المغرب العربي: ماذا لو اندمجنا عبر الاقتصاد؟ .. أمال خالي

خالي أمال: باحثة دراسات دولية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر

تقوم عملية الاندماج على مبدأ بسيط هو الاستفادة من الامتيازات المتعلقة باقتصاد وفرة الحجوم. جعل هذا المبدأ من المشاريع الكبيرة محط تشجيع الحكومات في الدول الرأسمالية المتقدمة، وتعتبر التجربة الاندماجية الأوروبية أبرز مثال عن ذلك، بانتقالها من التعاون في مجال الحديد والصلب من خلال الجماعة الأوروبية للحديد والصلب 1952، إلى الاتفاق على إنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية والجماعة الأوروبية للطاقة النووية التي دخلت حيز التنفيذ سنة 1958، وهكذا ..
كان هذا التصور الذي انطلقت منه الدول الأوروبية من أجل إنجاح مشروع الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي، كما شكل نفس التصور منطلقا لتكتلات اقتصادية أخرى، لكن ماذا عن اتحاد المغرب العربي؟. دعونا أولا نتطرق إلى شروط نجاح الاندماج، ثم نحاول إسقاطه على التجربة المغاربية المشلولة.
تتطلب عملية الاندماج شروطا عديدة لنجاحها تنبثق من صلب المذهب اللبرالي كتلك المتعلقة بتفضيل المبادرة الفردية واحترام الملكية الخاصة، وهو المبدأ الذي من شأنه تحفيز الخواص على توظيف رؤوس الأموال في السوق بكل حرية ، كما يفترض المسار الاندماجي توظيف العامل التكنولوجي للسماح بزيادة معدلات النمو الاقتصادي، إلى جانب تكريس مبدأ الحرية من حيث اختيار منحى الاستهلاك أو الاستثمار وكذا قطاع الاستثمار المناسب؛ من شأن هذه العوامل وغيرها تشجيع المستثمر على أخذ هامش المخاطرة التي يتحملها الفرد لتحقيق الربح: فيعم الربح على كافة المجتمع في حال تحقق ويختص المستثمر بالخسارة إن حدثت!. يضاف إلى ما ذكرناه عوامل أخرى تسهل عملية التكامل كالتقارب الجغرافي الذي يضمن تناغم نماذج التنمية ويخفض من تكاليف الاندماج إعمالا للإقليمية الكلاسيكية، إلى جانب قوة العلاقات الاقتصادية الرابطة بين الدول الراغبة في الاندماج، الانفتاح الاقتصادي والتجاري للدول، كما نركز على أهمية توفر الرغبة في الاستفادة من المزايا النسبية للاندماج.
إسقاطا لهذه الشروط على حالة الاندماج في الدول العربية، نلاحظ أنها قد تتوفر على الميزات التالية: تعتبر أغلب الدول المغاربية من الدول المحظوظة من حيث وفرة الموارد الطبيعية والمقومات الاقتصادية، سواء في قطاع المحروقات كحالتي الجزائر وليبيا أو مقومات الزراعة والسياحة والموارد المنجمية. كما تتوفر الدول المغاربية على طاقة بشرية هامة حيث يراوح عدد سكانها المائة مليون نسمة، أغلبهم من الفئات الشبابية التي أصبحت تتميز بالتأهيل المهني والجامعي، إلا أن هذه الفئة لم تستغل بالشكل الأمثل، حيث يشير البنك العالمي إلى أن دول المنطقة المغاربية مطالبة بخلق 08 ملايين منصب عمل، بين سنتي 2010 إلى 2020لسد حاجيات التشغيل والقضاء على مشكل البطالة.
كما يلعب السوق دورا هاما في استيعاب المنتجات الصناعية الداخلية واستقطاب الاستثمارات الخارجية، لكن النظرة التجزيئية للسوق المغاربية إضافة إلى ضعف التصنيع، جرد السوق المغاربي من هذا الدور.
فقد أصبح التأكيد على فتح الحدود المغاربية الجزائرية ( بصفتهما الدول المغاربية الأكثر تأهيلا لقيادة مبادرات الاندماج) أمرا معهودا في المطالب الأمريكية والأوربية، التي تطمح في استثمارات جديدة وتوسيع الاستثمارات الموطنة في المغرب العربي.
إدراكا لهذه الميزات سعت الدول المغاربية إلى الاندماج عبر مبادرات جماعية (اتفاقية الرباط 1963، تجربة الاندماج الاقتصادي لبلدان المغرب العربي في الفترة بين 1964/1975 وغيرها)، أو المبادرات الثنائية (معاهدة الوفاق والإخاء بين الجزائر وتونس 19 مارس 1983، معاهدة وجدة بين المغرب وليبيا 13 أوت 1984، والتي تكللت بالفشل) ، وقد تجاوزت طموحات الدول المغاربية حد الاندماج إلى الإعلان عن قيام الاتحاد المغاربي على إثر القمة التأسيسية للاتحاد في مراكش 17/02/1989. أعطي الجانب الاقتصادي حيزا مركزيا في التجربة التكاملية المغاربية، وقد وضعت خطوات هذا التكامل الاقتصادي حسب مراحل أربعة هي ( إنشاء منطقة تبادل حر بين 1992/1995، إنشاء وحدة جمر كية بين سنتي 1996/1999، إنشاء سوق مغاربي مشترك بدءا من سنة 2000، الوحدة الاقتصادية). غير أن هذا المخطط قد فشل فشلا ذريعا. لماذا؟
ترجع أغلب التحليلات سبب فشل تجربة الاتحاد المغاربي وغيرها من التجارب الاندماجية في المنطقة إلى ظروف سياسية وأمنية ( قضية الصحراء الغربية، المشاكل الأمنية التي شهدتها الجزائر فترة التسعينيات..) ولا ننفي الصحة عن مثل هذا التحليل خاصة في الظروف الراهنة التي تشهد ازدياد الاضطرابات الأمنية، لكن الجانب الاقتصادي كفيل بإعطاء تفسير لمشكل الاندماج وحلوله في آن واحد. كيف ذلك؟
– تعاني المناطق الحدودية للدول المغاربية ضعفا كبيرا لا سيما الحدود المغربية الجزائرية، وعليه فان كل محاولة اندماج تستدعي تقوية هذه المناطق عبر تشجيع وتسهيل الاستثمار فيها،
– تعدد جهات اتخاذ القرارات والسياسة المسطرة على المستوى الإقليمي يعتبر سببا في الحد من فعالية الأجهزة التنسيقية القائمة، فتوجب توحيدها وتنسيق سياساتها،
– عدم توفر الظروف الاقتصادية الملائمة، ما جعل الجانب السياسي وسيلة لتغطية نقص الكفاءة الاقتصادية،
– أسباب هيكلية متمثلة في عدم توازن الاقتصاديات المغاربية، فكل رغبة في الاندماج تبتدئ بمراجعة اختلالات الاقتصاديات المحلية وإزالة التباين والاختلاف في السياسات والنظم الاقتصادية والقضاء على تخلفها،
– ضعف التبادل التجاري بين الدول المغاربية والتوجه العمودي للمبادلات على حساب المبادلات الثنائية والجماعية الأفقية وربما يعود هذا إلى اعتماد أغلب الدول المغاربية على منتج أو اثنين من حيث التصدير، لكنه لا يلغي إمكانية الشراكة البينية في هذه المجالات والتوجه نحو غيرها إعمالا للميزة الاقتصادية النسبية،
وعليه، تعتبر محاولات الاندماج في المغرب العربي نتيجة حتمية لتغير الظروف الإقليمية والدولية، التي أصبحت تولي للعامل الاقتصادي أهمية بالغة في تحديد التوازنات الدولية، غير أن الإشكال الرئيسي في مسيرة الاندماج المغاربي، التي طال عهدها وضعف مردودها، يكمن في طبيعة اقتصاديات هذه الدول ثم في طريقة الاندماج المنتهجة، النقائص الكامنة في الهياكل و السياسات الاقتصادية للدول المغاربية، وكذا ضعف التنسيق والتبادل بينها، إضافة إلى محدودية تجارتها الخارجية التي بقيت بدائية قائمة في أغلبها على تصدير المواد الخام ونصف المصنعة. فلا تعبر محاولات الاندماج المغاربية إلا عن إرادة سياسية معلنة، دون بناء اقتصادي مناسب، والرغبة في تغيير النتيجة يتطلب تغيير المعطيات وهي المهمة الموكلة أساسا إلى القطاع الخاص.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

5 ردود على “المغرب العربي: ماذا لو اندمجنا عبر الاقتصاد؟ .. أمال خالي”

  1. الصورة الرمزية لـ فريال أوصيف
    فريال أوصيف

    تحليل منطقي للأستاذة أمال خالي ، بوركتِ .

    1. الصورة الرمزية لـ أمال خالي
      أمال خالي

      شكرا لمرورك أستاذة لوصيف، سأكون شاكرة لاتصالك.

      1. الصورة الرمزية لـ فريال أوصيف
        فريال أوصيف

        بإذن الله أستاذة ، سأسعد بذلك في أقرب وقت .

  2. الصورة الرمزية لـ kabouche El haouas
    kabouche El haouas

    شكرا على هذا التقديم الموفق لكن لدي تعقيب ان امكن. من خلال دراسة اجريتها عن العملية التكاملية المغاربية تبين لي ان فكرة التكامل والوحدة كانت حاظرة داخل الوحدات المغاربية في فترة كانت فيها اوربا تطرح مفاهيم توازن الرعب وغيرها من مفاهيم الحروب اي ان المشكلة ليست في الفكرة وانما ادراك النخب السياسية لاهمية العملية التكاملية والمنافع المترتبة عن الدخول في عمل تكاملي هو المحدد الاساسي لنجاح العملية التكاملية وهو الطرح الذي يتبناه انصار النظرية الوضيفية ( وهو نفس الفكر التي استند عليه التحليل في هذه المقالة) لكن من تحديات نجاح العملية التكاملية هو طبيعة الفاعلين السياسيين الءين يتمسكون بمبدأ السيادة المطلقة وكذا عدم اقامة مشاريع اقتصادية مشتركة وفي قطاعات نفعية غير حساسة تكون منافعها شاملة لأطراف التكامل تدفع لخلق مشاريع تكاملية اخرى حسب مبدأالإنتشار

    1. الصورة الرمزية لـ أمال خالي
      أمال خالي

      شكرا لتعقيبك زميلي الفاضل وقد اصبت في ربط المقال بالفكر الوظيفي. ينطلق التحليل من فكرة تأجيل الخوض في العوامل السياسية وقرارات النخب والدفع بالمقاولة والاستثمار، لا استثني أثر السياسات والتشريعات على سرعة العملية الاندماجية بطبيعة الحال، لكن لرأس المال منطق وقوة من شأنهما الدفع الى الاندماج والتغيير التدريجي للحسابات السياسية.

اترك رد