القطاع السياحي في الجزائر: مشاكل ومقترحات .. عيساني عبدالفتاح

عيساني عبدالفتاح: ماجيستر في الاقتصاد (الجزائر)

إن السياحة في العالم أكثر من أي وقت مضى تلقى إقبالا و توسعا لم يشهده أي قطاع اقتصادي في العالم سواء من ناحية نمو القطاع أو عدد الاستثمارات التي تنجز سنويا، فحتى الدول التي لا تملك قوة اقتصادية صناعية أو استخراجية تستطيع الاستفادة من السياحة لرفع الدخل القومي و خدمة ميزان المدفوعات.
التخطيط السياحي هو المنفذ الوحيد الذي يستطيع أن يكون البديل الأهم لقطاع المحروقات في الجزائر، فهو ينظم إدارة الموارد السياحية و يمنع هدر الامكانات السياحية، إذ يجب وضع دراسة مستقبلية للقطاع على ألّا تكون بعيدة عن الواقع الحقيقي للقطاع.
هناك عوامل كثيرة تتحكم في نجاح أو فشل التخطيط السياحي، كالعوامل البشرية و التي هي في الأساس هدف كل الاستثمارات الاقتصادية و الاجتماعية، و العوامل المادية من رؤوس أموال و ما تملكه الدولة من مناطق أثرية و سياحية و ساحلية، و الجانب الحضاري يلعب دورا مهما في العوامل المؤثرة في التخطيط، فدولة كالولايات المتحدة الأمريكية لا تمتلك تاريخا حضاريا كبيرا لكن التخطيط للرفاهية الاجتماعية جعلها أحد أهم خمس أقطاب عالمية جالبة للسياح.
الجزائر كبلد سائر في طريق النمو و كبقية دول العالم تبحث عن مكانة لها بين الدول التي تهتم بالقطاع السياحي من أجل التخلص من التبعية الاقتصادية لقطاع المحروقات كقطاع استخراجي فقط آيل للزوال قريبا، من خلال المخططات الاقتصادية قبل الألفية الثانية، ثم التخطيط في آفاق 2030 من أجل جعل الجزائر قطبا سياحيا مهما في أفريقيا و البحر المتوسط، محاولة و بخطى بطيئة لكنها مستمرة بالبحث عن حلول و وسائل أكثر تطورا و حداثة للوصول الى درجة تشغيل شبه كامل للقطاع.
والوكالات السياحية هي إحدى الوسائل السريعة والفعالة لتحقيق أهداف التخطيط السياحي في الجزائر، فرغم التأخر الذي يشهده القطاع إلا أن وكالات السياحة والسفر –كوكالة تيمقاد- استطاعت أن تخلق زبائن محليين و دوليين أوفياء في الاتصال بها كلما تعلق الأمر بزيارة دولة الجزائر، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود تجاوزات لبعض الوكالات فيما يخص اهتمامهم بالسياح أو تجاوز صلاحياتهم.
و يعاني القطاع السياحي في الجزائر من عدة مشاكل نذكر منها:
– يعاني القطاع السياحي الجزائري من إهمال كبير وعدم جدية المسؤولين والمجتمع في النهوض بهذا القطاع فهو ليس بالقطاع الرائد.
– درجة النمو وتطور البنية التحتية يكاد يكون معدوما.
– دور القطاع السياحي في ميزان المدفوعات له أثر هامشي إذا ما قورن بقطاع المحروقات أو القطاع الصناعي و التجاري.
– عدم وجود التسهيلات في انتقال الأفراد للسياحة أو المؤسسات للاستثمار بسبب العراقيل والبيروقراطية التي تكبح القطاع السياحي الجزائري من التقدم.
– المؤسسات المالية الجزائرية ووكالات السياحة والأسفار ليسوا الجانب المهم في تنمية القطاع السياحي.
– تجد البنوك و المؤسسات السياحية صعوبة كبيرة في تحويل العملة الصعبة و تسديد المستحقات السياحية من و إلى السوق الجزائرية.
– يعاني القطاع من قوانين صارمة وغير واضحة تحد من النشاط و طرق التعامل والتطبيق للقرارات الوزارية و المراسيم الوطنية.
– ضعف التأطير وضعف الثقافة السياحية للمجتمع هما أحد الجوانب السلبية في عملية التحول فكلما ارتفع الوعي السياحي للفرد الجزائري وقدرته على التواصل مع السياح الأجانب و المحليين أو معرفته لطبيعة و تاريخ السياحة الداخلية كلما شهد القطاع السياحي تطورا وارتفع عدد الوفود الاجنبية في دخول القطر الوطني ونقل صورة جميلة عن المجتمع الجزائري و العادات و التقاليد والحلي والمصنوعات التقليدية وشخصية الفرد بصفة عامة.
– اللاأمن، إذ تعاني الجزائر و منذ الخروج من الأزمة السياسية التي كادت تعصف بالبلاد، وهو إرهاب الأفراد والممتلكات، إذ لا يأمن أي شخص على سيارته حتى وهي داخل المرآب، فما بالك بتنقله بها إلى مناطق ساحلية أو صحراوية، فبسبب انعدام الأمن و الأمان عزف السياح الأجانب عن المجي، أما بالنسبة للسياح المحليين فقد أدى ذلك إلى لجوء معظمهم إلى قضاء عطلته في الدول المجاورة من أجل الاستمتاع و الإحساس بالأمن.
– قطاع المحروقات أثر كثيرا على كل القطاعات وخصوصا القطاع السياحي، فارتفاع سعر البترول، وامتلاك الجزائر لاحتياطي معتبر من العملة الصعبة جعل الدولة الجزائرية تنتهج منهجا صناعيا و تجاريا بحتا، في حين أن أهم تنمية مستدامة هي الاستثمار في السياحة كون عائدها سريعا ولا يحتاج إلى مجهودات ضخمة بل يحتاج إلى اهتمام جدي و توفير للحماية و الأمن للمناطق السياحية و الأفراد.
– تعاني المنظومة المالية الجزائرية من عراقيل كثيرة وتأخر كبير إذا ما قورنت بالدول المجاورة، حيث لا يوجد في المناطق السياحية أي وكالات لتحويل الأموال و تسهيل التعاملات المالية أو صرف لمختلف العملات العالمية، هذا ما دفع بالعديد من المستثمرين الأجانب إلى العزوف عن الدخول في استثمارات مباشرة في الجزائر بالرغم من وجود كل المقومات التي تتوفر عليها الجزائر.
و يقترح الباحث بعض التوصيات و هي:
إن نمو السياحة واستدامة مواردها، وزيادة عائداتها ومنافعها الاقتصادية، يفرض توسيع وتعميق الاهتمام والرعاية الحكومية والمجتمع بهذا القطاع وفقاً لأسس ومعايير واضحة ومحددة في إطار المخططات التي تتوافق والرؤية الاستراتيجية للدولة و برنامج الحكومة وذلك من خلال:
– خلق تنمية سياحية مستدامة، مسؤولة ومنظمة.
– تكوين شراكة فعالة في التنمية مع كل الأطراف الداخلية من خلال التوفيق بين العائد و تنمية المجتمع المحلي وإشراك سكانه في منافع السياحة.
– ضمان أمن وسلامة السياح، وخلق انفتاح في المجتمع وتحرر للخدمات السياحية، دون المساس بالهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمع الجزائري.
– اعتماد الواقعية و الترشيد في استخدام الموارد والإمكانات وعدم المبالغة في الطموحات، وذلك من خلال تطويع وتجديد وتطوير السياسات والخطط المتبعة.
– خلق خلية تواصل مباشرة بين مسؤولي القطاع السياحي سواء في الوزارة أو في المديريات المحلية والناشطين في القطاع السياحي عن طريق لغة حوار مباشر من خلال طرح المشاكل أولا ثم التجاوزات والتهاون الحاصل في القطاع السياحي بهدف وضع اليد على موضع الخلل، والمساعدة على العمل أكثر بهدف تحسين و تطوير القطاع بكل شفافية.
– التخطيط للسياحة بالاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وزيادة الوعي في المجتمع الجزائري بأهمية السياحة اقتصاديا وكيفية التعامل والاهتمام بالسائح وخدمته، وكذلك من أجل تعزيز الاندماج الوطني والتعريف بالقطر الجزائري على كل الأصعدة.
– الإسراع بتطوير مستوى الخدمات والوصول إلى الجودة العالمية من خلال تطوير مهارات الأفراد وقدرات الموارد البشرية للسياحة، فالجزائر تملك من اليد العاملة والقدرة على اكتساب المهارة لدى الأفراد ما يساهم في التعجيل بحدوث ذلك.
– الارتقاء بأساليب ووسائل الترويج والتسويق السياحي، بسبب الحاجة إلى تنويع المنتجات السياحية وتوسيعها.
– إيجاد قاعدة للشراكة الوطنية بين القطاع العام والقطاع الخاص والمؤسسات المدنية للمجتمع المحلي و تطوير أكثر للوكالات السياحية و الأسفار عن طريق رفع مستوى التنسيق والتكامل بين قطاع السياحة والقطاعات الأخرى.
– تعزيز استقرار البناء المؤسسي للسياحة وتحديث أجهزة الإدارة السياحية وتزويدها بالكفاءات والمهارات التخصصية واستكمال إصدار وتحديث منظومة التشريعات السياحية.
– تطوير المنتج السياحي وتهيئة مناطق سياحية جديدة واعدة لمواكبة متطلبات الأنماط المختلفة للنشاط السياحي من خلال تحقيق تخطيط سياحي مستدام للموارد والإمكانيات السياحية والبيئية والطبيعية وحمايتها من السطو والهدر والاستخدام الجائر وتهديدات التلوث والتغيرات المناخية .
– الحفاظ على الموارد والأصول السياحية الحضارية التاريخية والموروث الثقافي، وصيانتها والحفاظ على جاذبيتها واستدامتها، و إشراك ومساعدة المجتمعات المحلية في المساهمة والاستفادة من التنمية السياحية.
– تحفيز وزيادة الاستثمارات في القطاع السياحي بما يتوافق وزيادة أعداد السياح من خلال توفير خدمات البنية التحتية والمرافق العامة في المناطق السياحية المستهدف تنميتها وتقديم مزيد من التسهيلات لتحسين عرض المنتج السياحي بما يحقق تحفيز الطلب السياحي للدولة.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

رد واحد على “القطاع السياحي في الجزائر: مشاكل ومقترحات .. عيساني عبدالفتاح”

  1. الصورة الرمزية لـ Ange simo
    Ange simo

    جميل

اترك رد