التكافل الاجتماعي على عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أزمة عام الرمادة نموذجا
حورية محمدي: باحثة في الدراسات الاسلامية بجامعة محمد الاول وجدة المغرب
تمهيد
لقد سار الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاهتمام بالفقراء، والحرص على التكافل الاجتماعي بين افراد المجتمع كافة، وبدل ما في وسعهم لإغاثة كل محتاج، فقد اعطوا الفقراء حقهم حتى لم يعد ثمة محتاج لم تقم الدولة بحاجته ، فقد جاد الصديق رضي الله عنه مند ايام الاسلام الاولى بكل ما يملك في سبيل الاسلام فسارع الى عتق الرقاب، وفك ازمات المسلمين المستضعفين، ولما ولي الخلافة سار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم في مراعاة الفقراء والمساكين واغاثة الملهوفين، بل وقاد حروب الردة دفاعا عن حقهم الذي فرضه الله على الاغنياء، وكان عمر رضي الله عنه حريصا كل الحرص على أن يصل الى الفقير وصاحب الحق حقه في بيت مال المسلمين، الذي كثرت موارده، من غير عناء اذ أن كل عناء ينال المحتاج هو ظلم لا يسوغ من العادلين. ولذلك اعتزم في اخر حياته ان ينتقل بنفسه الى الامصار الاسلامية ليعطي المحتاجين حقوق ،كما سار عثمان رضي الله عنه على نفس نهج من سبقه من الخلفاء الراشدين من اهتمام بالرعية وتكافل مع الفقراء والمساكين، فزاد من عطائهم الذي كان عمر قد فرضه لهم من بيت المال، وشهد الناس في خلافته خيرا كثيرا، عم المجتمع باسره، كما كان الامام علي رضي الله عنه يرشد الضال ويعين الضعيف، وقد تصدق بقطعة ارض كان عمر بن الخطاب قد اقطعها اياه في ينبع، فحفر فيها عينا، فتصدق بها على الفقراء والمساكين في سبيل الله .
عمر رضي الله عنه والتكافل الاجتماعي
ومن اكثر الخلفاء الذين لهم باع في التكافل الاجتماعي نجد الفاروق رضي الله عنه، فمن انجازاته الإدارية رضي الله عنه أنه أول من دوَّن الدواوين ، و طوَّر أداء بيت المال و رتب فيه أسماء أهل العطاء ، والعساكر على القبائل والبطون ، وذلك أن الناس كثروا في عهده ، وجبيت الأموال ، و كثر الخراج في عهده رضي الله عنه فاستعمله في الفتوحات و ترتيب الاجناد. كما أنه أسقط الجزية عن الشيوخ والنساء والأطفال من أهل الذمة، وجعلها مراعيةً لأحوالهم.
ولقد كانت السياسة العمرية قائمة على مبدأ “إذا أعطيتم فأغنوا” وليست ” مجرد سد جوعته بلقيمات أو إقالة عثرته بدريهمات” فحسب، بل اشباع حاجته حتى يتحقق الغنى ويظهر معنى التنعم والنعمة، جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه يشكو إليه سوء حاله فأعطاه ثلاثة من الإبل وقال للسعاة:” كرروا عليهم الصدقة وان راح على أحدهم مائة من الإبل” قال ابو عبيد:” فأرى عمر قد توسع في الاعطاء حتى بلغ المائة”. وقد وضع عمر بن الخطاب للامة منهجا قويما وصورة فريدة عجز التاريخ عن تحقيق امثالها في مجال التوزيع، فقد كان يصنع الطعام للمحتاجين ويأمر مناديه لينادي:” من احب ان يحضر طعاما ليأكل فليفعلن ومن احب ان يأخذ ما يكفيه واهله فليأخذه” واستجابة لما املاه عليه منهجه في ذلك، فرض للمولود مائة حتى اذا ترعرع بلغ به مائتين”، كما وصل العطاء والتكافل في عهده الى كل فئات المجتمع ومنهم اللقطاء، وكان يوصي بهم خيرا، ويجعل رضاعتهم ونفقتهم من بيت المال .
وقد امتدت يد الرعاية منه الى غير المسلمين فضمن لهم العيش الكريم في ظل الدولة الاسلامية، وهذا ما تتميز به عدالة الاسلام ومنهجه. فقد رأى شيخا يتكفف الناس فسأله:” من أي اهل الكتاب انت؟ فقال: يهودي. فسأله: وما ألجأك الى هذا؟ قال: الجزية والحاجة والسن”. فأمر عمر بطرح الجزية عنه، وأن يعان باعتباره مسكينا وأرسل إلى خازن بيت المال وقال له: ” انظر الى هذا وضرباءه، فوالله ما انصفناه إن اكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم”. ومر على قوم فقراء مرضى بالجذام في الشام فأمر ان يعطوا من الزكاة وان يجرى عليهم الطعام بانتظام. بل انه رضي الله عنه كان يرى نفسه مسؤولا عن كل ما يصيب الانسان، او الحيوان داخل الدولة الاسلامية، حتى إنه قال: لو مات جمل ضياعا على شط الفرات، لخشيت ان يسألني الله عنه .
كما اهتم رضي الله عنه بالرعية في كل المجالات فقد اتخذ دارا للدقيق وضع فيها الدقيق والسويق والتمر والزبيب وما يحتاج اليه المنقطع، كما وضع بين مكة والمدينة بالطريق ما ينصلح به المنقطع.
اترك رد