الانترنيت والتعبئة السياسية

الانترنيت ووظيفة التعبئة السياسية

لا شك أن وسائل الإعلام الرقمية والشبكات الاجتماعية أصبحت تزود المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني عموما بأدوات وإمكانيات مهمة للاتصالات والتعبئة في مختلف الميادين ومن ضمنها المجال السياسي. حيث يستطيع الأفراد والجماعات أن يقدموا آراءهم ومواقفهم ويعبروا عن اعتراضهم، تجاه القرارات المتخذة والسياسات العامة المتبعة، وبذلك يعززون مبدئيا الاتجاهات نحو الديمقراطية السياسية.

وبالفعل تساهم تكنولوجيات المعلومات الجديدة في إعادة تشكيل عميق للثقافة السياسية، حيث يعتمد المجتمع المدني في القرن الواحد والعشرين على الإنترنت ووسائل الاتصالات الأخرى في بنيته التحتية، وفي الحصول على ملاذ رقمي يمكن فيه خلق وإدارة النقاشات المدنية والسياسية. مما يجعل المواطنين يتأقلمون مع التفكير والعمل الديمقراطي وتشكيل ومراقبة وتقييم السياسات العامة.

لذلك تستعمل مجموعات المجتمع المدني الإنترنت كأداة لوجستيكية للتنظيم والاتصال. وتوفّر شبكة الإنترنت في هدا السياق بنية تحتية للمعلومات مستقلة عن الدولة، حيث تتمكن الحركات الاجتماعية من النمو[1]. وهكذا بدلت شبكة الإنترنت حركات الاتصال السياسي في دول عديدة، وعليه أصبح فضاء الانترنت المنتدى الذي يتحدى فيه المجتمع المدني الدولة نفسها. ولقد اتخذت الثقافة السياسية الالكترونية لدى المواطنين محتوى دولي متزايد للأنباء التي يستمعون اليها. كما يستعمل أفراد العائلة والأصدقاء شبكات تويتر، فيسبوك، في اتصالاتهم، بصورة مستقلة عن رقابة الدولة المباشرة. ناهيك عن ازدهر عدد العاملين من المجتمع المدني على شبكة الإنترنت الخ.

لقد لعبت وسائط الاتصال الحديثة، المتمثلة خصوصا في المواقع والشبكات الاجتماعية، مثل «فايسبوك» و»تويتر» هذا الدور، أي التقريب بين الناس، الجمع بين الأفكار والطموحات والرغبات المشتركة، دفع الناس إلى اجتراح طرق التعبير عن آرائهم في حرية تامة، بعيدا عن الطابوهات وأشكال القمع الفردية والجماعية وبعيدا عن الرقابة والمنع. لقد أصبحت هذه الشبكات الاجتماعية بمثابة أغورا (agora) إغريقية، أي ساحة مفتوحة لتبادل الآراء، فيها يعبر الفاعلون عن رغبتهم في التمتع بالحرية وممارستها. وقد ازداد دور فضاءات الأنترنت، خصوصا في المجتمعات التي يشعر داخلها الناس -كأفراد أو كجماعة- محرومين من حرية التفكير والتعبير، مراقبين يوميا في أنماط التواصل بينهم، أي في مجتمعات تسلطية واستبدادية لا تعترف للمرء بحقه في المواطنة، وهو ما يحدث الآن في الصين وروسيا وفي العديد من البلدان العربية، حيث صار «فايسبوك» و«تويتر»، على مدى سنوات، المتنفَّسَ الوحيد للناس في مواكبة التحولات الحديثة التي تحدُث في أكثر من بقعة في العالم
وبالفعل فقد أظهرت وسائط الاتصال الحديثة المرتبطة بالشبكة العنكبوتية أنها تشكل عاملا من العوامل المهمة في تعبئة الحشود وصياغة الشعارات المرحلية من التحولات السياسية التي تعرفها بعض أقطار العالم العربي. أفرز هذا الأمر، أيضا، جيلا من المدونين الفاعلين بقوة في المجتمع المدني، يمكن تسميتهم المدونين -المقاومين أو المدونين -المنشقين، الذين جسدوا، عبر كتاباتهم وإسهاماتهم، الحس المدني الداعي إلى المواطنة والحقوق والحرية والمساواة في توزيع الثروة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية الخ. فمثلا كان زهير يحياوي في تونس أحدَ أوائل هؤلاء المدونين المنشقين الشبان، وقد مات في سجون زين العابدين بن علي سنة 0052، بعد أن قضى سنة ونصف في الاعتقال التعسفي وخاض ثلاثة إضرابات عن الطعام. نشر مجلة إلكترونية بعنوان «tunizine» وكان يوقع مقالاته باسم «التونسي». كان زهير يحياوي أولَ ضحية لـ«القمع الأمني الإلكتروني»، فقط لأنه نشر رسالة للقاضي مختار يحياوي، عمه، الذي فصله نظام بن علي، لرفضه إصدار أحكام انطلاقا من تعليمات خارجية داعية إلى خرق القانون. وقد كانت مدونة زهير يحياوي تتميز بالتعليقات السياسية الجريئة والسخرية السوداء والمقالات التحليلية، ليتم القبض عليه في النهاية، بتُهم نشر أخبار كاذبة وسرقة وسائل اتصال والاستعمال السري لها.

* أستاذ التعليم العالي جامعة القاضي عياض- مراكش


[1] فعلى سبيل المثال، نظم مواطنون تونسيون يرصدون الفساد في الدولة صفوفهم لإعداد أشرطة فيديو بثت على يوتيوب تظهر زوجة الرئيس التونسي وهي تستعمل الطائرة الرسمية للقيام برحلات تسوّق إلى باريس


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ ندى
    ندى

    الفايسبوك والتويتر اصبح كالحقنة المخدرة التي تستهوي العقول وذالك نظرا للإستعمال الا عقلاني أو فقدان ثقافة النات وما تنطوي تحته العديد من المشاكل وخاصة المشاكل النفسية ويسمى علم النفس الإليكتروني وجاء هذا العلم نتيجة استعمال هذه المواقع الإجتماعية ومايتجرا عنها من أخطار نذكر منها العزلة واللإنطواء وانعدام التفاعل الإجتماعي حيث أصبح هذا الأخير أي التفاعل الإجتماعي تفاعل إفتراضي

اترك رد