معلوم أن أشكال التواصل التي تجري بين بني البشر تتحكم فيها بنيتان من البنى التوجيهية ذات الطابع الأخلاقي، الأولى نفسية داخلية والثانية اجتماعية خارجية.وكل واحدة من هذه البنى لها أثرها في توجيه السلوك اللغوي الوجهة التي يعكس فيها تقاطع الفردي والجماعي ، الطبيعي والثقافي، الذاتي والموضوعي، وأيضا الترديدي والإبداعي، إذا اعتبرنا أن المتكلم منشئ لسلوك لغوي يتداخل فيه التقليد الذي يضمن الاستمرار بالتجديد الذي يشي بالفرادة.
وإذا سلمنا بهذا الأساس الأخلاقي الذي تقوم عليه السلوكات الإنسانية عامة والسلوك اللغوي خاصة صرنا إلى القول بأن المقاربات التداولية ذهبت إلى جر السلوك اللغوي إلى إحداها دون الأخرى، والاجتهاد في تصور بنية عميقة أحادية للسلوك اللغوي، فجعل بعض التداوليين ينظرون في الجانب الاجتماعي دون غيره، وجعل آخرون ينظرون إلى الجانب النفسي دون غيره، والحق أنهما متداخلان لا يفترقان.
ونستطيع التمييز في هذا الصدد بين مستويين في التواصل:
– مستوى عميق مجرد تحكمه قوانين منطقية ورياضية وقواعد سيكولوجية وقوانين دلالية عامة.
– مستوى سطحي مادي محسوس تحكمه قوانين فيزيائية مرتبطة بالمكان والزمان والمجتمع.
في هذه الورقة سنسعى لأن نسلط الضوء على الحاجة الملحة لإدراج قواعد التأدب كركن أساس لا نستطيع إسقاطه في عمليات التواصل ،كما لا نستطيع تجاهل فاعليته. كما سنؤكد على التطور الذي عرفته قواعد التخاطب في اتجاه إقرار نوع من الشمولية والموضوعية والدقة في فهم وإدراك السيرورات التواصلية. كل ذلك مساهمة منا في بناء تصور فلسفي تداولي يعطي الاعتبار الأول للإنسان بما هو آية وليس آلة.
اترك رد