عبد الكريم ب. : دكتوراه علوم في الفلسفة الإسلامية، أستاذ محاضر بقسم علم الاجتماع (الجزائر)
نسبة ارتباط التحكيم بالمعايير العلمية يتفاوت حسب القائمين على هيئة التحرير أو التظيم، و هو يرجع أولا لمستواهم العلمي ثم مستواهم البحثي ثم أخلاقياتهم المهنية، لأن بعض المجلات هي عبارة عن جمعية لسوق تبادل صفقات النشر.. على منهجية و سياسة الحمير: “تحكنا أحكك.. تصكني أصكك”.. فلا ينشر إلا بمقابل.. و هو النشر.. أو التوسط لنشر أو دعوى لحفلة أكل تسمى “مؤتمر علمي”..مع وضع معايير هلامية مطاطية.. تتغير بحسب صاحب المقال و البحث.. والتلاعب هنا جد سهل..فإن أريد إقصاء أي مقال.. فيكفي تتبع بعض الأمور الخلافية التحريرة.. لمنع توزيعه للتحكيم أصلا..أو عدم التنبيه لبعض شروط النشر كحجم أو نوع الخط..أو عدد الصفحات أو عدد كلمات الملخص أو المقدمة أو الخاتمة.. و إن وزع يرسل لمن يرده من أصحاب العقليات المزاجية ( و إن كان لبعضهم شيء من العلم) إلا أن هؤلاء يمتازون بتحنيط إيديولوجي حتى في الفاصلة و النقطة، و عقولهم ليس لها أدنى قابلية لشيء من الخلاف أو الإختلاف..و لو بسيط..خاصة في العلوم الإنسانية..و منهجية البحث عندهم هي منهجية التحرير الفواصل والنقاط والشولتين..و أي تغيير على ما اعتادوا عليه هو كفر بالمناهجية العلمية الأكاديمية الأصيلة.. .
و لكم مثال..أحد طلبة الماجستير ممن يحترفون الإنجليزية بطلاقة..و مشرفه حاصل على دكتوراه دولة في علم الإجتماع بإسبانيا..حين قدم رسالته للمجلس العلمي بإحدى الكليات..تم رفضها.. و كاد الطالب يسحب منه التسجيل.. بدعوى أن الطالب كتب رسالة بالكامل بدون توثيق..
و القضية.. أن الطالب اعتمد طريقة ( APA )، بالتوثيق بالمتن.. و هي معتمدة في أمريكا.. و لم ينتبه كل أعضاء المجلس لهذا..و حين التوضيح.. لم يتنازلوا و أصروا على أن يعيد الطالب تحرير رسالة الماجستير بالكامل على النمط الكلاسيكي المعتاد..رغم أن المجلس لم يشترط ضمن قواعد تحرير الرسائل و المذكرات هذا.
المهم.. أن هاته العينة هي من تدير أغلب المجلات.. و كثيرا ما تكون أسباب رد المقال جد تافهة..و أحيانا لاختلافات اعتبارية.
و إن تصفحت مجلاتهم ( و أعني ما أقول: ب “هم”)..ستجد مقالات من “ستة ” صفحات..و مقالات جرائدية..و مقالات بها معلومات إحصائية رسمية..لكن بلا توثيق.. و مستوى لغوي سطحي لتلاميذ ابتدائية.
فالمشكلة عميقة جدا..لأنها حصيلة تراكمات لسياسات قديمة و جيل ترسب على المناصب و اعتاد على النمطية في التسيير.. و إصلاحها صعب جدا..لأنه مرتبط بعقليات محنطة تدير دواليب الجامعة..و لن تتغير أبدا و مطلقا..
فالتغيير ليس بإصلاحها.. بل إخراجها من الجامعة كليا..و ذا الأمر ليس بيد الأساتذة..كما أن عملية التصنيف صعبة وتحتاج لمتابعة و تحقيق.. لألا يظلم أحد.
فإصلاح هذا الأمر هو مشروع دولة بالكامل تحت رعاية أكاديمية..غير أن السؤال هو..من يدير المشروع و ما هي معايير التصنيف ؟
و كثير من المؤتمرات هي عبارة عن حفلات تعارف..يدعى لها من لهم سيرة ذاتية كبيرة في الإدراة لا البحث..و خاصة أولي المناصب السيادية بالجامعات..أي تبادل مصالح..
فكيف يعقل أن يقام مؤتمر عالمي أغلب الحاضرين..سفراء و زراء مدراء جامعات و نوابهم..بالله عليكم..هؤلاء متى يبحثون و يحررون بحوثهم..نحن نتعامل مع الكثير منهم..و نفجع حين نسمع أنهم مدعوون لمؤتمر بشعارات بحثية أكاديمية تهز الركب..
إذا كان بعض الزملاء ليس لهم الوقت حتى للتواصل مع والديه لكثرة مشاغله البحثية..ترد بحوثهم..و هؤلاء يصبحون في مكاتبهم و يمسون مع زوجاتهم..ثم يقدم لك بحثا ؟؟؟
ربما يكون من أوائل الحلول المقترحة..الرقابة والمحاسبة لصاحب البحث والجهة المحكمة للبحث معا.. مع إلزامية نشر المقالات المعتمدة كلها..و عبر المواقع الإلكترونية..مع إقرار المتابعة القانونية لأصحابها و للمحكمين لها.
وضع شروط نشر و تحرير واضحة تفصيلية دقيقة و كمية.. كيف و كم..لألا يتلاعب مسيروا المجلات و المؤتمرات بمناهج البحث..عرض نماذج للبحوث المقبولة..كيما يقارن الباحث.
تنصيب جهة محايدة لا تنتمي للجامعة..وزارية..توجه لها الطعون و الشكاوى في حال رد البحث..لإعادة تقييمه..و مقارنته مع البحوث المقبولة..مع المتابعة القانونية للجهة التي ترد البحوث.
إلزام المجلات و المؤتمرات بتوضيح أسباب الرفض و الرد..لأن اتباع قاعدة عدم الإلتزام..جعلت غطاء لإخفاء الأسباب الحقيقة.. التافهة و أحيانا الحقيرة في رد البحوث.. و كم سمعت مباشرة لأسباب رفض تفجع..كأن يقال أن صاحب المقال له منشورات كثيرة فليترك الفرصة لغيره..أو أن مقاله به نقولات كثيرة.. أو أنه تعرض لمواضيع حساسة..حتى الخلافات المذهبية.. و السياسية..و الإيديولوجية..صارت تلعب دورا في رد المقالات..بل أن بعضها يرد لأن صاحب المقال.. الأستاذ المشرف عليه من المغضوب عليهم..أو صديقه و زميله لا يروق لجهات سيادية بالجامعة… و الكلام يطول.
ملف: قضية للنقاش (2) التحكيم العلمي في المجلات والمؤتمرات: تشخيص واستشراف
اترك رد