في نقد مسلمات الفلسفة الغربية

تسعى الورقة إلى استلهام روح الفلسفة المسيرية في تفكيكها لروح البنية المعرفية الغربية القائمة على البعدين المادي والدارويني في الإنتاج والتفسير. فمنذ أكثر من 160 سنة وصوت الداروينية يعلو ويعلن أن الإنسان خلق ذاته وأنه نتج عن فعله أي أنه غير ممتن بوجوده لأحد.هكذا أصبح الإنسان إله نفسه. من هذا المنطلق انتهجت الفلسفة المسيرية استراتيجية نقدية للركن الأعمق في البناء المعرفي الغربي محاولة فضح تهافت عناصره، ونقضه من خلال بيان قصوره وعدم ملاءمته للطبيعة الإنسانية التي تختل ما إن تفقد شرطها الروحي والقيمي.
لقد كان دأب الدكتور الفيلسوف عبد الوهاب المسيري في جميع أعماله هو التأكيد على أن الطبيعة لا تستطيع أن تكون “مطلقا” يعوض الإله الخالق. فعمل من خلال ممارسته النقدية على دحض القيم المادية التي اختزل فيها العقل الغربي جميع قضاياه وموضوعاته حتى بات لا يؤمن في وضعيته البئيسة إلا بما تدركه حواسه الخمس المحدودة وامتداداتها الآلية. فالفلسفة المسيرية في هذا الجانب تعرية مستمرة لتأليه الإنسان أو تأليه الآلة. إنها فلسفة تلتقي في هذا الجانب مع تصورات فلسفية تجديدية لمفكرين آخرين أمثال الدكتور طه عبد الرحمن وأبو يعرب المرزوقي ومالك بن نبي وغيرهم ممن يدافعون جميعا على أن الإنسان”آية قبل أن يكون آلة”.
الإنسان الحداثي في نقد الفيلسوف عبد الوهاب المسيري للنص الثقافي الغربي كائن مشدوه أمام إنجازاته المادية، زمنه مشغول مستعمر، متخم هو بالمعلومات التي تطلعه على كل شيء فيما عدا نفسه التي يجهلها، تمده العلوم الطبية والبيولوجية والوراثية بما يمكنه من التعرف بعمق على كيفية اشتغال آلياته الجسدية، لكن لا خبرة له عن اتجاه رحلته في الحياة.
من جملة ما تطمح إليه الورقة هو استلهام روح الفلسفة المسيرية في تفكيك النص الآخر في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والفن ، باعتبار كل ذلك مرتهنا لنص الوضعية المادية التي باتت هي أسلوب التفكير الوحيد المتجذر في المجتمع الحديث..هذا الأسلوب الذي ينتمي إلى تحيز ينبغي الوعي بخطورته على الوجود الإنساني برمته لأنه أسلوب ينشط ليغطي صوت الفطرة ويطمس نقوشها، ولكنه لا يستطيع على كل حال…لأنه في أعماق كل ضمير، في ركن منه يكمن الانتظار، انتظار نداء مخلص، صوت منقذ ينبأنا أن لوجودنا غاية غير الخمول الذي يتمرغ فيه حضورنا على وجه الأرض.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

اترك رد