نوقشت يوم الاثنين 27 يونيو 2016 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس سايس، جامعة سيدي محمد بن عبد الله- المغرب، أطروحة جامعية لنيل درجة الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية، بعنوان: “أصول تدبير الاختلاف في القرآن الكريم: دراسة تأصيلية تحليلية”، للطالب الباحث محمد الصادقي العماري.
وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة أهل العلم والفكر: الدكتور إدريس الشرقي رئيسا، والدكتور عبد العظيم صغيري عضوا، والدكتور شاكر السحمودي عضوا، و الدكتور محماد رفيع مشرفا ومقررا.
وبعد المناقشة، انتهت مداولات اللجنة العلمية إلى منح الطالب الباحث محمد الصادقي العماري درجة الدكتوراه في تخصص العقيدة والفكر الإسلامي، بميزة مشرف جدا.
وفيما يلي التقرير الذي تقدم به الطالب أمام لجنة المناقشة:
الحمد لله الذي تفرد بالوحدانية، وجعل الخلق مختلفين في الآراء والأفكار، والألسنة والألوان ..، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم، الذي بعثه الله تعالى برسالة الوحدة والألفة والاجتماع، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن القرآن الكريم هو الحاكم الأول، والضابط للعلاقة بين أهل القرآن والمخالفين لهم في الدين والفكر والثقافة والحضارة ..، فهو أساس هذه العلاقة، وهو القادر –بوصفه خطابا عاما للإنسانية- على إعادة صياغة هذه العلاقة وبنائها على أصولها وضوابطها الصحيحة، وإزالة ما علق بها من فهوم خاطئة، انعكست سلبا على العلاقة بالموافق قبل المخالف.
والقرآن الكريم يشير في آيات كثيرة إلى أنه هو المرجع في الحكم بين الناس يقول تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾(المائدة:48)، وأنه كتاب بيان للاختلاف: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾(النحل:64)، وموجها الخطاب للمخالف بقوله: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾(النمل:76).
والقرآن شريعة فهم الاختلاف وتدبيره، فإن البشرية اليوم مطالبة بسماع خطاب القرآن، خطاب فهم الاختلاف وتدبيره، هذا الخطاب الذي يؤمن بالاختلاف، ويؤسس لمشروعيته، ويجعله آلية من آليات الإنتاج والعطاء الفكري والثقافي، ويدعو إلى تقنينه وتدبيره وفقه فلسفته.
فبذلك كانت شريعة القرآن شريعة لكل الناس، على اختلاف معتقداتهم وألوانهم وأعراقهم ..، لذلك ينبغي تطبيق هذه الشريعة والإيمان بها، ليعم الوفاق، وتسود الألفة المجتمع الإنساني، وينعم الجميع في ظلها بالأمن والسلم والكرامة والعدل والحرية ..
وما دامت شريعة القرآن محاربة وممنوعة من حقها في إعطاء جوابها الإنساني والحضاري، فإن العالم لن يجد العلاج[1] لهذه النزاعات والاختلافات والحروب المدمرة للإنسان والعمران، لأن القرآن الكريم يهدف إلى عالم تسوده الأخوة الإنسانية، بناء على نظام دولي يقوم على أساس الألفة والموافقة، ولإثبات صحة هذا الادعاء، على أهل القرآن أن يقيموا شريعته في نفوسهم، وفي حدود أقاليمهم، لننتقل من التنظير القرآني، إلى الممارسة العملية المؤثرة.
فقد أسيئ فهم الاختلاف في عالمنا المعاصر، وأصبح للاختلاف معنى الصراع والصدام ..، وظهر على الساحة باحثون ومنظرون لهذا الاتجاه، سواء من المسلمين، أو من غيرهم، وانتشر هذا الفكر وزكاه الإعلام، فتعددت الجهات الداعية إلى الفرقة والنزاع والصراع بين المذاهب والطوائف والفرق الإسلامية، وبينها وبين المخالف الديني والحضاري.
لذلك جاءت هذه الدراسة، في ظل هذا الوضع المشحون بالنزاعات والصراعات، معتمدة على القرآن الكريم بالقصد الأصلي، وعلى غيره من مصادر التشريع بالقصد التبعي، لتصحيح الرؤية إلى الخلاف والمخالف، وذلك من خلال طرح رؤية منهجية تأصيلية تقعيدية، نبرز من خلالها نظرية القرآن للاختلاف وتدبيره.
[1]– وقد يعترض على هذا الموقف، بالقول أننا ندعي امتلاك الحقيقة كاملة، ونقصي ونرفض المنجز الإنساني، والجواب: أنها ليست دعوى بدون دليل، بل هي حقيقة تقوم على أن الشرائع قبل شريعة القرآن كانت غايتها ومقصدها الإصلاح للإنسان، وتنظيم علاقته بالله وبأخيه الإنسان وبالكون، أما شريعة القرآن الكريم فهذا ما سنبرهن عليه من خلال هذه الدراسة، ويكفي هنا الإشارة إلى أن شريعة القرآن كانت أول من دعا إلى الائتلاف بخطابها العالمي العام للمجتمع الإنساني، تأمل قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾(الفرقان:1)، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾(الأنبياء:107) ﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾(القلم:52)، وشريعة القرآن جعلت الاختلاف لقصد التعارف الإنساني: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾(الحجرات:13)، وقال صلى الله عليه وسلم: “.. وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً” الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه،(صحيح البخاري)، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، ط/1، (1422هـ)، كتاب التيمم، رقم: 335، 1/ 74.
اترك رد