الاستاذ الدكتور الاخضر عزي: جامعة محمد بوضياف-المسيلة-الجزائر
نظم مخبر التنمية المحلية المستدامة ومخبر الاقتصاد الكلي والمالية الدولية الملتقى العلمي الوطني الخامس حول دور البنوك الاسلامية في تعبئة الادخارات النقدية في ظل الازمة المالية الحالية بالتركيز على الجزائر واقع، وأفاق بجامعة يحيى فارس- المدية- يوم الخميس الفاتح من ديسمبر 2016م.
“هناك وعي جلي المعالم يعبر عنه من خلال التوجه الواعي والعقلاني نحو تنويع مصادر الدخل،اعتبارا من كونه بديلا استراتيجيا حيويا ومستداما عن العوائد المالية المتأتية من صادرات قطاع المحروقات في البلدان البترولية ومنها الجزائر ،حيث ان القطاع المصرفي والقطاع الخاص لا بد ان تكون لهما المساهمة الاكبر في انشاء المشاريع التي تجعل اعتماد الدولة على موارد المحروقات ثانويا يأتي بعد موارد هذه المشاريع. لكن بقي قطاع المحروقات هو المهيمن والمساهم الاكبر في تركيبة الناتج المحلي الاجماليP.I.B ،وبانخفاض اسعار المحروقات منذ منتصف2014م ،انخفضت الموارد من العملة الصعبة بشكل سريع ومخيف وبدئ التفكير في الاستدانة الخارجية ؛مما حتم على الحكومة الاستنجاد بالمدخرات الذاتية المحلية غير الموظفة والمقدرة بحوالي40 بالمائة، من خلال استخدام اداة القرض السندي ورغم مرور اكثر من سنة على الاطلاق لم تؤت الثمار، ويعود السبب-ربما- الى تحاشي الافراد التعامل بذلك وبالفائدة البنكية، بسبب حساسية التعامل بالفائدة اخذا وعطاء، نظرا -على الاقل -غياب نوافذ ادخارية اسلامية في البنوك الجزائرية وهنا طرحت عدة اسئلة ذات الصلة، ابرزها السؤال التالي :هل يمكن الاعتماد على فتح بنوك اسلامية ام نوافذ اسلامية بالبنوك التقليدية لاستقطاب الحجم الاكبر من الادخارات النائمة-الخاملة- لدى الافراد والمؤسسات؟
هذه العبارات الجميلة هي الديباجة المختصرة لموضوع الملتقى العلمي والذي جمع باحثين من كل ربوع الجزائر، حيث قدمت 52 ورقة بحثية جمعت بين: الصيرفة والاستثمار والأسواق المالية الاسلامية ومعايير الاحتراز البنكي ومتطلبات تعبئة الموارد الادخارية المكتنزة والعناقيد الاستثمارية ومعوقات قانون القرض والنقد والبورصة الجزائرية وغير ذلك،وهذا ما لاحظناه بناء على المحاور البحثية المقترحة والمتمثلة في:
مدى مساهمة البنوك الاسلامية في الصناعة المصرفية،سبل تطوير اسواق راس المال الاسلامية،الجدوى من فتح نوافذ اسلامية في البنوك التقليدية،ادارة جودة التمويل الاسلامي،المسؤولية الاجتماعية وحوكمة التمويل الاسلامي،عرض تجارب بعض الدول في فتح نوافذ اسلامية.
والشيء المميز في هذا الملتقى هو ان الاوراق المقدمة صيغت باللغة العربية، مما اضفى جمالية على لغتنا وتفكيرنا العلمي.ولعل محاضرة الاستاذ المقتدر الدكتور عبد المجيد قدي من جامعة الجزائر(03) والتي حملت عنوان:”الاقتصاد الجزائري والحاجة الى الصيرفة الاسلامية” اعطت نفسا حضاريا للحضور خاصة لما استشهد بما جاء في بحث رصين للباحث الجزائري عبد الرزاق بلعباس باحث بمعهد الاقتصاد الاسلامي-جامعة الملك عبد العزيز بجدة- السعودية والذي عنونه:”صفحات من تاريخ المصرفية الاسلامية-مبادرة مبكرة لانشاء مصرف اسلامي في الجزائر في اواخر عشرينيات القرن الماضي.”وهذه المقالة التي بنى عليها الباحث بلعباس تعود للعام 1928م حين نادى العلامة الشيخ ابراهيم عيسى حمدي ابو اليقظان (ولد في 05/11/1888م وتوفي في30/03/1973م بغرداية) الى حاجة الجزائر الى مصرف اهلي وقد نشر المقال في جريدة وادي ميزاب الصادرة بتاريخ 29/06/1928م، وهذا تصحيح لاخطاء واردة في تواريخ الوقائع الاقتصادية الجزائرية وكذا وقائع تاريخ الصيرفة الاسلامية التي لا تذكر على الاطلاق هذه المبادرة العلمية الخيرة وتكتفي بمدونات اربعينيات او سبعينيات القرن العشرين من ان سنة 1971م هي السنة التي شهدت تأسيس أول بنك إسلامي « بنك ناصر الاجتماعي» في مصر وقد نص قانون الإنشاء على هوية البنك الاجتماعية، وعلى ان معاملاته لا تخضع للقوانين المصرفية الجاري العمل بها. ثم تلاه بعد ذلك تاسيس البنك الإسلامي للتنمية في جدة.
وبالرجوع الى مقالة الباحث بلعباس سابقة الذكر والمنشورة على صفحات مجلة دراسات اقتصادية اسلامية-المجلد 19- العدد02- نجده يذكر بناء على مقال ابي اليقظان ان هذا الاخير دعا الى انشاء مصرف اسلامي يعمل في الجزائر وفق قواعد الفقه الاسلامي وقد كان لمقالة ابي اليقظان صداها في كل ربوع الجزائر لدرجة انه كانت هناك محاولة لانشاء هذا المصرف سنة1929م والذي اختير له اسم”البنك الاسلامي الجزائري” وقد تم اعداد قانونه الاساسي وجمع الراسمال الاسمي من طرف بعض كبار رجال اعمال مدينة الجزائر من المسلمين لكن قوبل المشروع بمقاومة كبيرة حالت دون بروزه لانه حسب الاستدمار الفرنسي كان سيقضي على نشاط البنوك الربوية والمرابين ذائعي الصيت ولعل ابلغ ما ورد في صدام الشيخ ابي اليقظان مع القاضي الفرنسي للتحقيق الحوار التالي:
القاضي الفرنسي مخاطبا الشيخ ابي اليقظان:”لقد كتبت فصلا في وجوب تأسيس الاهالي لبنك اهلي وذكرت في اثناء ذلك انه يجب استغلال الاهالي لبنكهم محاولا بهذا التفرقة بين الاهالي والفرنسيين” بقراءة سطحية بين سطور سؤال القاطرة او السؤال الفخ -كما يسميه اهل الصحافة- نستشف اختيار كلمات مرتبطة بالدسائس والمكر والتعالي وبشكل استفزازي للتعرف على حقائق ومرام ونوايا.
اما رد الشيخ ابي اليقظان فكان مقتضبا وواضحا:”كلا. لم احاول ذلك وانما بينت انه يجب تأسيس ذلك البنك الاهلي على القواعد الاسلامية خلاف ما عليه البنوك الحديثة ويسرنا من جهة اخرى ان يدخل الشباب المسلمون البنوك الاجنبية حتى يتعلموا النظم المالية لإدارة المصارف بفنون حديثة”…….اجابة متحضرة ومتمدنة بينت مدى حاجة شباب الاسلام للاحتكاك الفكري والتعمق في مجالات علوم التسيير والتدبير بدون عقدة عرقية. فحري بشبابنا الباحثين الاهتمام بالتاريخ والاستلهام منه فكريا للتعرف اكثر على ان للصيرفة الاسلامية مرجعية جزائرية ، وليس فقط منذ حقبة1928م وما تلاها 1929 وهو تاريخ الازمة الكبرى-ازمة 1929م، أي ازمة الكساد الرهيب.مع شكرنا الجزيل للبروفيسور عبد المجيد قدي عن هذه الاحالة والشكر موصول للباحث الجزائري بلعباس على هذا البحث التنقيبي في تاريخ الجزائر الزاخر بالأمجاد والإقدام.
توالت المحاضرات والمناقشات بمشاركة كل من رئيس المؤتمر الاستاذ الدكتور سليمان بوفاسة بمحاضرة تحت عنوان: اليات فتح نوافذ اسلامية بالبنوك التقليدية في الجزائر والدكتور رمضاني لعلا من جامعة الاغواط: اثر تطبيق اتفاقية بازل03 على اداء البنوك الإسلامية، اما الاستاذ كمال رزيق فقد تناول موضوع :دور شركات التامين التكافلي في نجاح الصيرفة الاسلامية، وهو مشكور جزيل الشكر على فتح دكتوراه متخصصة بجامعة البليدة تحت مسمى: الصيرفة الاسلامية، واعتقد انها لبنة خير في التعليم الجامعي الشرعي بعد تغييب متعمد دون مبررات مقنعة،
اما ا.د محمد فرحي فقد عالج موضوع: التمويل الاسلامي كمنهج ومن جانب اخر، عالج البروفيسور محمد بن سعيد من جامعة بلعباس دراسة :تجارب دولية في فتح نوافذ وفروع اسلامية، كما تطرق الباحثان ا.د/ عزي الاخضر وهواري خيثر الى :دور ومكانة البنوك الاسلامية بابعادها التمويلية في الحد من الازمات-تحليل عام ومقاربات شرعية. كما اضاف ا.د عبد القادر خليل موضوع:الصيرفة الاسلامية ودورها في تفعيل نشاط القطاع المصرفي الجزائري التحديات والافاق.
بعد يوم حافل بالنقاش الفكري الهادف، تشكلت لجنة صياغة التوصيات والتي جاءت مختزلة في النقاط التالية:
1- إيجاد إطار تنظيمي قانوني ضمن قانون النقد والقرض، يسمح بالتحرير التدريجي للخدمات المصرفية لتستجيب لمتطلبات العمل المصرفي الإسلامي ، الأمر الذي يشجع إنشاء صناديق استثمارية تصبح من أهم صيغ تعبئة الإدخارات وتوظيفها -خاصة -في حالة الصدمات المالية.
2- السعي إلى تكوين هيئة وطنية عليا للفتوى والرقابة الشرعية للمصارف مشكلة من خبراء ومتخصصين في الفقه الإسلامي والدراسات الاقتصادية والمالية المعمقة.
3- تشجيع فتح تخصصات علمية اكاديمية في الصيرفة الإسلامية ضمن برامج تكوين التعليم العالي على مستوى جميع أطواره.
4- دعوة المصارف الإسلامية المعتمدة في الجزائر إلى تخصيص قسط هام من مواردها للترويج بدورها ومهامها كبيوت تمويل لا تتعامل مع الربا، وتهدف إلى تحقيق الأرباح المشروعة.
5- دعوة القائمين على تسيير المصارف التقليدية إلى فتح نوافذ وشبابيك تتعامل وفق منهجية الصيرفة الإسلامية.
6- ضرورة الاهتمام بالبرامج التكوينية والتدريبية المحينة القادرة على فهم متطلبات العمل المصرفي الإسلامي وتطويره وفقا لمنهجية البحث العلمي والاجتهاد الفقهي.
7- ضرورة تطبيق الحوكمة على جميع أطراف وآليات العمل المصرفي الإسلامي واعتماد مناهج تساهم في إرساء المسؤولية الاجتماعية من خلال تخصيص نسبة دين من النتيجة الصافية للمصارف الإسلامية .
8- ضرورة القيام بمقارنة أفضل أداء لتجارب الصيرفة الاسلامية في العالم من خلال تثمينها والإستفادة من تلك التجارب.
اترك رد