نـــدوة مدينة سيدي قاسم ومحيطها على عهد الحماية الفرنسية: قراءة في ببلوغرافيتها وأحداثها وتحولاتها

د. بلبكري عبد العزيز: باحث في التاريخ الحديث والمعاصر (المغرب)

الأرضية العلمية للــندوة:
لقد حظيت مناطق وفترات زمنية معينة من تاريخ المغرب باهتمام كبير من طرف الدارسين والباحثين مما ساهم في توفير رصيد مهم من المؤلفات التي أرخت لها، غير أن مناطق أخرى لم تلق نفس الإهتمام، لأسباب مختلفة، ومنها منطقة سيدي قاسم ومحيطها بجهة الرباط – سلا – القنيطرة.
ظلت منطقة الغرب حاضرة في التاريخ المغربي باستمرار؛ ففي تاريخه القديم تدخل مرحلة بناء مدينة بناصا الرومانية ….، وفي المرحلة الإسلامية جاء تأسيس مدن عديدة توسع جلها، وخلال المراحل الموالية من التاريخ الحديث والمعاصر جاء بناء مراكز حضرية عديدة، ومنها تلك البعيدة عن الساحل الأطلنتي، وقد أشارت كثير من الدراسات إلى طبيعة السطح في سهل الغرب الذي كان كثير المستنقعات مما لم يسمح بالإستقرار الكثيف للساكنة فضلا عن عوامل أخرى مساهمة.
وخلال القرن العشرين، شهدت منطقة الغرب وسهلها، التي تمثل حاضرة سيدي قاسم ومحيطها أحد مكوناتها، تحولات عميقة على مستوى بنيتها الإقتصادية، وتشكيلتها الإجتماعية، وأوضاعها الحضرية والقروية العامة. ومن أسباب الواقع الجديد بالمجال المذكور وقوع المغرب تحت الإحتلال الأجنبي منذ عام 1912م، وسعي القوى المحتلة إلى استغلال البلاد والعباد بمستويات كانت أكثر كثافة في السهول الخصبة لاعتبارات كثيرة.
ومن مظاهر هذه التحولات المجالية الكبيرة في منطقة الغرب، ميلاد المدينة / سيدي قاسم ( بوتي جون / كبار) بجوار قصبة ضريح سيدي قاسم بوعسرية ( ت1699م) إلى ناحية قدم جبل بودرة، وبجوار مجرى واد الردم. وقد جاء هذا التأسيس في سياق السياسة الحضرية الإستعمارية التي أحدثت بموجبها مجموعة من المراكز الحضرية الجديدة في منطقة النفوذ الفرنسي سرعان ما توسعت لتصبح تجمعات ومدن عصرية، مزجت بين الأحياء الأوربية والمغربية العتيقة، تأوي ساكنة ذات أصول جغرافية مختلفة، وأنشطة متعددة، ومرافق إدارية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية متنوعة.
لقد توسعت مدينة سيدي قاسم تدريجيا؛ فمن حي الزاوية إلى حي صحراوة، إلى المدينة الجديدة ذات الحي الأوربي الذي يفصله شارع ليوطي( شارع محمد الخامس الآن) شطرين، قبل أن يتصل بساحة فرنسا ( مكان بناء العمالة والبلدية اليوم ) محور الحياة فيه، إلى حي كبار والمرس …، ومما ساهم في هذا التوسع المديني، إقامة مجموعة من المرافق ذات الوظائف المختلفة منها مقر ضابط الشؤون الأهلية / دار مراقبة سيدي قاسم، والمحكمة الشرعية، والمدرسة الإبتدائية … وتوالى على تسيير المدينة عدة مراقبين مدنيين منهم المسيو بيران والمسيو بوزلي … ومن الإدارة المخزنية كان القاضي محمد بن المامون البدراوي، وبقسم الإستئناف الشرعي موظفا السيد رحال عبد الرزاق لمدة 10 سنوات، قبل تعويضه بالسيد الطالب محمد الحسني قادما من قلعة السراغنة عام 1951م.
غير أن هذا التوسع الحضري لمدينة سيدي قاسم، الذي جاء في سياق السياسة الإستعمارية الفرنسية، قد أفرز تحولات عميقة على البنية الإجتماعية والإقتصادية لساكنة المدينة ومحيطها عامة، وتسببت بعض الإحتكاكات بين الساكنة والتصرفات المنعزلة لبعض المجموعات وغير المحسوبة العواقب، في استفزاز الشعور الوطني للسكان القاسميين ساهمت في انفجار شعبي عارم عام 1954م شكل تعبيرا عن الروح الوطنية الأصيلة للساكنة المحلية.
ويسعى هذا اللقاء العلمي إلى محاولة النبش في الذاكرة القاسمية وفي رجالاتها، وفي الكتابات التي تعرضت للمدينة بشكل أو بآخر، رغبة في إعادة الإعتبار للمقاومين الذين ينتمون إلى مدينة سيدي قاسم ومحيطها، وسعيا إلى حث الطلبة والباحثين عامة في توجيه البحث عن هذه المرحلة من التاريخ المغربي المعاصر بهذا الجزء من الجهة المذكورة، وتحسيسا للتلامذة بأهمية التاريخ المونوغرافي في بناء الذاكرة المحلية. إن بناء الذاكرة الجمعية لا يمكن أن يتحقق إلا بتظافر الجهود وتكاملها بين الباحثين والمهتمين بتاريخ فترة الغزو الفرنسي والمقاومة المسحلة المغربية والحركة الوطنية والفدائية ( 1912- 1956م )، وبالتنسيق بين الفعاليات المحلية والجهات الرسمية.
استنادا إلى هذه الأرضية العلمية، يعتزم فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي قاسم بتنسيق مع الثانوية التأهيلية محمد الخامس التابعة للمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بسيدي قاسم، تنظيم ندوة علمية في موضوع: ” مدينة سيدي قاسم ومحيطها على عهد الحماية الفرنسية: قراءة في ببلوغرافيتها وأحداثها وتحولاتها ” وذلك يوم السبت 21 ماي 2016 برحاب القاعة الكبرى بمقر المجلس الجماعي لسيدي قاسم.

ملخصات المداخلات:
1- الكتابات الأوربية المبكرة عن سيدي قاسم ومحيطها، الأستاذ عبد المجيد كتيوي ( أستاذ باحث).
ركزت المداخلة على تمثلات الرحالة الأوربيين الذين زاروا المغرب خلال القرنين 17 و18 الميلاديين للمجتمع والسلطة في المغرب، خاصة على عهد السلطان مولاي إسماعيل العلوي، علاقة ارتكزت على رابطة حكمتها علاقة الصراع سواء من خلال ما عرف باسم ( القرصنة )، أو في سياق معاهدات تجارية.
وفي كل هذه الحالات كان وصف الأجانب يتعمد على محالة إسقاط الواقع الروبي على المعيش المغربي (وحاكمته) انطلاقا منه، ولعل كتابات الأسير مويت والرحالة ويندوس أبرز نموذج للوصف الذي طال ضريح سيدي قاسم بوعسرية عمرانا وزوارا ( مريدون) ….. مما يستوجب القراءة الناقدة والمتفحصة للمتن الرحلي الأجنبي الذي لا يخلو أحيانا من بعض الإضافات المفيدة.
2- الرحالة الأوربيون الأوائل ودورهم في التمهيد للغزو العسكري الفرنسي بالمغرب: منطقة سيدي قاسم ومحيطها نموذجا، صفاء شكناط وسكينة تخيسي
ملخص المداخلة:
حاول العنصر الأول من العرض تأطير ظاهرة الإمبريالية الأوربية خلال القرن 19م في سياقها التاريخي العام، التي مثلت أحد مظاهر التاريخ المعاصر، حيث سعت بلدان القارة المذكورة إلى احتلال مناطق أخرى اعتبرتها ( متخلفة ) فبررت استعمارها بنقل الحضارة أو “رسالة الرجل الأبيض” إلى هذه المستعمرات. غير أن الواقع أثبت أن تلك المبررات لم تكن سوى غطاء لاستغلال خيراتها الطبيعية وغير الطبيعية.
أما العنصر الثاني فتناول تقديم البلدان الإمبريالية لعمليات الغزو العسكري بإرسال عدد من المستكشفين، منهم الضباط المخبرون ومنهم الرحالة المغامرون، ومنهم السفراء المبكرون، بهدف جمع المعلومات الضرورية عن المناطق المستهدفة للإستعمار في مختلف المجالات الطبيعية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية.
وفي القسم الثالث أشار العرض إلى زيارة عدد من الرحالة الأوربيين خلال القرن 19م وبداية القرن 20م غطوا جل مناطق البلاد، ومنها منطقة الغرب عامة وسيدي قاسم ومحيطها على وجه الخصوص نذكر منهم ويندوس وابريث وود والأسير امويط …. وقد وفر هؤلاء معلومات مهمة عن المغرب ومعطياته الطبيعية ومجتمعه وثرواته الطبيعية السطحية…، في الحواضر والبوادي مقدما أمثلة حية عن طبيعة هذه المعلومات الإستخباراتية وخلفية توظيفها مستقبلا.

3- نماذج من مقاومة قبيلة الشراردة للغزو الإستعماري الفرنسي والدلالات التاريخية ل”بوتي جون”، الأستاذ التهامي الصمدي (أستاذ باحث).
تتلخص المداخلة في أربع محاور أساسية، تناول أولها أهمية سهل الغرب في السياسة التوسعية الفرنسية بالمغرب وذلك من خلال التقارير والدراسات العسكرية والصحفية ….الفرنسية، وتعرض ثانيها لثورة قبائل الشراردة ومقاومتها لحملة الضابط الفرنسي إميل مونجان في فبراير 1911م على المنطقة.
وأشار ثالثها إلى المقاومة المسلحة للشراردة في مواجهة حملة الضابط موانيي “Moinier ” على مشارف سيدي قاسم ومقتل الضابط “Petitjean ” وإطلاق اسمه على مركز سيدي قاسم، أما رابعها فتحدث عن تفاعل المقاومة الزيانية، بقيادة موحى أوحمو الزياني، مع مقاومة الغرب التي أُثمرت معركة سيدي قاسم الخالدة في التراث الشفهي المحلي وفي المكتوب الفرنسي ولعل ذلك ما أشار إليه الأجانب أنفسهم حيث عبر الضابط الفرنسي جورج برنيي عن بسالة القاسميين، ومن معهم، في وجه الآلة الحربية الفرنسية فقال ” كان قتالا ضاريا بين المقاومين والجيش الفرنسي طيلة النهار، وفي الليل انسحب الفريقان دون أن يتبجح أحد منهما بأنه حقق نصرا على الآخر”.
4- أحداث شارع الرباط عام 1954م بسيدي قاسم، الأستاذ عومار قلعي ( دكتوراه في الأدب الأندلسي ).
تعرضت المداخلة في قسمها الأول للظروف العامة التي واكبت اندلاع “ثورة الملك والشعب” في مختلف مناطق المغرب حيث كانت الساكنة في القرى والمدن على وعي كبير بالمؤامرة الأجنبية ضد رمز البلاد الملك محمد بن يوسف الذي نفي إلى جزيرتي كرسيكا ومدغشقر مما فجر سلسلة من العمليات الفدائية، جاءت في إطار مهيكل ومنظم بتأطير الوطنيين والفدائيين الذين انتظموا في خلايا عديدة، أو من خلال عمليات أخرى، فردية أو جماعية، عكست وطنية المغاربة، حضريين كانوا أو ريفيين، سواء وجدوا في المدن الكبرى أو الصغرى.
وعالج القسم الثاني ” أحداث شارع الرباط ” بمدينة سيدي قاسم التي عبرت بدورها عن هذه المرحلة من الكفاح الوطني ضد الإستعمار الفرنسي، وسجلت ساكنتها بمداد من الفخر ملحمة وطنية بأحداث وسمت تاريخها التي هي “أحداث شارع الرباط” عام 1954م التي ابتدأت يوم ثالث غشت سنة 1954م وتطورت بشكل سريع من خلال مواجهات مسلحة بين قوات الأمن المحلية، قبل حصولها على الدعم من الخارج بوصول كوكبة من الرماة قادمة من القنيطرة حوالي الثانية مساء ثم وصول ضابط برتبة يوتنان كولونيل مرفقا ب 29 دراجة نارية قادما من فاس، والسكان القاسميين الذين استفزتهم تصرفات بعض العناصر الموجودة في الشارع المذكور مما أدى إلى ضحايا في المواجهات الأولى حاولت السلطات المحلية والمركزية تهدئتها بعد زيارة المقيم العام الفرنسي إلى سيدي قاسم يوم 9 غشت 1954م، تلتها بعد أيام قلائل ( 13 غشت ) مواجهات مسلحة أخرى راح ضحيتها وطنيون قاسميون آخرون قدموا أرواحهم فداء للوطن …
5- البنيات الإقتصادية والإجتماعية بالوسط القروي للمغرب إبان فترة الحماية: سيدي قاسم نموذجا، الأستاذ أحمد الغزوي (مشرف على فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير- دكتوراه في إعداد المجال والتنمية الترابية ).
تناول العنصر الأول معطيات عامة عن المجال والإنسان في سياق تطوري حكمته بعض المستجدات الظرفية المرتبطة بالتدخل الإستعماري الفرنسي في منطقة الغرب وسهلها.
أما العنصر الثاني فقد حاول ملاحقة التحولات البنيوية التي لحقت بالمجتمع المغربي، بمنطقة الغرب وسيدي قاسم، سواء بالمجال القروي أو الحضري على الرغم من قلة حواضر المجال المدروس وصغر حجمها، وهي تحولات غيرت جذريا هذه البنيات الإقتصادية والإجتماعية، وزعزعت سكونيتها العميقة في الزمن، والنتيجة بداية اندماج المجتمع والإقتصاد الغرباويين والشراديين في بينة المنظومة الرأسمالية.
6- التعليم بمدينة سيدي قاسم على عهد الحماية الفرنسية: المدرسة الحسنية الحرة نموذجا، الأستاذ ياسين جواد، (فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بسيدي قاسم، باحث في الدكتوراه ).
انطلقت المداخلة بالإشارة إلى التغييرات العميقة التي أحدثتها فترة الإستعمار على المجمتع المغربي ومنها التغيرات التي شهدها مجال التعليم في برامجه وخريطة مؤسساته وطاقمه البشري، غير أنها كانت تظمر من وراء ذلك تحقيق مخططاتها الإستعمارية الهادفة إلى استغلال ثروات البلاد بأيدي مغربية تلقت تكوينها في المدارس الفرنسية بالمغرب.
وانتقلت المداخلة بعد ذلك إلى إبراز سياق ميلاد تعليم ذو بعد وطني، فضلا عن التعليم الأصيل في المؤسسات الدينية والمدرسية القديمة، منفتح على التعليم العصري في برامجه ولغاته، كان الوطنيون المغاربة سباقون إلى الدعوة إليه، فتأسست مجموعة من المداس الحرة في المنطقة السلطانية بالمدن الكبرى بفاس والرباط والدار البيضاء …. ومنها مدرسة النهضة بمدينة مكناس التي كانت من المال الخاص للسلطان سيدي ارمد بن يوسف، والمدرسة الإسلامية بقصر السوق (الرشيدية) عام 1947م، والمدرسة الحسنية بسيدي قاسم.
وتناول العرض في العنصر الثالث تاريخ ميلاد المدرسة الحسنية بسيدي قاسم عام 1946م بحضور فعلي للأمير مولاي الحسن، وتولى إدارتها السيد علال بن الهاشمي الشرادي، غير أن انطلاقتها الفعلية العملية كانت في الموسم الموالي لتتخرج منها أفواج عديدة، وتحتفل كغيرها من المدارس الحرة بالمغرب بذكرى السنة الهجرية كما حدث يوم الثلاثاء محرم 1352هـ( 1949م) وهو اليوم الذي حضره أساتذة المؤسسة الأستاذ أحمد بن عبد الله ومولاي عمر السباعي وأحمد الجاي فضلا عن مديرها الأستاذ علال بن الهاشمي.
7- مدينة سيدي قاسم من خلال جريدة “السعادة”: نصوص وهوامش، الأستاذ بلبكري عبد العزيز (دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر).
انطلقت المداخلة من الإشارة إلى الأساليب التي نهجتها الدول الإستعمارية للتدخل التدريجي في مستعمراتها ومنها الإستعمار الفرنسي في المغرب حيث اتبعت فرنسا أساليب مزجت فيها بين العسكري والسلمي شكلت الصحافة نموذجا للأخير، وفي هذا السياق أصدرت سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب مجموعة من المنابر الإعلامية لتكون صوتها في الأوساط الداخلية والخارجية فعملت إلى جانب الآلة العسكرية التي وازت العمل السياسي فوجهته أحيانا، وجاء تابعا لها أحيانا أخرى.
أما العنصر الثاني فحاول التعريف ببعض الجرائد والصحف التي مثلت الخطاب الإستعماري على عهد الحماية الفرنسية بالمغرب كجريدة “السعادة” التي عكست توجهات حكومة الحماية بالمغرب، وكانت لسانا ناطقا بخططها، سيرها الأوربيون، وخطابها السياسي عامة، حررها صحفيون محليون تابعون بلسانهم العربي، شملت أخبار جريدة “السعادة” مختلف جهات “المنطقة السلطانية” التي تدخل منطقة الغرب، حيث تقع مدينة سيدي قاسم ومحيطها، ضمنها. وبموازاة ذلك يقدم العرض “نصوصا” عديدة تعكس هذه التوجهات العامة.
وختم العنصر الثالث بقراءة تفسيرية للنصوص، وهوامش تمثل تعليقات على النصوص الواردة التي تعكس الخطاب الكولونيالي، والخلفية الإستعمارية للنص الصحفي في بعض الجوانب التي أشارت إليها جريدة “السعادة”.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد