يسوع المسيح ليس ابن الله !!! .. معاوية محمد السالك

معاوية محمد السالك: باحث في حوار الحضارات ومقارنة الأديان – موريتانيا

تعد مسألة “بنوة المسيح لله” عقيدة راسخة في نفوس المسيحيين، انطلاقا من إيمانهم بها كإحدى أركان الدين المسيحي، فهل حقا عيسى ابن الله؟ وهل خص بالبنوة وحده دون غيره ؟ وماهو معنى البنوة على فرض صحتها ؟
يورد النصارى أكثر من ءاية في الإنجيل مستدلين بها على بنوة المسيح لله تعالى وفي الحقيقة أننا إذا بحثنا في الأناجيل فإننا نجد أن لفظة ابن عامة تطلق على غير ابن مريم، فقد روى عن المسيح أنه كان يقول: “طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون” متى، 5/09.وقوله “لكي تكون أبناء أبيكم الذي في السماوات” متى، 5/45 وقوله “يأيها الأحباء نحن أبناء الله” يوحنا، 3/2 وغيرها من الآيات الصريحة مما يعني أنها ليست البنوة الحقيقية ولاسيما أن المسيح هو ابن داود بن إسحاق حسب إنجيل متى يوحنا، 3/2 “يسوع المسيح بن داود بن إسحاق” “وأن يعقوب ولد يوسف رجل مريم الذي ولد منها يسوع الذي يدعى المسح” متى، 3/38.وبالتالي فإن بنوة عيسى لله هي مجازية وعلى سبيل الاستعارة كقوله تعالى “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله” سورة آل عمران، الآية: 31 ويؤيد صحة ما روي عن المسيح قوله لأتباعه “لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم كل ما سمعته من أبي” يوحنا،15/15.فوصف الأب جاء وصفا عاما لعلاقة الله بالمؤمنين جميعا كما في إنجيل متى “وكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل ” متى ،5 /47 “ويمجدوا أباكم الذي في السماوات ” متى،5/16 ويبطل الشيخ رحمة الله الهندي هذا الاستدالال من وجهين:
أحدهما: أن هذا اللفظ معارَض بإطلاق لفظ ابن الانسان ولفظ ابن داود على المسيح عليه السلام
ثانيهما: أنه لايمكن أن يكون لفظ الابن بمعناه الحقيقي فلابد من الحمل على المعنى المجازي الذي يليق بالمسيح عليه السلام فيكون بمعنى الصالح نوة. ويقول الدكتور فتحي عثمان: والتعبير عن العلاقة بين الله وعباده بالأبوة شاع في اليهود قبل المسيح كما حكت أسفار العهد الجديد عن إشعيا”هو ذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سرت به في نفسي أضع روحي عليه فيخبر الأم بالحق”ويقول محمد أحمد الحاج:وقد تردد وصف أفراد بابن الله وجماعات بأبناء الله في الأسفار اليهودية، فقد وصف بذلك يعقوب عليه السلام: “هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر فقلت له أطلق ابني ليعبدني” سفر الخروج، 2/22-23
وفي أسفار العهد الجديد يطلق (ابن الله) على كل بار كما جاء في وصف المسيح بابن إنسان بار “قال حقا كان هذا الإنسان بارا” مرقس، 15/9 وقوله “طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون”متى، 5/9في وصف الصالح كما أنه ليس المسيح وحده هو (المولود من الله) فكل من يحب الله فقد ولد منه حسب الإنجيل “كل من يحب الله فقد ولد من الله” يوحنا، 4 /8 ولو كان كل من سمي ابنا لله يحمل على البنوة الحقيقة ويكون إلها مستوجبا للعبادة لكان كل من بني إسرائيل آلهة لأنهم يطلق عليهم أبناء الله أو “شعب إسرائيل ابني ” الخروج4،/22 وأمثال ذلك من نصوص الكتاب المقدس كثيرة نختصر على هذا منها مما يجعلنا نؤكد أن صلة بنوة المسيح لله مجازية وليست حقيقة كما يدعي النصارى.
ويقول عبد الوهاب النجار: معلوم أن لفظ الابن معناه الحقيقي باتفاق لغات العالم أنه المتولد من نطفة الأب الملحقة لبيضة الأم، وذلك محال على الله أن يكون له صاحبة أو يوجد له ولد يتولد من نطفته تعالى علوا كبيرا، فلا بد من الحمل على معنى مجازي يناسب شأن المسيح عليه السلام ، بحيث لا يحط من قدر الله ولا يرفع المسيح عن قدره. أما المعني الذي يراه ابن تيمية رحمه الله مناسبا لعلاقة البنوة بين الله وعيسى عليه السلام فيذكره بعد أن يورد النصوص الإنجيلية ويقول: فإن كان هذا صحيحا فالمراد به أنه الرب المربي الرحيم فإن اله أرحم بعباده من والدة بولدها، ولابن هو المربي المرحوم فإن تربية الله لعبده أكمل من تربية الوالدة لولدها فيكون المراد بالآب الرب والمراد بالابن المسيح الذي رباه ويقول نظمي لوقا:- وكان نصرانيا- وأما البنوة لله عز وجل فما ورد لها ذكر إلا على سبيل المجاز المطلقو يقول الشيخ ديدات رحمه الله إن المسلم يعترض بشدة على كلمة مولود له لأن الولادة فعل من أفعال الحيوانات يخص وظائف الغريزة الجنسية الدنيا للحيوانات فكيف نعزو مثل هذه الصفة لله تعالى”بقول ترتليانوس [وبما أن الأب انبثق أوخرج من الأب فهذا هو الجوهر الكامل أو الكلي، وبناءا على ذلك فإن الابن هو سبيل من هذا الكل، الآب هو كلي الجوهر بينما الابن هو جزء من هذا الكل.
ويؤكد ترلتيانوس أن الابن ليس أزليا حيث إن انبثاق الابن من الأب كان في وقت ما قبل الخليقة، وبهذه العملية أصبح الله أبا، وقبلها لم يكن أبا ويؤكد بذلك أن الابن ليس أزليا:
لكن كونه إلها على الدوام مجردا لا يجعله أبا وديانا دائما لأنه لم يكن بمقدوره أن يكون أبا قبل أن يولد الابن ولا بمقدوره أن يكون حكما قبل تقع الخطيئة لقد كان هناك زمان رغم ذلك لم يكن لخطيئته وجود معه ولا كان معه ابن فالخطيئة جعلت الرب ديانا والابن جعله أبا كما أن كتب المسيحيين تقول إن أتباع المسيح جميعهم ولدوا من إله وذلك حسب ما جاء في الإنجيل “كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله” يوحنا،5/1 ومثله ما جاء في نفس الإنجيل “فكل من يحب فقد ولد من الله”. يوحنا، 4/7فلا مشاحنة هنا في وجوب تأويل الولادة بما يطابق العقل، فلا يعقل أن تكون البنوة بمعنى الولادة – كما أشرنا- وقد فسرها يوحنا في إنجيله حين قال “لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس على من هو مولود من الله لا يفعل خطيئة لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله” يوحنا، 1/ 3-9. وعليه فإننا لا يمكن أن نعتبر كل الناس أبناء الله وآلهة، حسب ما يزعم مؤلهو عيسى عليه السلام، كما أننا إذا تركنا التأويل عند مصادمة العقل لظاهر الكلام لاعتبرنا إبليس أبا لكل الناس مع كونهم أبناء آدم عليه السلام فلقد جاء في إنجيل يوحنا ما نصه “أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا” يوحنا، 7/44. وكذلك قوله “بهذا أولاد الله طاهرين وأولاد إبليس” يوحنا، 3/10.وهنا يبقى الإنسان حائرا هل هو ابن الله أم ابن إبليس أم ابن آدم عليه السلام فكيف يكون إلها.
كما أن المسيح ينهى عن تلك التسمية خوفا من أن ينقادوا إلى ظاهر معناه كما ورد في الإنجيل “وكانت شياطين أيضا تخرج من كثيرين وهي تصرخ وتقول أنت المسيح ابن الله فانتهرهم ولم يدعهم يتكلمون لأنهم عرفوه انه المسيح” لوقا، 4/41 وهكذا وانطلاقا مما سبق فإنه ليس هناك ما يدعو إلى دعوته بالنبوة الحقيقية أو لألوهية التي يزعمهما من يسميه ب”الابن”.
ويعتقد النصارى أن هذا اللفظ لا يطلق إلا على الأقنوم الثاني وهو المسيح ابن مريم ومع ذلك يختلفون في التعبير عنه تبعا لعقيدة كل طائفة فالكاتولوك والبروتستانت يترجمون لفظ الابن الوحيد إلى اللغة الانجليزية ب ” بجُتِن” (begotten )وهذا اللفظ يدل على الولادة الطبيعية لأنهم يعتقدون أن المسيح إله من الآلهة الثلاثة وهو منفصل عن الأب، ويترجم الأرثودكس الابن الوحيد ب )صون son أو نلي( لأنهم لا يعتقدون أن المسيح ابن طبيعي وإنما الله رب العالمين، ولفظ الإبن عندهم مجاز
وتأتي البنوة لله بمعنى توقيره وتعظيمه كما قال حجة الإسلام الإمام الغزالي:… وإذا تجوز بإطلاق البنوة على نفسه “” أي المسيح”” كان معناها أنه موقر لله معظم له ، وهذا معنى قول عيسى عليه السلام محرضا على عدم قطع الرجاء، أي إن أطعتموه في ذلك صنع معكم ما يصنع الوالد مع ولده.
ومن النصوص التي يستدل بها النصارى على ألوهية المسيح علية السلام ما ورد في إنجيل يوحنا من وصف للمسيح بالنور : “كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيا إلى العالم” يوحنا، 1/9. وقوله أيضا “إن يسوع لم يأتمنهم على نفسه لأنه كان يعرف الجميع لأنه لم يكن محتاجا أن يشهد له أحد على إنسان لأنه علم ما كان في الإنسان” يوحنا، 2/ 24-25.وقوله أيضا “لأن يسوع في البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يسلمه” يوحنا، 6/64.
وقوله أيضا “فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال متى تطلبون” يوحنا، 4/29.وأيضا وقالت المرأة السامرية “هلموا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت” يوحنا، 4/29.فالمسيح بحسب هذه النصوص هو العالم بكل شيء والمطلع على قلوب البشر والمحيط بغرائزهم الداخلية الخفية فكيف يكون عالما بكل شيء وهو بحسب عقله البشري وفهمه الإنساني صرح أنه لا يعلم ميعاد الساعة واليوم الآخر فقال “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الأب” مرقس، 13/37 فلا يستساغ عقلا أن يكون إله يغيب عن علمه علم الساعة ولا أن يكون عالما بشيء دون شيء فهذا يعني أن علمه ناقص وتلك من صفات البشر فهو إذا واحد منهم وليس بإله كما يزعم هؤلاء.
فقد كثرت النصوص الإنجيلية التي توضح أن عيسى كان يدعو الله سبحانه وتعالى ويسبح له، ويخضع له ويحفظ أقواله ويمجده، فقد ورد في إنجيل يوحنا ما نصه “… إني أعرفه وأحفظ أقواله”يوحنا، 8/55.فلمن كان يتوجه عيسى عليه السلام بهذه العبادات أيعبد عيسى نفسه؟ أم يسجد لها أم يخضع لها؟ أم أن العابد هو نفس عين المعبود؟ إن هذا محال عقلا ومثبت لعدم ألوهية المسيح عليه السلام وموجب لكون الإله غير عيسى وهو الذي يتوجه له بعبادته.
كما أن عيسى يقول “… لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأنني قلت أمضي إلى الآب لأن أبي أعظم مني” يوحنا، 14/28. مما يعني أنه يصرح أن الأب أعظم منه فهناك فارق كبير بينه وبين ربه وخالقه سبحانه وتعالى، مما يعني أنه ليس كما يعتقد مؤلهوه، بالإضافة إلى أنه يوضح أنه ليس مالك الجزاء والحساب، وإنما الله وحده هو الذي يحاسب الناس على أفعالهم فجاز لهم عليها حين يقول “وإن سمع أحد كلامي ولم يؤمن فأنا لا أدينه لأني لم آت لأدين العالم بل لأخلصه من رذلتي فله من يدينه” يوحنا، 12/47-48 فمن لا يحاسب الناس ولا يعلم أعماله لا يمكن أن يكون إلها.
وقد اعترف المسيح عليه السلام بألوهية الله تعالى ونهى نهيا قويا عن الزعم بألوهيته. فقال “… اذهب إلى إخوتي وقل لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”. يوحنا، 20/17 فكيف يكون إلها بعد هذا التصريح الذي وضع نفسه مثل المؤمن بالله والمقربين بؤلهويته سبحانه وتعالى الذي لا تراه الأعين ولا تدركه الأبصار، فقد ورد في الإنجيل قوله “إن الله لم يره أحد قط”، يوحنا، 1/-18.وقول المسيح عن الله تعالى “لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته” – يوحنا، 5/37. بينما المسيح يمكن أن يرى فقد أبصروه وسمعوا صوته وعلموه بل وأكل وشرب معهم وفعل غير ذلك من دلائل البشرية وهذا كله ينفي ألوهيته عليه السلام.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد