د. صالح محروس محمد محمد: جامعة بني سويف جمهورية مصر العربية
زنجبار هو اسم يطلق على مجموعة جزر تابعة لتنزانيا في شرق أفريقيا ولكنها تتمتع بسلطة ذاتية واسعة، وتتكون من جزيرتين كبيرتين هما : زنجبار و بمبا ( الجزيرة الخضراء ). إضافةً إلى عدد من الجزر الصغيرة ، و تًعرف زنجبار بالإنجليزية زانزبار Zanzibar و باللغة السواحيلية أُنجوجاUnguja . تقع جزيرة زنجبار في غرب المحيط الهندي وهى ثاني أكبر جزيرة به بعد جزيرة مدغشقر، ومعنى الكلمة ساحل الزنج من الفارسية بار بمعنى ساحل ،ولقد أطلقها المسلمون الأوائل على جميع ما عرفوه من ساحل شرق أفريقيا وسموا البحر المقابل له ببحر الزنج (القسم الغربي من المحيط الهندي). ويذكر بعض الكُتاب الأوربيين أن أصل التسمية جزيرة العبيد the Island of slaves وهذا ليس صحيحاً وهذا افتراء على الجزيرة وخلط للأمور وهناك فرق بين ساحل الزنج وساحل العبيد فالزنج سلالة أفريقية أما ساحل العبيد تعنى تحميل الجزيرة مسئولية تجارة الرقيق وحدها.
وتمثل سلطنة زنجبار حتى نهاية الحكم العربي العماني 1964م جزيرة زنجبار ومساحتها 640ميلاً مربعاً (1032كم2) وجزيرة بمبا التابعة لها 380 ميلاً مربعاً (612كم2 ) وحولهما عدد من الجزر الصغيرة ، وتبعد بمبا عن زنجبار بحوالي خمسة وثلاثين ميلاً شمال شرق زنجبار ،وأربعين ميلاً من الشاطئ التنزاني ،ويفصل زنجبار عن الساحل الأفريقي مضيق عرضه 22.5ميلاً.
لعبت العوامل الجغرافية دوراً هاماً في تاريخ جزيرة زنجبار حيث الٌمناخ الاستوائي وخصوبة التربة والرياح الموسمية التي تصل إليها عبر المحيط الهندي منذ أقدم العصور ،وهو عامل جذب الرحالة والمستعمرين من الجزيرة العربية و آسيا وأوربا والبر الافريقى مما جعلها مركزاً للعرب والهنود ومطمعاً للسيطرة الإنجليزية . وكذلك تمتعت الجزيرة بموقعٍ استراتيجي هام في المحيط الهندي مما جعلها تتمتع بأهمية كبيرة خاصةً في مجال التجارة في المحيط الهندي حيث كانت تجارة المحيط الهندي المتمثلة في التوابل ومواد الطيب وغيرها من البضائع التي تمثل أهمية خاصة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط والتي كان يدخل بعضها في تركيب المراهم والعطور والمساحيق وكان الإقبال عليها كبيراً.
وكانت صادرات البلاد الأفريقية وجنوب شرق آسيا تُنقل إلى زنجبار لإعادة تصديرها. ،وبالإضافة إلى شهرة زنجبار بزراعة محصول القرنفل الذي يستخدم في أغراض طبية فتنتج منه حوالي 4/5 إنتاج العالم وتنتج كذلك محاصيل أخرى كجوز الهند.
ومما سبق تتضح الأهمية الإستراتيجية لموقع زنجبار وكذلك دورها الهام في تجارة المحيط الهندي وزراعتها لمحاصيل اقتصادية هامة جعل لها أهمية في غرب المحيط الهندي وشرق أفريقيا.
يمتد تاريخ زنجبار في أعماق التاريخ عبر سلسلة من المراحل الهامة أولها المرحلة التي كان فيها الساحل الأفريقي يحمل اسم ساحل الزنج ولم يشهد قيام دولة سياسية موحدة و كانت أعظم دولة ظهرت في هذه المنطقة هي دولة الزنج (من القرن العاشر إلى القرن الخامس عشر الميلادى) والتي كانت عاصمتها كلوه ( على الساحل الجنوبي لتنزانيا بالقرب من حدودها مع موزمبيق) بالإضافة إلى عدد من الإمارات الإسلامية كان لكل إمارة أمير يدافع عن استقلالها السياسي والاقتصادي و كانت حضارات هذه الإمارات تفوق حضارة البرتغال ذاتها في بداية القرن السادس عشر. والمعروف عن هذه الإمارات والمدن العربية في شرق إفريقيا قليل وربما يكون هناك من هو أقدم من كلوه وبات.
ولقد ظهرت عوامل ضعف سلطنة كلوه( أبرز هذه الإمارات في ساحل الزنج) أهمها الخلافات الداخلية التي كان مصدرها التنافس بين الحكام ونظام ولاية العرش ،وبالإضافة إلى التقدم التكنولوجي للبحرية والأسلحة البرتغالية ,وكذلك اختلاف العناصر التي كانت تتكون منها مثل الفرس والعرب والجماعات الأفريقية. بالإضافة إلى عظم الثروة التي تتمتع بها منطقة شرق أفريقيا مما دفع البرتغال إلى انتزاعها من أيدي العرب وكان أهمها مناجم الذهب في إقليم سفالة ( على ساحل موزمبيق جنوب تنجانيقا).
أما المرحلة الثانية من تاريخ ساحل الزنج هي مرحلة استعمار البرتغال لهذا الساحل لأهميته الاقتصادية ووقوعه في طريق التجارة بين الشرق والغرب والانتقام من المسلمين الذين حكموا شبه جزيرة أيبريا والاتصال بمملكة القس يوحنا المسيحية بالحبشة للتحالف معها ضد الوجود الإسلامي في مدن ساحل شرق أفريقيا ودولة المماليك في مصر .
ونجح البرتغال في أن يحتلوا موزمبيق و ممبسه وزنجبار وجزر لامو . وترتب على الوجود البرتغالي تحول طريق التجارة إلى طريق رأس الرجاء الصالح وحدث كساد اقتصادي في ثلاث مناطق هي المنطقة العربية وسواحل شرق أفريقيا ودول حوض البحر المتوسط. وساعد نجاح البرتغال فى قهر المراكز الحضارية العربية عند ساحل شرق أفريقيا على الترابط والامتزاج العربي الأفريقي ضد العدو المشترك الذي يهدد مصالحهم وحياتهم واستقرارهم.
وساعدت الظروف التي مر بها الساحل الشرقي لأفريقيا منذ احتلال البرتغال له على ظهور دولة اليعاربة في عُمان (1624_ 1741 ) والتي استطاع مؤسسها وأول حكامها الإمام ناصر بن مرشد (1624ـ 1649) أن يوحد القبائل في عُمان ثم اتجه إلى تخليص عُمان من النفوذ البرتغالي وساعده على ذلك الضعف الذي أصاب البرتغاليين في عُمان والخليج العربي فأعلن الإمام ناصر بن مرشد الحرب ضدهم واستطاع أن يلحق بهم هزيمة قاسية في عُمان حتى هدم عدداً كبيراً من قلاعهم في مسقط . واستنجد سكان الساحل الأفريقي بالعُمانيين لطرد البرتغاليين وكانت بمبا مركزاً لمقاومة البرتغاليين
و هكذا امتد الصراع العُماني البرتغالي إلى منطقة شرق أفريقيا في عهد دولة اليعاربة وذلك في عهد سلطان بن سيف (1649ـ 1668) الذي قام بحركة تحريرية كبرى لم تقتصر على مناطق النفوذ البرتغالي في الخليج العربي وسواحل شبه الجزيرة العربية حيث استطاع إخضاع ممبسه في 14 ديسمبر عام 1668 بعد حصار عنيف استمر ثلاثة وثلاثين شهراً سقطت أقوى القلاع التي أقامها البرتغاليون في شرق أفريقيا.
على أية حال فقد دب الضعف في دولة اليعاربة نتيجة الصراع مع البرتغال وكذلك بسبب الصراعات الداخلية حيث حدث صراع بين القبائل العُمانية التي كانت موجودة حيث كان بعضها يؤيد حكم اليعاربة وهم الغافرية و البعض الآخر يؤيد أسرة البوسعيد وهم الهناوية. وكانت نهاية حكم البرتغال على يد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي العربي الأزدي العُماني حيث تقوضت على يديه دولة البرتغال في أفريقيا الشرقية و كان قيام أسرة البوسعيد في عام 1741 نقطة تحول هامة في تاريخ عُمان وشرق إفريقيا حيث ظهرت في هذه الفترة العلاقات القوية بين عُمان وشرق أفريقيا.
وهكذا ظهر الدور العُماني في القضاء على الغزو البرتغالي الذي لا ينكره أحد ،ولكن الشهرة الواسعة لسلطنة زنجبار في العصر الحديث لم تأتِ إلا في عصر آل بوسعيد بالأخص في عصر السلطان السيد سعيد بن سلطان (1806ـ1856) *حيث ظهرت معالم الدولة العربية الأفريقية الآسيوية وهى ظاهرة ليس لها مثيل في تاريخ العرب الحديث حيث تكونت إمبراطورية ضخمة مترامية الأطراف . ولقد كان للتأثير العُماني أثر كبير على منطقة شرق أفريقيا بشكل عام وزنجبار بوجه خاص .
من الممكن أن نقسم فترة حكم البوسعيديين وهى المرحلة الثالثة من تاريخ سلطنة زنجبار إلى فترتين أولهما فترة قوة وهى عصر الإمبراطورية العُمانية في عُمان وشرق إفريقيا والتي كانت عاصمتها زنجبار وذلك في عهد السيد سعيد بن سلطان والتي تنتهي بإعلان الحماية البريطانية على زنجبار وبمبا عام1890. وثانيهما الفترة التي تبدأ بالحماية البريطانية التي ضعفت فيها السلطنة العربية و سعت بريطانيا إلى إضعاف الثقافة العربية والإسلامية من زنجبار والضغط على الأرستقراطية العربية ، ولقد أُعلن استقلال زنجبار كدولة عربية إسلامية في 10 ديسمبر عام 1963الذى انتهى بانقلاب12 يناير عام 1964 بمؤامرة دولية الذي قضى على السلطنة العربية إلى الأبد ثم تم إدماجها مع تنجانيقا إبريل عام 1964 تحت اسم (تنزانيا ).
اترك رد