تعويم الجنيه وتأثيره على الاقتصاد المصري .. د. شعبان عبده أبو العز المحلاوي

شعبان عبده أبو العز المحلاوي: دكتور في الحقوق: كلية حقوق المنصورة

ترتب على قرار تعويم الجنيه المصري انخفاض حاد في قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية وخاصة الدولار، ولقد انقسمت الآراء ما بين مؤيد ومعارض لقرار التعويم، وتأثيره على الاقتصاد المصري.
وبصفة عامة فإن تخفيض أو انخفاض سعر الصرف لعملة ما يزيد الطلب الخارجي على صادرات الدولة التي قامت بتخفيض عملتها، وهو ما يشجع على إعادة تخصيص الموارد والتوجه نحو إنتاج المزيد من السلع القابلة للتصدير، ومن ثم تزداد حصيلة الدولة من النقد الأجنبي. من ناحية أخري فإنه يترتب على تخفيض سعر الصرف ارتفاع الأسعار المحلية للسلع المستوردة وهو ما يؤدي إلى انخفاض الطلب المحلي عليها؛ ويقلل بالتالي من فجوة النقد الأجنبي. إلا أنه ينبغي لتحقيق هذه الآثار الايجابية توافر مجموعة من الشروط والعوامل، وتتمثل هذه الشروط في مرونة الطلب الخارجي على الصادرات، ومرونة الطلب الداخلي على الواردات، ومدي قدرة الجهاز الإنتاجي المحلي على تلبية الطلب الداخلي والخارجي.
وعليه يصبح الحكم على مدي فعالية هذه السياسة في تحقيق الهدف المرجو منها في مصر مرتبطاً بمدي توافر هذه الشروط في حالة الاقتصاد المصري:
(1) الشرط الأول لنجاح سياسة تخفيض قيمة العملة هو أن يكون الطلب العالمي على صادرات الدولة التي قامت بتخفيض عملتها مرناً؛ بحيث يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى زيادة الطلب العالمي على صادرات هذه الدولة بنسبة أكبر من نسبة التخفيض، فتكون المحصلة النهائية هي زيادة القيمة الكلية لصادرات الدولة؛ فإذا نظرنا إلى هيكل الصادرات المصرية، نجد أن معظمها يتكون من السلع الزراعية مثل القطن والأرز والبصل والمنسوجات القطنية والبترول وبعض السلع الأخرى المصنعة ونصف المصنعة، وكافة هذه السلع إنما تتميز بضآلة مرونة الطلب العالمي عليها، فضلاً عن أن بعضها مثل البترول تخضع أسعاره في تحديدها لاتفاقيات وتنظيمات دولية.
وعليه فليس من المتوقع أن يؤدي تخفيض قيمة الجنيه المصري إلى إحداث زيادة في الطلب العالمي على الصادرات المصرية بنسبة تفوق نسبة التخفيض في سعر صرف الجنيه؛ ذلك أن الصادرات المصرية لا تتسم بالمرونة اللازمة؛ وينبغي الاهتمام بتحسين الأداء على مستوي قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة.
(2) الشرط الثاني لنجاح سياسة تخفيض العملة أن يكون الجهاز الإنتاجي في الدولة التي قامت بالتخفيض مرناً بحيث يستجيب للزيادة التي سوف تحدث في الطلب الخارجي على صادراتها نتيجة تخفيض قيمة العملة، فضلاً عن إشباع الطلب المحلي والذي من المتوقع أن يزداد على السلع المحلية البديلة عن الواردات على أثر ارتفاع أسعار الواردات الناتج عن تخفيض قيمة العملة. فإذا نظرنا إلى هيكل الصادرات المصرية؛ نجد أن مصر دولة فقيرة في مواردها الطبيعية فباستثناء كميات محدودة من النفط والغاز فإن صادرات مصر من الموارد الطبيعية قليلة وغير مؤثرة على العالم، على خلاف السعودية وروسيا كأكبر مصدرين للطاقة. أما من حيث القدرات التصنيعية فمازالت الصناعة المصرية محدودة، وقدرات الصادرات الصناعية المصرية متواضعة لا تقارن بصادرات الصين أو الهند أو كوريا أو البرازيل، وبالنسبة لتصنيع الآلات فإن مصر غائبة تماماً من الصورة؛ كما أن السلع الأولية والزراعية تتصف بضعف مرونة إنتاجها المحلي الموجه للتصدير.
وعلى ذلك فإنه حتى بفرض زيادة الطلب العالمي على الصادرات المصرية نتيجة انخفاض أسعارها لمقابلة الزيادة التي سوف تحدث في الطلب العالمي عليها فلن تتمكن مصر من زيادة نسبة الصادرات نظراً لمحدودية الصادرات المصرية من المواد الأولية، وعدم قدرة الجهاز الإنتاجي لزيادة الصادرات الصناعية .
(3) الشرط الثالث لنجاح سياسة تخفيض قيمة العملة هو أن يكون الطلب المحلي على الواردات في الدولة صاحبة قرار التخفيض مرناً؛ بحيث يؤدي ارتفاع أسعار الواردات نتيجة تخفيض سعر الصرف إلى إنقاص الطلب على الواردات بنسبة أكبر من نسبة تخفيض قيمة العملة؛ وبالنظر إلى هيكل الواردات المصرية نجد أن معظمها يتكون من سلع ومواد غذائية كالقمح، وزيت الطعام، وسلع وسيطة، وسلع استثمارية؛ وهي سلع تتصف بضعف مرونة الطلب المحلي عليها وذلك لعدم وجود بدائل محلية لها.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد