الشيخ أحمد بيبني الشنقيطي: انواكشوط موريتانيا
« وأبو بكر كان أكثر اختصاصا .. . بمقاصد النبي وخبرة بمصالح المسلمين » ابن تيمية[1]
يعتبر ابن تيمية من العلماء الذين كشفوا عن مقاصد الشريعة، وأبلوا بلاء حسنا في الدفاع عنها ومعرفتها وتفصيلها. ويقول الريسوني: «لا يكاد يخلو كلام له عن الشريعة وأحكامها من بيان حكمها ومقاصدها وإبراز مصالحها ومفاسد مخالفتها» [[2]]. و يقول أحمد البدوي: «إن مقاصد الشريعة تسري في ابن تيمية سريان الدم في العروق. فهي لا تفارقه وهو لا يفارقها، ويرى أن الشريعة الإسلامية ما جاءت إلا بهذه المقاصد والمصالح، وهو يرى أنها القاعدة لبناء التشريع بأصوله وفروعه» ويذهب أحمد البدوي إلى حد القول بأن ابن تيمية هو شيخ المقاصد، وأول من أعجم عودها وليس الشاطبي كما جرت عليه العادة. فقال: «وما قصصته من كلام ابن تيمية في اهتمامه بفهم المقاصد وهضمها وتوظيفها، يبين أنه قائد وحامل راية هذا العلم من الناحية العملية التطبيقية، ومن المؤسسين له من الناحية النظرية» [[3]] ولكن كيف يكون رائدا في التطبيق ومساهما في التنظير؟ وكيف يقوم البعض بمقارنة بين المقاصد عند ابن تيمية وبين غيره من الأصوليين؟
من أجل كشف الغطاء عن هذه الآراء لا بد أن نفرق بين منهجين للمقاصد، أحدهما منهج ابن تيمية والآخر منهج غيره من الأصوليين. فقد سبق أن ظهر في علم أصول الفقه منهجان، أحدهما منهج الحنفية الذين يستخرجون القواعد من فروع مذهبهم، ومن كلام أئمتهم أبي حنيفة وأبي يوسف وأبي الحسن بالملاطفة والرفق كما يقولون، وهو ما عبر عنه الدهلوي متحدثا عن هذه الطريقة فقال: «وعندي أن المسألة القائلة أن الخاص مبين، ولا يلحقه بيان وأن العام قطعي كالخاص، وألا ترجيح بكثرة الرواة، وأنه لا يجب العمل بحديث غير الفقيه إذا انسد باب الرأي، ولا عبرة بمفهوم الشرط والوصف أصلا، وأن موجب الأمر هو الوجوب فيه البتة، وأمثال ذلك، هو أصول مخرجة على كلام الأئمة ، وأنها لا تصح بها رواية عن أبي حنيفة وصاحبيه».[4]
والمنهج الثاني هومنهج المتكلمين أو منهج الشافعية الذي يتناول القواعد مجردة دون الاعتناء بالفروع إلا نادرا. وهي طريقة تبعد الأصول من الفقه ومن الواقع . ولعلنا نقول بأن ذينك المنهجين استمرا في المقاصد، ومثل منهج ابن تيمية منهج الحنفية في الاعتناء بالتفاصيل والجزئيات، بينما مثلت طريقة الشاطبي وغيره طريقة المتكلمين التي تجرد النظر في المقاصد الشرعية. ولهذا كان اعتراض ابن تيمية على تخصيص المقاصد بالضروريات والحاجيات والتحسينيات. وفي هذا السياق تندرج ملاحظة البدوي بأنه أسس هذا العلم تطبيقيا. ولا بأس أن نقول تبعا لذلك بوجود منهجين للمقاصد وهما منهج ابن تيمية الذي يهتم بمقاصد النصوص واستثمارها، ومنهج الأصوليين الآخرين الذي يتناولون المقاصد بصورة تجريدية وبنظرة كليانية. وذلك عندما يتطرقون أكثر إلى المقاصد الضرورية دون اهتمام بالغ وبليغ بتطبيقاتها الجزئية. رغم أن الشاطبي قال بأن موقفه من المقاصد في العموم والخصوص مما ينبني عليه فقه كثير وعلم جميل[5] . لكن بقي كلامه عن المقاصد وفيها أكثر نظريا منه تنزيليا.
اترك رد