د. شعبان عبده أبو العز المحلاوي: كلية حقوق المنصورة، قسم الاقتصاد والمالية العامة
تعد ثقافة الربح بدون عمل من أهم عناصر الثقافة الاقتصادية العالمية السائدة حالياً؛ وهذه الثقافة الرديئة هي أم الأنشطة الطفيلية مثل المضاربة على العملات والأسهم والمعادن النفيسة والسلع الغذائية، وهي المصدر لكل برامج المسابقات والاتصالات التليفونية التي تلعب على أحلام الناس في الخروج من الفقر أو ضيق الحال من خلال كسب المال بهذه الطريقة وبكميات ضخمة. وهي أيضاً التي ولدت ظاهرة الأسواق الآجلة، والتي انتشرت لتشمل كل ما هو قابل للإتجار به، بما في ذلك القروض بعد ذلك لتشكل سوق المشتقات التي توسعت وتضخمت بصورة سرطانية، ليصل حجم المشتقات عند انفجار الأزمة المالية عام 2008 إلي أكثر من 600 تريليون دولار، أي أكثر من عشرة أضعاف حجم الناتج العالمي مقاساً بالدولار وفقاً لتعادل القوي الشرائية بين الدولار والعملات الأخرى.
وقد شهد العالم منذ منتصف سبعينات القرن الماضي توسعاً مطرداً لثقافة الربح من دون عمل منذ تحول أسواق العملات بعد فك الارتباط بين الدولار والذهب، وبعد تعويم العملات الأوربية وكل العملات الحرة، إلي أسواق للمضاربة على العملات وليس للحصول على هذه العملات بغرض تسوية التعاملات الاقتصادية والالتزامات المالية بين الدول.
هذه الثقافة تتوسع على حساب ثقافة الربح من خلال العمل الذي غير الدنيا ومصائر الأفراد والأمم ورسم صورة المستقبل والتطور الاقتصادي والاجتماعي لأي أمة حسب موقع قيمة العمل من منظومة القيم الأساسية لها. والعمل هو العنصر الفعال في طرق الكسب التي أباحها الإسلام، وهو الدعامة الأساسية للإنتاج وعلى قدر عمل المسلم واتساع دائرة نشاطه يكون نفعه وجزاؤه، حيث يقول تعالي: “من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” سورة النحل: الآية 97. والأصل أن يشبع الانسان حاجاته المعيشية من ثمار عمله، ونتاج سعيه إذا كان قادرا على ذلك، وإلا فإن حمايته ضد العوز تكون من مسئوليات الدولة.
اترك رد