مكتبة الإسكندرية مركزا للمعرفة والتسامح والحوار .. د. أحمد عبد الباقي حسين

د. أحمد عبد الباقي حسين: دكتوراه في الحضارة الاسلامية، جامعة الزقازيق.

فى سنة 2002م، وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) تم تدشين مكتبة الاسكندريه الجديدة وتقع كلتا المكتبتين في مدينة الإسكندرية بمصر.
وظل الحلم بإعادة مكتبة الإسكندرية القديمة ،وإحياء تراث هذا المركز العالمي للعلم والمعرفة يراود خيال المفكرين والعلماء فى العالم اجمع.
كانت البداية مع إعلان الرئيس مبارك إعلان أسوان العام 1990م لإحياء المكتبة القديمة.
تم تدشين مكتبة الإسكندرية الجديدة في احتفال مهيب حضره ملوك ورؤساء وملكات ووفود دوليه رفيعة المستوى.
وهى اول مكتبة رقمية فى القرن الواحد والعشرين ،وتضم التراث المصرىالثقافى والانسانى ،وتعد مركزا للدراسة والحوار والتسامح ،ويضم هذا الصرح مكتبة تتسع لأكثر من ثمانية ملايين كتاب ،وست مكتبات متخصصة ،وثلاث متاحف ،وسبعة مراكز بحثيه ،ومعرضين دائمين،وست قاعات لمعارض فنية متنوعة وقبة سماوية وقاعة استكشاف،ومركزا للمؤتمرات .
بنيت مكتبة الإسكندرية الجديدة ؛لتسترجع روح المكتبة القديمة ،فالمكتبة تطمح لان تكون :
-مركزا للمعرفة والتسامح والحوار .
-نافذة للعالم على مصر.
-نافذة لمصر على العالم.
كانت مكتبة الإسكندرية القديمة اكبر المكتبات القديمة التي أسسها بطليموس الأول والثاني نبعد ان حشدا لها الكتب من مكتبات اخرى.
وذلك فى القرن الثالث ق.م .وكانت تحوىاكثر من 400000 بردية مخطوطه.
وقد تعرضت هذه المكتبة للتدمير والتخريب وليس هدفنا هنا اثبات من احرق المكتبة او دمرها ،انما اود مناقشة ما جاء فى مقال(مكتبة الاسكندريه –ضحية التعصب الدينى)بقلم Viktor Demiras.
وبخاصة ما ورد فى المقال من اتهام للقائد عمرو بن العاص فاتح مصر بإحراق مكتبة الاسكندريه وذلك بامر من امير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضى الله عنه)وعلل هذا الكاتب أمر الإحراق بأنه نابع من تعصب ديني .
عند معالجة هذا الموضوع لابد من الرجوع الى المنهج العلمى والتوثيق التاريخى ،فرواية الحرق تلك أقدم من أرخ لها كان :
-المؤرخ عبد اللطيف البغدادى (1162-1231م)
-المؤرخ على بن يوسف القفطى (1172-1248)
-المؤرخ ابن العبرى:غريغوريس ابو الفرج ،كان أبوه يهوديا تنصر ولد سنة (1226- وتوفى 1286م)فى مدينة مراغه من اعمال اذربيجان ،نصب أسقفا لليعاقبة فى مدينة حلب ،وارتقى الى رتبة (جاثليق)على كرسي المشرق سنة 1264م.
إن إحراق المكتبة المزعوم تم سنة 642م ومما ذكره يتبين ان هناك فاصل زمني حوالي 606سنة بين الحادثة وأقدم تاريخ لها.
إذا من أين استقى هؤلاء تلك الحادثة ،الجواب :لا يوجد مصدر منصوص عليه بل رجح كثير من أهل الاختصاص أنهم اخذوا معلوماتهم من مصدر مجهول معاد للمسلمين.
فلم يعتمد هؤلاء على مشاهدة عينيه ولا على مصادر معتمده ولم ينقلوها عن طريق سند متسلسل بالثقات ،إذن فهل يبقى قيمة علميه أو منهجيه أو تاريخيه لتلك الرواية.
ويؤكد هذه النتيجة ان من أرخ لتاريخ مصر وفتحها ممن عاش قبل من ذكروا هذه الواقعة بعدة قرون لم يذكروها ،فلم نجدها عند عند الواقدى ولا الطبري ولم يذكرها ابن خلدون ولم يصفها ياقوت الحموي عند وصف الاسكندريه.
واني لأرجح أن تكون الرواية التى ذكرها القفطى فى كتابه تاريخ الحكماء ونقلها عنه من جاء بعده مصدرها القصص الشعبي الذى يدور على السنة العامه ؛حيث داب بعض كتاب هذه الفترة على استخدام بعض القصص الشعبي فى كتاباتهم.
هذا بالنسبة لمصادر تلك الرواية وذلك اذا كان الأستاذ الكريم قد اطلع عليها وانى لأظن أن ليس له دعوة فى الحق ؛فعندما سرد الرواية تحدث بغداد باعتبارها عاصمة الدولة الاسلاميه فى عصر امير المؤمنين عمر بن الخطاب ،فاى بغداد تلك التي يتحدث عنها والتى لم تظهر كعاصمة للخلافة الاسلاميه إلا بعد قرنين من الزمان من خلافة عمر(رضي الله عنه)وذلك فى عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور .
يا اخى لمعلوماتك التاريخية كانت المدينة المنورة هى عاصمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .
أما بالنسبة لعناصر الرواية الرئيسية فأولها المكتبة،حيث يؤكد البعض انه عند دخول عمرو بن العاص الاسكندريه لم تكن مكتبة الاسكندريه موجودة حتى يحرقها ؛لأنه بالبحث العلمي والتاريخي ثبت إن مكتبة الاسكندريه تم إحراقها عن أخرها في عام 48ق.م.فى زمن الإمبراطور يوليوس قيصر إمبراطور الدولة الرومانية والذي حضر الى الاسكندريه لفك النزاع القائم على حكم مصر بين كليوباترا وأخيها بطليموس الصغير ،والذي نجم عنه إحراق السفن الموجودة فى البحر المتوسط وامتد الحريق لينال من المكتبة.
الأمر الثاني ان الرواية بدأت فى شكل حوار بين حنا النحوي وعمرو بن العاص فى أمر المكتبة ،وهذا أمر غير مقبول ؛لان حنا النحوي مات قبل دخول المسلمين مصر ب(115)عاما.
إما بالنسبة لقوله بأمر التعصب الديني ،فيكفى ان عمر بن الخطاب (الفاروق)بلغ من حرصه على مصالح الدولة الإسلامية ورعاياها مبلغا لاينكره احد فهو القائل والله لو عثرت دابة فى العراق لظننت أن الله سوف يحاسبني لما لم أسوى لها الطريق يا عمر).
ومن الوثائق التاريخية المهمة والتي تسجل حرص عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)على رعاية مواطني الدولة الاسلاميه بغض النظر عن ديانتهم ،وثيقة كتبها لأهل إيليا(القدس)عند فتحها عام 638موهى من أقدم الوثائق فى تنظيم العلاقة بين الأديان نذكر منها :هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين ،اهل ايلياء من الأمان ،أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها ،انه لاتسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم…..)
وإذا طوينا صفحات الزمن لنصل إلى عصر الخليفة العباسي المأمون نجده انشأ عام830م بيت الحكمة فى بغداد وهو عبارة عن مكتبة عامه ودار علم ومكتب ترجمه ويعد بيت الحكمة أعظم صرح ثقافى نشا بعد مكتبة الاسكندريه فيستبعد على مسلم أمر بالعلم والقراءة والبحث والتدبر أن يحرق كتابا للعلم.
هذا إلى جانب قيام الكثير من العرب بدراسة اللغات الأجنبية وترجمة كتب بعض مشاهير العلوم فى العصر الاغريقى وإرسال العلماء العرب (على نفقاتهم الخاصة)التجار إلى بلاد الهند وبيزنطة للبحث عن كتب العلم وشرائها.
ولو كان الإسلام ينهى عن ذلك لما اقترفوا إثم البحث عن العلم وترجمة الكتب وتعليم الغرب.
وكيف نصدق إن المسلمين احرقوا مكتبة عظيمه مثل مكتبة الاسكندريه ثم يتكبدوا بعد ذلك مشقة البحث عن مؤلفات لنفس العلماء الذين حرقت كتبهم.


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

ردان على “مكتبة الإسكندرية مركزا للمعرفة والتسامح والحوار .. د. أحمد عبد الباقي حسين”

  1. الصورة الرمزية لـ محمود
    محمود

    بارك اله فيك على هذا الرد الموثق أنت مشكور عى ذلك

  2. الصورة الرمزية لـ Ahmed Ismail Ahmed
    Ahmed Ismail Ahmed

    بارك الله فيك وجزاك الله خيرا عن كل ما قلته فى حق أمير المؤمنين عمر والرد على هذه الترهات التى تتنافى مع تقديس الإسلام للعلم

اترك رد