د. محمـد عبد الـرحمـن عريـف: أستاذ زائر في تاريخ العــرب الاقتصادي الحديث والمعاصر وتاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
تبلغ مساحة النيجر 1.267.000كم2 وبها كثافة سكانية تقدّر بحوالي11 مليون نسمة, وتعتبر من الدول التي وصل إليها الإسلام في وقتِ مبكر جدًا، وذلك في القرن الأول الهجري، السابع الميلادي على يد التابعي الجليل عقبة بن نافع الفهري عام 46هـ الموافق 666م حيث توغل في الصحراء الكبرى بعد فتحه لمنطقة فزّان –في ليبيا– ثم تابع فتوحاته الإسلامية نحو الجنوب حتى وصل إلى منطقة كوار (KAWAR) الواقعة في الطرف الشمال الشرقي للنيجر- وتحمل المنطقة حتى اليوم نفس الاسم وتقع في محافظة بِلْمَا(BILMA) في منطقة أغاديس، ثم رجع إلى غدامس فكان هذا أول وصول الإسلام إلى جزء من أجزاء النيجر.
هناك طرق عدة لدخول الإسلام إلى النيجر، منها ما كان عن طريق التجار العرب الذين يفدون إليها من شمال إفريقيا للتجارة والدعوة، وقد كانت للعرب علاقات تجارية مع سكان المنطقة قبل ظهور الإسلام، واستقرت بعض القبائل العربية في المنطقة وبخاصة منطقة آيير، وكان لهذه التجارة والاستقرار إسهامًا فعّال في نشر الإسلام فيما بعد.
ويرى البعض أن الإسلام إنما دخل المنطقة عن طريق فتح المرابطين للمنطقة في عام460هـ 1076م بعد إسقاطهم لمملكة غانة شبه الوثنية ولكن هذا الرأي يحتاج إلى مناقشة، لوجود أدلة تُثبت أن الإسلام كان موجودًا في المنطقة قبل فتح المرابطين. ويمكن القول أن دخول الإسلام إلى النيجر وانتشاره كان مبكرًا جدًا وبالطبع كان متزامنًا مع تعليم اللغة العربية لغة الإسلام.
يعتبر الإسلام دين الغالبية العظمى لسكان النيجر. فتشير أكثر الإحصائيات إلى أن نسبة المسلمين في جمهورية النيجر تبلغ95%من مجموع السكان، والنسبة المتبقية موزعة بين المسيحيين والوثنيين.
ومن الناحية الرسمية، فإن النيجر عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. لكن دستور الدولة الرسمي الذي أقر في المؤتمر الوطني الذي عقد في عام1991م أن النيجر دولة علمانية (لاييك)، أي لا دينية على الرغم من المعارضة الشديدة لهذه الفقرة من الدستور وعلى الرغم من قيام الجمعيات الإسلامية وبعض الشخصيات بالمطالبة بإلغاء هذه العبارة من الدستور. إلا أن ذلك لم يغير من الواقع شيئًا.
تعد اللغة العربية في النيجر، إحدى اللغات الوطنية المعترف بها دستوريًا، ولذلك نجد جوازات السفر الصادرة عن حكومة النيجر تُكتب باللغتين الفرنسية والعربية. كذلك صدور بعض الصحف باللغة العربية.
وانتشر في جمهورية النيجر بعض الجمعيات الدينية التي تتخذ الإسلام منهج عمل لها إضافة إلى الجمعية الإسلامية النيجرية التي كانت موجودة من قبل، وهي جمعية حكومية شبه رسمية ترعى المصالح والشؤون الدينية وتشرف على المساجد وعلى موسم الحج والقضايا التي تهم المسلمين.
توج وجود الإسلام في النيجر بموافقة “المؤتمر الإسلامي” في لاهور بباكستان عام1971م على إنشاء جامعة إسلامية في غرب القارة الإفريقية يكون مقرها دولة النيجر لموقعها المتوسط بين دول المنطقة، وللنسبة الكبيرة للمسلمين فيها. وبدأت الدراسات لتنفيذ هذا المشروع بعد المؤتمر مباشرة، وتم افتتاح الجامعة فعلاً عام1986م وابتدأت بكلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية.
وعلى الرغم من انتشار مظاهر التمسك بالإسلام، ومن بينها رحلات الحج، في الغرب الافريقي، فنجد أن الظروف رسخت أن يظل الغرب الافريقي بعيدًا عن التأثير وذلك للعديد من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في هذه البلاد. وان كان عموم الغرب الافريقي تردد على رحلات الحج وما يعود منها من منافع، وإن لم تكن رحلات الحج هي الوحيدة التي حفظت الإسلام في البلاد، إلا أنها كانت من بين مدراس عدة قاومت التنصير في عموم افريقيا. لقد كان رسوخ الإسلام في الغرب الافريقي، وتقبل الأفارقة له من العوامل الأساسية التي جعلت الإرساليات التبشيرية تحجم عن التبشير في الشمال.
حديثًا وجد الاستعمار أن اللغة العربية هي لغة التعامل والثقافة مما جعل السلطات الاستعمارية تضطر إلى استعمالها في بداية سيطرتها على البلاد، وذلك في المراسلات وعقد الاتفاقيات بين السلطات المحلية وسلطات الاستعمار. وكانت بعض المدن تمثل مراكز تعليم الدين الإسلامي واللغة العربية في البلاد.
لكن سرعان ما اعتبر العربية من أسباب المعرقلة لهم, وانطلاقًا من هذه الفكرة كثفت السلطات الاستعمارية جهودها في مكافحة تعليم اللغة العربية في النيجر وغيرها من المستعمرات الفرنسية ذات الأغلبية الإسلامية في غرب إفريقية واستخدمت لذلك وسائل عدة منها فرض قيود صارمة لاستيراد الكتب العربية من البلدان الإسلامية، وحتى الحجاج منعوا من حمل الكتب الدينية والعربية معهم عند رجوعهم من الحج، وأصبح وضع الحجاج صعب، والحمل ثقيل في حمل هذه الرسالة، وتم منع افتتاح المدارس العربية إلا بعد حصول على إذن من السلطات، مع التشديد في شروط الحصول عليه. إحصاء كتب العلماء بغرض حصرها وفرض الرقابة عليها.
هناك قصصًا لرحلات الحج والطرق المؤدية إلى الحج من الاتجاهات الافريقية، وكذلك وسائل النقل المستعملة، وأرشيف رحلات الحج وثّق لعادات الناس والثقافات التي تعرفوا عليها وطرق الاستعداد للحج والآثار الاجتماعية السياسية والثقافية والاقتصادية لهذه الشعيرة على الحجاج وعلى أوطانهم الأفريقية. وتبين من خلال الأبحاث أن الحجاج كانوا تحت المراقبة والمتابعة الأمنية والتوجيهات السياسية، ومما جاء في هذا الأرشيف أن أغلب الإمبراطوريات والمستعمرات الأوروبية كانت تنتهج سياسة وضع الحجاج في غرف عازلة لفترة.
كما أن الصراع الاقتصادي والفكري بين العالم العربي والأوروبي كان واضحًا في أرشيف الوثائق التي تم العثور عليها، حيث كان هناك تخوف من عمليات التوسع للخلافة العثمانية والأفكار التي كان يحملها القادمون من الحج معهم.
وممن يذهبون للحج، تحدث المشاركون القادمون من عدة دول أن الوثائق المتوفرة توضح أن جزءًا منهم كانوا من الأوروبيين الذين دخلوا الإسلام بحكم تواصلهم مع العالم الإسلامي، وجزء آخر من شرق وغرب أفريقية، حيث يوجد فيها عدد من المسلمين، كما أن جزءًا من الحجاج كانوا يتنقلون مع السفن التجارية المتجهة من وإلى العالم العربي.
ينبغي على القائمين بتعليم اللّغة العربية في المدارس العربية بغرب أفريقيا الاستفادة من المنهج التكاملي للحاق بركب التّقدّم والتّطور في ميدان تعليم اللّغات وتعلّمها، وتكيّفًا لطبيعة اللّغة العربية نفسها. أبرز ما تتّسم به اللّغة، كونها وحدة متكاملة.
ضرورة عودة البعثات العلمية للدراسات الجامعية في اللغة العربية والإسلامية من البلاد العربية علما بأن هذه البعثات نوعان: الرسمية وغير الرسمية، الأولى هي التي تنظمها الحكومة فترسلها للدراسة وهي في يومنا هذا لا تكاد توجد، لأن اللغة الفرنسية في النيجر على الرغم من أنها هي اللغة الأولى فإنها تشعر بالمنافسة الشديدة من قبل العربية.
العودة لتشجيع الطلاب الافارقة أثناء دراستهم في البلاد العربية، بأن يشاركون في المطارحات والمسابقات الأدبية الشعرية وغيرها ويفوزون بجوائز أدبية في جامعات امثال (كلية الدعوة الإسلامية والمدينة المنورة والجامعة الإسلامية بالنيجر، وجامعة الأزهر الشريف بمصر).
اعادة دور رحلات الحج في وصول كثير من كتب الأدب العربي الجيدة من العصر الحديث، شعره ونثره إلى النيجر ومكتباتها التجارية، مع انتشار التعليم النظامي العربي الإسلامي العالمي مثل الجامعة الإسلامية بالنيجر وكلية البنات للدراسات الإسلامية والعربية ومعاهد عليا، علمًا بأن في جميع أقسام اللغة العربية تدرس مادة الأدب العربي الإفريقي فظهرت عند الأدباء في النيجر والطلاب موجات قوية الاهتمام بهذا الأدب الإسلامي الإفريقي والتخصص فيه في رسائل ماجستير ودكتوراه.
وجود وسائل حديثة للنشر منها: الصحف العربية كالواحة والتواصل والسلام، يديرها ويكتب فيها المثقفون النيجريون بالثقافة العربية الإسلامية، مع اهتمام هذه الصحف والجرائد بتكوين وعي إسلامي صحيح.
في النهاية اقول أن القرآن الكريم يمثل المنبع الأول والمهم للنيجري العربي، ويمثل غذاؤه، ومصدره، وقوته. وكذلك الحديث الشريف. وبناء عليه فمواسم ورحلات الحج والعمرة إلى الأراضي الحجازية ما زالت تمثل فرصة لتنمية رصيد اللغة عند هذه الشعوب، فلما البعد عنها؟ وعدم استغلالها الاستغلال الأمثل؟
+ دراسة شاركت بها في مؤتمر (طرق الحج الأفريقي) الذي نظمه مركز البحوث والدراسات الافريقية علي مدي يومي 28-29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 واختتم أعماله بقاعة افريقيا.
اترك رد