تنظّم مندوبيّة الثّقافة بمدنين وجمعيّة الرّابطة القلميّة بمدّنين بالشّراكة مع قسم العربيّة بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بمدنين، ضمن فعاليات ملتقى السّرديات بمدنين في دورته الرّابعة،ندوة علميّة في موضوعها: السّرد والتّاريخ، أيّام الخميس والجمعة والسّبت والأحد 23،22،21،20 أفريل 2017.
الورقة العلميّة للنّدوة:
يدور في الوقت الرّاهن نقاش عميق بين المثقّفين والأكاديميّين حول علاقة الأدب بالتّاريخ وهو إشكال كان قد طُرح في الغرب منذ عقود خلت عن طبيعة المعرفة السّرديّة هل هي تاريخ؟ وعن طبيعة التّاريخ هل هو سرد؟ ومما لا شكّ فيه أن أسئلة كثيرة من هذا القبيل طُرحت على النقّاد والمؤرّخين والباحثين على وجه العموم. وقد لاحظ عدد غير قليل من المهتمّين بكلا المجالين الفنيّ والعلميّ، أنّ نظام المعرفة في حقبة الحداثة المتأخّرة (ما بعد الحداثة) يتميّز بتداخل متين لمختلف الفروع المعرفيّة، وأنّ البنية الكبرى أو النّسق الخفيّ لولادة المعارف واحتضارها واحد، قياسا إلى تعدّدها واختلافها.
لقد ابتكر الفيلسوف الفرنسيّ ميشال فوكو مصطلح “ابستيميّة” المعرفة للتّبليغ بهذا المفهوم عن تعدّد المعارف في إطار وحدة البنية الكبرى المستترة. وقد انتهى الكثير من الفلاسفة والمفكّريين في مجالات مختلفة إلى نتيجة مفادها أن كل الخطابات ما هي إلاّ سرد، وأن كلّ إنتاج فكريّ لسانيّ يستوي نهاية تسريدا. وبدأت تتلاشى شيئا فشيئا تلك الحدود التي رسمت خطّ القسمة بين خطابات نميّزها بالعلميّة ونمنحها شرعيّة قول الحقيقة، وأخرى نحجب عنها هذه الميزة ونصفها بالثّانوية والتّابعة. لقد انتهت سيادة ذلك التّفكير الذي يقيم تفاضلا بين المعارف والّذي عاشت قيمه الابستمولوجيّة في سياق هيمنة منظور وضعيّ ردحا من الزّمن، حتّى اندلعت تلك الثّورات في خطاب العلم ذاته (النسبيّة والميكانيكا الكوانطيّة)، وخفتت تلك الأصوات التي كانت قد أعطته في ما مضى موقعا ملَكيّا.
وفق أنطلوجيا ما بعد حداثيّة تحوّل الوجود إلى لغة، ووفق ابستيمولوجيا ريبيّة تحوّلت الحتميّة إلى احتماليّة. ولم يعد ثمّة موضع يمنح الأفضليّة لخطاب على آخر، بل غدت كل الخطابات ضروبا من السّرد، إنّما التّمايز بينها كما ذهب إلى ذلك رتشارد رورتي(الفلسفة ومرآة الطّبيعة) هو بالأساس في المعجم الجيّد. وقد صرّح فرنسوا ليوتار أن العَالِمَ هو شخصٌ يبْني قَصَصَا.
وفي ندوتنا هذه ومن منظور الحداثة المتأخّرة (ما بعد الحداثة) سنحاول تناول علاقة السّرد – بوصفه جامعا لمختلف الفروع الأدبيّة – بالتّاريخ. ويمكن أن نطرح سؤالا مُوجِّهًا، هل يمكن أن يكون الأدبيّ تاريخا والتاريخيّ أدبا؟ وسنسعى في هذه النّدوة إلى تفكيك إشكاليّة سرديّة التّاريخ وتأريخيّة الأدب.
تبرز القرابة بين الأدب والتّاريخ لدى الغربيّين، وفي التقليد الأنقليزيّ على وجه الخصوص، بين الحكاية والتّاريخ (history – story). وتظهر أكثر فيما استحدثه بول ريكور من تقسيم يفصح عن هذه القرابة فثمّة سرد تخييليّ (الأدب) وسرد تاريخيّ (التّاريخ والفلسفة والصّحافة والعلوم الاجتماعيّة…) .لقد تتبّع بول ريكور التّرابط والتّعالق بين السّرد والتّاريخ وهو الموضوع الّذي حاول أن يجعله في صلب الكثير من دراساته الفلسفيّة والهرمونيطيّقيّة والتّاريخيّة وعلى وجه الخصوص في مؤلّفه ‘الزّمان والسّرد:الحبكة والسّرد التّاريخي’ منتهيا إلى أنّ كليهما يقوم على مركزيّة البنية القصصيّة وأنّ كليهما يفيد بحقائق حول الواقع المعاش. وإذا كانت البنية الإخبارية للأدب هي تخييليّة على صعيد الموادّ والمراجع، فإنّها بالنّسبة إلى التّاريخ تخييليّة على صعيد التركيب والتّوليف.
وإذا أخذنا السّرد بوصفه مجالا واسعا للأدب (رواية، قصة قصيرة، سيرة ذاتية، مذكرات…) فسنجده مؤطّرا بالتاريخيّ سواء بالمعنى السياقيّ أو على صعيد الإخبار، ذلك أن التمثيلات الأدبيّة هي خطاب يقع في مكان وزمان مخصوصين، وهنا على وجه خاص يحضر السّؤال الهيديغيري حول الزّمانيّة بأبعادها الفلسفيّة والميتافيزيقيّة. وقد لاحظ العديد من نقّاد الأدب والباحثين الاجتماعيّين أنّ الأدب بمختلف أجناسه ما هو إلاّ وثيقة مهمة تكشف حوادث غابت أو غُيّبت. وكان الفيلسوف الفرنسيّ ميشال فوكو قد وظّف الأدب ليقترب من فئات كانت أصواتها قد مُنعت من الانتشار اجتماعيّا (المجانين بالأساس) منتهيا إلى أنّ (الأدب وثيقة مهمّة للتاريخيّ).
ثمّ إنّ الأدب في منظور الحداثة المتأخّرة متورّط ايديولوجيّا، بمعنى أنّه يَسكن في أصل النّزاعات والتّصادمات بين الأفراد والفئات والطّبقات والثّقافات. وقد كشف النّاقد الفلسطينيّ إدوارد سعيد العلاقة المتينةَ بين الرّواية والامبراطوريّة، ذلك أن الرّواية مفعمة بقيم الخطاب الاستعماريّ وقد أرّخت في محطّات متكرّرة سعيا منها لتثبيت حقيقة غربيّة تقول إنّ تاريخ الشّرق يبتدئ مع قدوم الرّجل الأوروبيّ الأبيض. إنّ التوقّف عند التّاريخ في خطاب الأدب مسألة مهمّة للغاية للاقتراب أكثر من الواقع حتى يجوز القول إنّ نصّ الأدب هو نصّ التّاريخ.
بالمقابل نرى تناميا للرّأي القائل أنّ التّاريخ ضرب من ضروب القَصص سواء مع المؤرّخ الأمريكيّ هيدن وايت (ما وراء التاريخ المخيلة التاريخية في أدب ق19) أو الفرنسيّ بول فاين(أزمة المعرفة التّاريخيّة:فوكو وثورة في المنهج) . إذ نجد أن نصّ التّاريخ يقوم مثل الحكاية على حبكة ينتقيها المؤرّخ بمخيّلته التّاريخيّة. ذلك أنّ الأحداث غير دالّة بذاتها بل هي في حاجة إلى حبكة (تتكون من: وضع بداية، وسياق تحوّل، ووضع ختام) لكي يكون لها أثر تفسيريّ. إنّ نصّ التّاريخ دون قصّة هو أحداث متناثرة لا تجد رابطا يجمعها. لذلك ينزع المؤرّخ إلى تحقيق وحدة للأثر (على غرار القصّة القصيرة) عبر آليات مجازيّة وتقنيات قصصيّة كأن ينتقي حدثا ويسكت عن أحداث أخرى، ويبرز أشخاصا ويهمل آخرين، وهو مضطرّ لفعل ذلك لأنّ استحضار كلّ المعطيات محال خاصّة وأنّ عمليّة التّبليغ لغويّة بالأساس. التّأليف القصصيّ إذن، هو ضرورة ملحّة لكلّ مؤرّخ كي تكون لحديثه عبرةٌ.
بناء على ما تشعّبت إليه المباحث النّقديّة في جدل السّرد والتّاريخ سوف نهتمّ في هذه النّدوة، التي ستجمع نقّاد الأدب بمؤرّخين من مشرق البلاد العربيّة ومغربها، بمختلف هذه القضايا النظريّة والعمليّة وفق المحاور التّالية:
- سؤال التّفاوض المنهجيّ بين الأدبيّ والتاريخيّ.
- الرّواية التّاريخيّة في الأدب العربيّ الحديث: مميّزاتها ومآلاتها.
- التّاريخيُّ في النصّ الأدبيّ من جهة الشّكل والدّلالات والوظائف.
- الأدبيُّ في النّص التّاريخيّ من جهة الرّهانات والمظاهر والنّتائج
- في علاقة القصّة بالتّاريخ (اتّكاء المؤرخين القدامى على القصّ).
- خصائص المتخيَّل بين الأدب والتّاريخ.
- اللّغة في علاقتها بجدل السّرديّ والتّاريخيّ
- إشكاليّة نصّ السّيرة بين الأدبيّة والتّاريخيّة
تفتح لجنة النّدوة العلميّة المجال لجميع الباحثين والأكاديميين للمساهمة بأوراق بحثيّة ضمن الإطار المحدّد في أرضيّة النّدوة ومحاورها الرّئيسيّة(رفقته) ويكون استقبال مقترحات المشاركة طبقا للجدول الزّمني الآتي:
1-تستقبل اللّجنة العلميّة للنّدوة ملخّصات البحوث المقترحة في (حدود600كلمة) مرفقة بنسخة من السّيرة الذّاتيّة المختصر للباحث في موعد أقصاه20ديسمبر2016
ويجب ان يشتمل الملخّص على العناصر الآتية:فرضيّة البحث، إشكالياته وقضاياه الرّئيسيّة، منهج البحث
2-يتمّ اختيار المشاركين من لدنّ اللّجنة العلميّة بقرارات تحكيم الملخّصات في أجل أقصاه20جانفي2017
3-آخر موعد لاستقبال البحوث العلميّة كاملة بشكل رقميّ هو20مارس2017. ويشترط في هذه البحوث أن تتراوح كلماتها بين 8000 و12000 كلمة بما في ذلك الحواشي والهوامش والمراجع وأن تكون مكتوبة باستخدام برنامجword مع استعمال خط Traditional Arabicبحجم16 في المتن و12 في الهامش و1.15مساحة بين الأسطر.
4-تلتزم اللّجنة العلميّة بإخبار الباحثين الّذين وافقت على ابحاثهم بصفة نهائيّة في موعد أقصاه30مارس2017.
5-تنعقد فعاليات النّدوة بالمعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بمدنين وبفضاء المندوبيّة الجهويّة للثّقافة بمدنين والمركّب الثّقافي بمدنين
6-تتكفّل اللّجنة المنظّمة بتوفير الإعاشة والإقامة لكلّ المشاركين طوال أيّام النّدوة كما تتكفّل اللّجنة العلميّة بطبع اعمالها.
7-تتكفّل الجمعيّة المنظّمة بدفع تذاكر السّفر للمشاركين من خارج البلاد التّونسيّة
8-تسلّم شهادات مشاركة لجميع المشاركين
9-تخصّص مداخلة وفقا لسنّة الملتقى، هذه السّنة،للتّعريف بكتابات الكاتب المحلّي منّوبي زيود في علاقتها بمحور الملتقى أو خارجه إن تعذّر. فيرجى من الباحثين تقديم ملخّصات بحوث تتعلّق بها(يمكن الاتّصال بالجمعيّة على الرقم:98253117 لربط الصّلة بالكاتب والتّعرّف إلى مدوّنته)
نموذج المشاركة
اترك رد