افتتح رئيس جامعة البترا الدكتور مروان المولا مؤتمر ” خطاب المنفى: رؤى ثقافية وعلمية وفنية”، الذي نظمه قسم اللغة العربية في الجامعة، وأكد المولا على أهمية موضوع المؤتمر قائلا “لا يخفى ما لهذا الموضوع من أبعاد ودلالات سياسية واجتماعية وثقافية كما لا يخفى ما لهذا الموضوع من أهمية في الأدب العربي قديمه وحديثه وفي سائر الفنون الجميلة ايضًا”، مضيفًا “هو موضوع مهم يفرض نفسه علينا بقوة في هذه المرحلة من حياة أمتنا”.
وشملت جلسات المؤتمر حوار مع الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي حول تجربته الشخصية في المنفى، حيث انتقد البرغوثي الاعتقاد السائد في الأوساط الأدبية والنقدية عن أن الابداع مرتبط بالألم معتبرًا ان تلك المفاهيم تلعب دورًا سلبيا في تلقي النص ونقده.
ودعا المولا المشاركين في المؤتمر إلى إبراز أبعاد خطاب المنفى في الأدب، قائلا “أملنا كبير في أن تطرح وقائع المؤتمر العديد من الأسئلة حول موضوع المنفى وأن تجيب عن الكثير من الأسئلة التي تشغلنا أيضًا، لأننا بحاجة إلى إلقاء المزيد من الأضواء الكاشفة عليه لتعميق الوعي به”.
وأكد عميد كلية الآداب والعلوم بجامعة البترا الدكتور محمد العناني على دور أدباء المنفى في إثراء الأدب العربي وثقافته قائلا “صارَ الأدباءُ في الغُربةِ همُ الطليعةَ، والمِصباحَ المضيء في الأمّةْ، فإذا اشتبهتِ المعالمُ، وأظلمَ الطريقْ، استطاعَ الأديبُ منهمْ أن يقِفَ على قَدَمَيْهِ، ليُصارعَ الأحداثَ، ويُثبِتَ وجودَه في هذا المُعترَكِ الحافِل بالتياراتِ، والأعاصيرِ، والأزماتِ المُزمِنةِ التي كان من آثارِها هذا التفكّكُ، والهُزالُ، والضَّعفُ والخِلافُ، والفُرقةْ”.
واعتبر رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر رئيس قسم اللغة العربية بجامعة البترا الدكتور عاطف كنعان أن خِطابُ المَنْفَى كان كثيرًا ما يحضر بالتّوازِيْ معَ أنْظِمَةٍ سِياسِيّةٍ، واجتِماعِيّةٍ مُسْتَبِدّةٍ طارِدَةْ، لَكِنَّهُ بالمِثْلِ يَحْضُرُ بالتّوازِي مَعَ استِعْمارٍ ألْزَمَ أعْدادًا مَهُولَةً مِن سُكَّانِ المَناطِقِ الخَاضِعَةِ تَحْتَ وَطْأتِهِ، على تَجَشُّمِ عَناءِ الرَّحِيلْ.
وأضاف كنعان كانَ مِنْ هؤُلاءِ المُرَحَّلينْ، ثُلَّةٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ، والكُتّابِ، والمُثقّفِينَ العَرَبْ، الذينَ حَمَلوا المُعانَاةَ مَعَهُمْ، وكَتَبوا عَن تَجْرِبَتِهِمْ، في إطارِ إبْداعَاتٍ فَنّيَّةٍ مُتَنَوِّعَةْ، تَبْدُو مَعَها العَلاقَةُ وَشيجَةً بَيْنَ الفُنُونِ، وصُعُوبَةِ الحَياةْ، لِدَرَجَةٍ، غَدَتْ مَعَها هَذِهِ الصُّعُوبَةُ مُحَرِّكًا أسَاسِيّاً لِلإبدَاعْ، وَمَا أجْدَرَنَا فِي هَذا المُلتَقَى، أنْ نتَحَقَّقَ مِن هَذا الزَّعْمْ، عَنْ طَريقِ رِهانَاتٍ لَوْنِيَّةٍ، تَشْكيلِيّةٍ، قادِرَةٍ عَلى مُجابَهَةِ عَذاباتٍ، يَبْقَى لِلْفَنِّ امْتِيازُهُ في التّعبيرِ عَنْها.
وافتتح المؤتمر جلساته بحوار مع الشاعر مريد البرغوثي حول تجربته الشخصية في المنفى، حيث انتقد البرغوثي الكثير من المفاهيم السائدة و”الكلاشيهات” الجاهزة والراسخة مسبقًا في الأوساط النقدية، خاصة فيما يتعلق في المنفى وأدبه وموضوعاته، وما يسمى بأدب العودة، تلك المفاهيم كمدلول عبارة “المعاناة تولد الإبداع”، وكأن البهجة لا تولد الإبداع، معتبرًا ان تلك المفاهيم تلعب دورًا سلبيا في تلقي النص ونقده.
ويرى البرغوثي أن للمنفى وجهًا إيجابيًا حيث خبرة الجمال التي يكتسبها من يعيشه تكون حاضرة في أدبه، فلا المنفى جحيم ولا الوطن جنة، فلكل منها حالة، فالألم الذي يتولد جراء المنفى وما يتبعه من معاناة ليست هي المحرك الأساسي للكتابة، والكتابة بهذا المعنى لا تغدو على حقيقتها، انعكاسًا للمعاناة بل تتولد في نفس الكاتب بعد أن يمر بحالة من التأمل ويدخل في حالة من المعالجة الفكرية للمعاناة ويعيش جوًا ينسجم فيه مع ذاته ويدفعه للكتابة.
ويذهب البرغوثي إلى أن الألم يتولد من ممارسة المحتل كسر الإرادة، وهو ما يعني استلاب الحرية، واستلاب الحرية هو المنفى، وأينما وقع هذا الاستلاب فهو المنفى بحد ذاته، والنعيم يتحقق في الوطن ليس من المكان نفسه إنما من الحرية التي نعيشها في المكان، حتى لو كان هذا المكان بعيدًا عن الوطن.
وأشار البرغوثي إلى أن الكتابة الحقيقة هي تلك النابعة عن التفكير النقدي وإعمال العقل في النقد والتمييز والقرار، وذلك يعني موقفًا من “المقدس”، مضيفًا أن المقدس كغيره من العناصر التي تقف أحيانا حاجزًا مانعًا للحرية في الكتابة والنقد، وهو بذلك يضيق الأفق، ويوجه الكاتب إلى نوع من الانسجام -إذا انصاع لتلك الحواجز- مع الممارسة التي لا اختلاف فيها، على اعتبار أن الكتابة نوع من الاختلاف.
وأشار البرغوثي إلى أن ناقد الأدب قد ينحو إلى اتخاذ موقف مسبق من النص، وذلك إذا نسب العمل الأدبي إلى اتجاه أو مذهب أدبي أو غير أدبي أو مدرسة فنية أدبية ما، وهذا نوع من “كسل” الناقد إذ إنه قد أصدر حكما مسبقا على ما ينقد، وبالتالي أفقد النص كثيرًا من تفاصيله التي غض نظره عنها، والتي قد تكون حاسمة أحيانا.
وبهذا المعنى يرى البرغوثي أن تعليق “يافطات” على النص إنما هو نوع من سلب النص حريته وعمقه، وتوجيهه ربما في وجهة لا يعنيها النص من قريب أو بعيد، لذلك فإن مساحة الفكر والعاطفة والوجدان في نفس الكاتب لا تسعها القصيدة أو القصة أو الرواية أو أي جنس أدبي له قواعده الفنية والشكلية، فإن توجه ضوء النقد على الكاتب أو المرسل نفسه، فالكاتب يتمثل في نص يجب أن يبرر شكله وإيقاعه وحجمه وأسلوبه.
اترك رد