شعبان عبده أبو العز المحلاوي: باحث قانون بمصلحة الشهر العقاري والتوثيق، مصر
إن مسألة قيمة النقود لها أثر كبير على قيام النقود بوظائفها الأساسية؛ باعتبارها وسيطاً للتبادل ومعياراً للقيم ومخزناً للقيمة؛ فانخفاض قيمة النقود يجعلها غير صالحة؛ حيث لا يقبلها الأفراد في التعامل، ويدفعهم هذا الانخفاض في قيمتها إلي التخلص منها فلا تصبح مقياساً للقيمة، ذلك أن قيمة النقود هي السبب الذي تقبل من أجله النقود في التعامل، أو الأساس الذي يجعل للنقود قبولاً في الحياة الاقتصادية، سواء تعلق الأمر بالأساس المعدني لقبول النقد في التداول، أو الأساس الحكومي لقبول النقد أو أساس ثقة الأفراد بالنقود.
والتضخم هو الارتفاع المستمر والثابت في الأسعار مما يقلل من القيمة الحقيقية للنقود. ويعرف أيضاً بأنه زيادة عامة ومستمرة في الأسعار، وترتبط هذه الزيادة عادة بانخفاض مستمر في قيمة النقود بحيث تتناقص باستمرار قوتها الشرائية. غير أن الارتفاع في الأسعار لا يشكل بالضرورة ودائماً تعبيراً عن ضغوط تضخمية، فمن الطبيعي أن تشهد الأسواق حالات كثيرة ارتفاعاً في أسعار السلع والخدمات، فإذا ارتفعت نفقات عناصر الإنتاج أو تغير هيكل الطلب أو زادت نفقة الواردات فمن الطبيعي أن ينعكس كل ذلك في صورة ارتفاع أسعار السلع والخدمات ويستمر هذا الارتفاع حتى يعود التوازن من جديد للأسواق.
ويشترط لنجاح سياسة تخفيض سعر الصرف – قيمة العملة- ألا يستتبع هذا الإجراء حدوث ارتفاع كبير في الأسعار المحلية عقب تخفيض سعر الصرف؛ حتى لا يؤدي هذا الارتفاع إلى فقدان الميزة التنافسية الإضافية التي تكتسبها الدولة نتيجة قيامها بتخفيض سعر صرف عملتها.
إن سياسة تخفيض قيمة العملة بحد ذاتها تعتبر مصدراً لارتفاع الأسعار، وبصفة خاصة إذا كانت الدولة صاحبة العملة المخفضة تعتمد بنسبة كبيرة على مستلزمات الانتاج المستوردة، وإذا ما كانت عملية إحلال مستلزمات الانتاج المحلية محل الأجنبية ستستغرق وقتاً طويلاً وفي غير صالح العملية الإنتاجية، فإن الأسعار سترتفع. وما إذا كانت السلع المستوردة تعد سلعاً ضرورية للمستهلك المحلي، مثل مواد غذائية أو أدوية أو وقود وغيرها من السلع والخدمات، والتي يكون الطلب المحلي عليها غير مرن، ويصعب الاستغناء عنها، هنا أيضا سترتفع الأسعار محلياً، وتزيد أعباء المواطن.
ولما كان الهدف الرئيسي من سياسة تخفيض العملة الوطنية هو زيادة الصادرات والحد من الواردات، فإن هذه السياسة تقود إلى ارتفاع الأسعار داخلياً نتيجة ارتفاع أسعار الواردات الناتج عن انخفاض قيمة العملة الوطنية، وبالتالي ترتفع معدلات التضخم في الدول التي تسعي لتخفيض قيمة عملتها.
وبتطبيق ذلك على الواردات والصادرات المصرية يتبين أن الواردات المصرية تبلغ حوالي ضعفي صادراتها، وأن تلك الواردات تعتمد بشكل أساسي على السلع الغذائية والزراعية ومستلزمات الإنتاج، والآلات وقطع الغيار والسلع الوسيطة اللازمة للإنتاج النهائي؛ فإن ارتفاع أثمان هذه الواردات بالعملة المحلية على أثر تخفيض سعر الصرف سوف يدفع بأسعار المنتجات المحلية المصرية إلى الارتفاع؛ ومن ثم يحد من قدرة الاقتصاد المصري على التصدير للخارج. ومن ناحية أخري فإن ارتفاع أسعار الواردات نتيجة تخفيض سعر صرف الجنيه المصري سوف يؤدي إلى نقص الطلب عليها وتحول جزء كبير منه إلى السلع المحلية المنافسة فترتفع أثمانها؛ الأمر الذي يزيد من معدلات التضخم.
ولقد أدي انخفاض قيمة الجنيه إلى ارتفاع الأثمان في مصر، ليس فقط بالنسبة للسلع المستوردة وإنما أيضاً بالنسبة لكثير من السلع والخدمات التي لا تعتمد على مدخلات إنتاج مستوردة؛ ذلك أن منتجي هذه السلع والخدمات وكذلك بائعوها لابد أن يرفعوا أثمانها لتحقيق دخل أكبر يمكنهم من مقابلة ارتفاع الأثمان بصفة عامة للاحتفاظ بمستوي معيشتهم كما هو.
اترك رد