د. محمد بنلحسن: أستاذ التعليم العالي مشارك – المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية المصادف للثامن عشر دجنبر من كل سنة؛ والذي تقرر فيه الاحتفال باللغة العربية؛ لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 31900، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة؛ بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو؛ نظم مركز تكوين المفتشين بالرباط؛ يوم الخميس 15 دجنبر 2016 ندوة علمية في موضوع: ” اللغة العربية وتحديات الثورة الرقمية “.
وقد جرى افتتاح الندوة بإلقاء كلمات من لدن:
مدير مركز تكوين مفتشي التعليم؛ وممثل مدير المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم؛ الايسيسكو، الرباط؛ ومدير مكتب تنسيق التعريب؛ ومدير مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، وممثل رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، ورئيس جمعية حماية اللغة العربية .
وقد اختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة رئيسة اللجنة المنظمة الدكتورة فاطمة حسيني؛ أستاذة باحثة في مركز تكوين مفتشي التعليم؛ وقد بينت؛ السياق الذي تنعقد فيه الندوة؛ واختيار موضوعها الذي أتى استجابة للاهتمام الراهن بالانخراط في فضاء الرقمنة.
وبينت أنه على الرغم مما تتعرض له اللغة العربية من أشكال الافتراس اللغوي، و من أنواع الافتراس الرقمي إن صح التعبير، و أنواع الافتراس اللهجي الشرس الذي يتأطر بمقاصد سياسوية استعمارية وبمخططات إمبريالية، فإن اللغة العربية تتبوأ في الوقت الراهن الرتبة الخامسة بين اللغات الأكثر تداولًا من حيث عدد متكلميها، وهي سادس لغة في الأمم المتحدة، وتأتي في المرتبة الرابعة استعمالا في الشابكة، و في طريقها لإثبات موقعها في خريطة اللغات التي تتبوأ صدارة اللغات العالمية، لأن اللغة العربية لم تتقهقر فيما مضى أمام أي لغة أخرى من اللغات التي احتكت بها، وينتظر – بحسب علم اللغة الكوني- أن تحافظ على كيانها في المستقبل كما حافظت عليه في الماضي.
وذكرت أن من مقومات انتشارها واتساع رقعة استعمالها؛ الإقبال المنقطع النظير في السنوات الأخيرة على تعلمها من لدن الناطقين بغيرها من اللغات في مختلف بقاع المعمور.
ونبهت الباحثة؛ على أننا أمام منعطفات تاريخية وحضارية؛ لذلك؛ فإن إدماج الرقمنة لخدمة اللغة العربية عامة وفي المجال التربوي والتعليمي خاصة، وتوسيع دائرة توظيفها في تعليم اللغة العربية بشكل أخص، وفي جميع المراحل التعليمية؛ أصبح واقعا مفروضا وليس خيارا، وذاك ما يفرض علينا بلورة استراتيجيات لتطوير العمل وفق أسس ومعايير تضمن استمرارية الانخراط في العالم الرقمي بكل رهاناته.
ثم بعد ذلك؛ انطلقت أشغال الندوة العلمية بمداخلات الأساتذة الباحثين؛ الدكتور محمد لهلال من جامعة الحسن الثاني؛ كلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية؛ الذي تناول موضوع” اللغة العربية بين الرقمنة والمعرفية”؛ حيث أشار إلى أنه
في عصر الثورة المعلوماتية، وسيطرة الحواسيب الآلية ونظمها، والإنترنت ومواقعها وبرامجها، لم تقف اللغة العربية عاجزة عن مجاراة هذا التطور الهائل الذي لم تشهد له البشرية مثيلاً في تاريخها.
وقد لاحظ الباحث اللساني، أن المشتغلين بالشأن اللساني في العالم العربي؛ لم يستطيعوا استيعاب التقدم التقني والمعرفي الذي وسم أنماط التفكير الغربي الذي تعرفه مختلف المجالات العلمية الدولية.
وقد بيّن المتدخل، أن أي تطوير لآليات معالجة اللغة العربية ومقاربة قضاياها وظواهرها، يفرض إعادة النظر في الاستراتيجيات التي وجّهت لعقود من الزمن البحث اللغوي العربي في كل الأقطار العربية بخاصة منظماتها اللغوية والتربوية.
من ذلك الاتجاه نحو الدراسات والمقاربات المعرفية والعلوم العصبية وعلم الاناسة واللسانيات المعرفية والدلاليات التصورية والدلاليات المعرفية وعلم النفس المعرفي .
بالإضافة إلى باقي أشكال البحث التكنولوجية بخاصة التكنولوجيا الجينية وتكنولوجيا النانو وتكنولوجيا المعلومات والإعلام.
أما المتدخل الثاني الدكتور حسن بدوح؛ من جامعة الحسن الأول سطات، الكلية المتعددة الاختصاصات خريبكة؛ والذي عنون مشاركته بــ: ” تحديات اللغة العربية في عصر الثورة الرقمية”؛
فقد أكد في البدء، أن مواكبة اللغة العربية كل التطورات التي يشهدها العالم في مختلف المجالات الحياتية والتكنولوجية والعلمية، يقتضي تطوير اللغة العربية وتطويعها، لكي تنخرط بشكل فعال في عصر الرقمية،
وقد بيّن أن اللغة العربية شأنها شأن باقي لغات العالم، قادرة على مواكبة التطورات العلمية والتقنية ونتائجها المعرفية، لأن اللغة رهينة بقدرة مستعمليها واستعداداتهم، كما أن الشعوب رهينة بلغتها قوة وضعفا.
و خلص إلى أن تطور الأمم وازدهارها الحضاري والثقافي؛ مرتبط أشد الارتباط؛ بنمو لغتها وازدهارها واستيعابها لكل مستجدات العصر ومقوماته العلمية والفكرية والإبداعية.
ولم يفوِّت المتدخل الفرصة، دون بيان الأسباب التي تَحُول دون انخراط اللغة العربية في الرقمية وذكر منها:
1- أزمة التعليم في البلاد العربية.
2- ضعف الترجمة والترجمة الآلية.
3- عدم تعريب العلوم.
4- قلة الإنتاج باللغة العربية.
5- مشكل محركات البحث.
6- مشكل التكامل بين العلوم والتخصصات(يمكن الاستفادة من العلوم المعرفية التي تقوم على التجسير بين العلوم)
7- العدة المعرفية للغة العربية.
8- الانخراط في عصر الرقمية رهين بتغيير الواقع الثقافي للمجتمعات العربية.
وتمحورت مساهمة الدكتور محمد بنلحسن من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاس مكناس؛ على “المحتوى الرقمي العربي على الشابكة :استقراء الكم والكيف”.
قام الباحث في مستهل مداخلته بتعريف ماهية المحتوى الرقمي العربي؛ ثم انتقل لتشخيص ورصد الحضور العربي على الشابكة استنادا على التقارير العربية للتنمية الثقافية، أي؛ حجم وجود الدول العربية على الشابكة من خلال حجم التراكم المعلوماتي حول الدول العربية المختلفة على الشابكة مقيسا بعدد الصفحات المتاحة حول كل دولة على محركات البحث الشهيرة، وعدد المواقع المسجلة لكل دولة عربية على الشبكة .
وقد توقف عند عدد المدونات العربية على الشابكة مقارنة بالدول المتقدمة؛ ثم انتقل لرصد لتصنيف اللغات العشر الأولى في العالم بحسب مستخدميها على الشابكة.
بعد ذلك أجرى مقارنة بين حضور العرب على الشابكة مع بداية استعمالهم للأنترنيت، والمساحة التي شغلوها خلال (2015)، في الفضاء الرقمي عبر الشابكة؛ مسجلا ضآلة المحتوى الرقمي العربي على الانترنيت؛ والذي لا يتجاوز 3 %.
واختتم تدخله بتقديم اقتراحات وتوصيات لتطوير المحتوى الرقمي العربي؛ مستشهدا بمبادرة الإسكوا لتحفيز صناعة المحتوى الرقمي العربي .
أما المشارك الرابع؛ الدكتور عبد الفتاح شهيد من جامعة الحسن الأول بسطات، الكلية المتعددة الاختصاصات خريبكة؛ فقد عنون موضوعه بـ ” القصيدة العربية والأفق الرقمي ”
ووقف فيه عند مجموعة من الأوهام التي ترسبت خلال سنوات من البحث في الأدب الرقمي في صيغته العربية: وهي وهم الجماهيرية، ووهم السبق والريادة، ووهم الفوضى المفهومية، ووهم النقد الجديد…
ونبه الباحث على أنه في المقابل، فإن الرهان الأساسي الذي يجب أن يراهن عليه البحث؛ هو التحفيز على الإبداع الشعري الرقمي، ورسم الآفاق الجمالية التي يفتحها…
وذكر أنه أمام ثراء العرض الجمالي الذي يمكن أن تقدمه القصيدة الرقمية؛ فيجب أن تظل وفية للأسئلة الوجودية للإنسان؛ لتحقيق التفاعل والاحتماء بظلال المعنى ودفء الحقيقة من خطر الافتقاد، وصقيع الابتعاد؛ الذي يتربص بالإنسان في عصر التقنية؛ وهو يستحم في منزل من زجاج -بعبارة الغذامي-.
أما آخر المداخلات، فكانت للدكتور عزيز عشعاش؛ من مركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط؛ وقد أضاء موضوع “اللغة العربية والفجوة الرقمية”؛ وهي كلمة حاول من خلالها المتدخل، بعث التفاؤل وتبديد التشاؤم، التفاؤل الذي لا يجعلنا ننساق مع نزعة التبجيل للغتنا، من خلال تسليط الضوء على وضع اللغة العربية ومكانتها وفضلها عند سلفنا الصالح، وبعض الباحثين المستشرقين الغربيين النزهاء، والدعوة إلى الاهتمام بها فرادى وجماعة بنبذ الجمود عن ذواتنا والحفاظ على سلامتها.
ورصد المتدخل بعض التحديات الكبرى الموجودة أمام اللغة العربية في ظل الثورة الرقمية، كالشبكة العنكبوية والفجوة الرقمية؛ التي تعانيها اللغة العربية؛ رغم الموارد الضخمة التي تمتلكها الدول العربية؛ لأننا بحسب الباحث، إذا لم نحذر منها ونواكب التطور التقني والتكنولوجي؛ فإن التاريخ سيكتب عنا أننا نحن من ضيع على أمتنا وأجيالنا الحالية فرصة المحافظة على لغتنا وثوابتنا وهويتنا.
اترك رد