نزيهة الخليفي: باحثة أكاديميّة اختصاص أدب عربي حديث (تونس)
تقديم
الاغتراب هو أن يعيش الإنسان في عالم لا إنساني، عالم يأبى الاعتراف بالآخر، ويرفض مجرّد انتمائه إليه. ويعدّ الاغتراب من أبرز الظّواهر حضورا في الأدب العربي وخاصّة في النصّ الرّوائي الحديث نتيجة الواقع المأزوم سياسيّا واجتماعيّا وثقافيّا وأخلاقيّا. ممّا خلخل ثقة المبدع العربي في من حوله، فعكست تجربته الأدبيّة ألوانا من القلق والحيرة والشكّ في الواقع. وتعدّ رواية تعويذة العيفة أنموذجا للرّفض والاغتراب، إذ يحضر الاغتراب الذّاتي ليتحوّل إلى اغتراب نفسي واجتماعي سياسي وثقافي. باعتبار أنّ القضيّة الجوهريّة في الرّواية هي اغتراب الشخصيّة المركزيّة فيها من جهة الصّدام بين ما هو ذاتي وما هو واقعي.
فالرّواية ترسم الاغتراب الذّاتي والموضوعي، بحثا عن الهويّة المفقودة نتيجة قهر الآخر وممارساته المتسلّطة، والقمع الاجتماعي والسّياسي وهو ما عمّق الهوّة بين الأنا والآخر وزاد في اغترابه. ولا ننسى أنّ التّاريخ البشري، مثلما ذهب إلى ذلك هيجل، تاريخ صراع من أجل اعتراف الآخر بحريّة الذّات واستقلالها، هذه الذّات التي تظلّ دوما حاملة للآخر في صميم وجودها.
I-دلالات الاغتراب
1-في معنى الاغتراب
لقد حضرت ظاهرة الاغتراب في جميع المجالات: الفلسفيّة والنفسيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والأدبيّة، باعتبار أنّ الإنسان يعاني عدّة أزمات ولّدت لديه شعورا بالاغتراب الذّاتي -النّفسي والاجتماعي والسّياسي والزّماني والمكاني وعمّقته، ممّا زاد من تشعّب المصطلح وتعدّد استخداماته وعمّق غموضه وساعد على تشتّته. وبناء على ذلك، سنقتصر على الإشارة إلى حضوره في الفكر الفلسفي وفي الأدب حتّى تتسنّى لنا دراسته في الرّواية مصدر اشتغالنا. فما دلالات الاغتراب في اللّغة والاصطلاح؟ وما دلالاته في الفكر والأدب؟
اترك رد