العوامل الداخلية والخارجية لنمو الوعي القومي في المستعمرات البرتغالية في إفريقيا .. أ. د. منصف بكاي

أ. د. منصف بكاي: مدير مخبر الدراسات الإفريقية بجامعة الجزائر 2

تمهيد :
قبل الشروع في التطرق إلى حيثيات هذا الموضوع، يتوجب علينا التوقف ولو بإيجاز عند جدلية ، إذ يتعلق الأمر بجدلية بين الاحتلال والتحرر بحيث لا يمكن أن يكون هناك احتلال بدون مقاومة ولا هذه بدون احتلال . بالفعل قد يتخذ الاحتلال أشكالا مختلفة ولكنه يظل احتلالا وسيطرة على الآخر ، فيؤدي ذلك إلى التحدي وردود الفعل وهو ما نسميه المقاومة، والمقاومة قد تكون عنيفة عنف الاحتلال وقد تكون ضعيفة كالتحدي النفسي أو الموقف السلبي ، ولكنها تظل مقاومة كامنة ومكتومة ، في انتظار لحظة الانفجار وفرصة الضرب بقوة وعنف ، وعندئذ ترفع المقاومة شعار التحرر من سيطرة المحتل الغاشم. وفي هذا السياق ، ولإعطاء الموضوع حقه يتوجب علينا أيضا أن نعرف الاحتلال والتحرر قبل المضي إلى صلب الموضوع. ففي القاموس السياسي واللغوي أن الاحتلال Conquest , Conquette هو فرض هيمنة بالقوة العسكرية على قوم عجزوا عن صده بكل أشكال المقاومة . أما المقاومة ، فهي كل فعل يتصدى للإحلال ويعمل على إنهاكه والقضاء عليه . وهذه العملية النضالية هي التي نسميها ” تحررا” .
ومن هنا يمكننا القول أن الذين يقاومون الاحتلال إنما يريدون التحرر منه لكي يتمتعوا بحريتهم ويحافظوا على ذاتيتهم وخصائص حضارتهم ، وهي التي أصبح يطلق عليها في العصر الحديث “الهوية الوطنية” . وكما هو معلوم لا يوجد من يرضى بالاحتلال حتى ولو كان من سكان الأدغال أو “الشعوب البدائية ” . فهؤلاء يقاومون الدخلاء عليهم لا باسم الحرية والهوية الوطنية والحضارة ولكن باسم غريزة البقاء التي ترفض كل هيمنة أجنبية ولو كانت تريد إخراجهم من حالتهم البدائية. وإذا كانت هذه حالة الإنسان البدائي فكيف تكون حالة الإنسان الذي ارتقى درجات في سلم الحضارة وأصبح واعيا لدوره في المجتمع خصوصا إذا ما علمنا أن الشعوب الإفريقية كانت لها ممالكها ونظمها السياسية وتأثرت بالحضارة الإسلامية عن طريق التجار العرب وسلاطين عمان الذين شيدوا حضارة راقية على الشريط الساحلي المطل على المحيط الهندي، أو الإمبراطوريات والممالك الإفريقية التي ظهرت في جنوب شرق أو جنوب غرب إفريقيا نذكر منها إمبراطورية المونوموتابا في زمبابوي والموزمبيق ، مملكة الزولو في جنوب إفريقيا ومملكة الكونغو التي ضمت أيضا أنغولا والغابون.
وبالرغم من تمكن الأوربيين من السيطرة على الموزمبيق وغينيا بيساو والرأس الأخضر في نهاية القرن التاسع عشر 19م ، إلا أن شعوب هذه الأجزاء من القارة السمراء رفضوا الأمر الواقع ، و أدركوا أن فقدان السيادة معناه الخضوع لهيمنة قوة أجنبية كان هدفها الأساسي خدمة أغراض الإمبريالية المتمثلة في الاستغلال الفاحش للموارد البشرية والمادية التي تزخر بها هذه المناطق، وكذا جعلها في خدمة مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى. ومن أهم الانتفاضات التي خلدها التاريخ الإفريقي نذكر انتفاضة أهالي مملكة غازا Gaza بالموزمبيق التي استمرت إلى غاية سنة 1902 م . كما شهدت البلاد انتفاضات عديدة في الفترة الممتدة من سنة 1892 م إلى غاية سنة 1896 م للتنديد بتطبيق البرتغال لسياسة فرض العمل الإجباري قصد تزويد الشركات الاحتكارية باليد العاملة . وفي هذا السياق، اعتمدت الإمبريالية البرتغالية على الإدعاءات الكاذبة لتبرير سيطرتها على هذه الأجزاء من إفريقيا كزعمها أن تواجدها في المنطقة هو بهدف نشر الحضارة و تخليص الأهالي الأفارقة من براثين التخلف و الجهل.
ومن المعروف، أن المشاكل السوسيو- اقتصادية التي واجهت القوى الإمبريالية لاسيما الإمبريالية البرتغالية عقب الانقلاب الصناعي قد جعلتها غير قادرة علــى حل المشاكل الاجتماعية التـي اعترضتها مما دفعها إلـى اتخاذ مستعمراتها في ما وراء البحار بشكل عام و إفريقيا بشكل خاص كوسيلة لتصدير آفة البطالة. وعليه، يمكن القول أن المستعمرات في ما وراء البحار قد أصبحت بمثابة خزان في وقت الأزمات واستثمار للموارد المالية الضخمة و تصدير الفائض من السكان عند الحاجة كما هو الشأن بالنسبة لإفريقيا. كان وراء هذه الإستراتيجية لوبي إمبريالي ضم إلــى جانب المغامرين، الغرف التجارية، الجمعيات الجغرافية والبعثات التبشيرية المسيحية، إضافة إلى أن الفكر الإمبريالي كان يهدف إلى إضعاف المجتمعات الإفريقيـــة و وتدمير مقوماتها.
والجدير بالذكر أن ردود فعل الأهالي الأفارقة في المستعمرات البرتغالية قد تميزت بطبيعة الحال برفض هذا الواقع المر، وقاموا بثورات وانتفاضات خلدها التاريخ الحديث و المعاصر.
إن هذه المقاومة قد أكدت على ردود فعل عنيفة من قبل الأهالي الأفارقة في أنغولا الموزمبيق ، غينيا بيساو والرأس الأخضر ، والتي اتسمت برفض لواقع لم يألفوه من قبل، واقع ساهم إلـى حد كبير في إضعاف كبير لقدراتهم وتأثير على تركيبتهم الاجتماعية .
وبالرغم من فشل الثورات و الانتفاضات في المستعمرات البرتغالية ، إلا أنه يمكن اعتبارها محاولة من المحاولات أو وسيلة من الوسائل الهادفة إلى وضع نهاية للتواجد الأوربي في البلاد. وعليه، أدرك الأهالي الأفارقة في جنوب إفريقيا أنه يتوجب عليهم البحث عن طرق جديدة لتحقيق الهدف الأسمـى ألا و هو استرجـاع السيادة. وعلى هذا الأساس ، ساهمت عوامل داخلية و خارجية بقسط كبير في تبلور الحركة الوطنية التحررية في المستعمرات البرتغالية .

للاطلاع على الدراسة

الآراء

اترك رد