإكراهات السياسية والإيديولوجيا، وقد أصيب الفكر العربي بهذه الأزمة حينما استند إلى غير الذات بحثا عن إطار مرجعي يشكل الخلفية الناظمة للانطلاق تجاه التعامل مع مختلف القضايا التي أنتجها الفكر العربي[1].
ومن تم يمكن التأكيد على مدى الارتباط بين أزمة الهوية التي يعيشها المفكر العربي، وبين إشكال المرجعية، وتزداد حدة هذه الأزمة، كلما ازداد الضغط الخارجي على البناء الاجتماعي والاقتصادي … مقدما نفسه نموذجا لكل الشعوب الباحثة عن النهوض الحضاري، الشيء الذي يكشف كيف تشكلت الكثير من الخطابات العربية على خلفية المقارنة بيننا وبين غيرنا، حتى تنامى الإحساس بضرورة الركون إلى مرجعيات تشكل النموذج وأرضية الانطلاق. ومن المعلوم أن هذا الضرب من التعامل مع المرجعيات الأجنبية قد تسبب في ترسيخ الأسلوب الانتقائي في ممارسة الكثيرين[2]، بل وكان وراء بروز هشاشة البنية الفكرية ذات المنزع التغريبي، لأنها بنية مؤسسة ابتداء على خلفية التبيئة المحكومة في كثير من الأحيان بأسلوب تأويلي، تأويل ما عند الغير من أفكار وتصورات لتحقيق حاجات محلية سياسية وإديولوجية.
اترك رد