د. صحرة دحمان: اللسانيات الاجتماعية وتعليمية اللغة العربية – جامعة جامعة الجزائر 2
السّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في البداية أتقدّم بجزيل الشّكر والامتنان لشبكة ضياء على كلّ المجهودات التي تبذلها، وأحي جميع القائمين عليها؛ لأنّهم بالفعل يسهمون إسهاما فعّالا في ترسيخ قيم الحوار العلمي والتّفاعل الإيجابي مع الباحثين. وبذلك فهم يسهمون في صنع مجد الحضارة العربية الإسلامية التي ستسترجع قيادتها وسيادتها بالإنتاج العلمي الرصين في كلّ المجالات.
وهي إذ تفتح موضوع “التّحكيم العلمي في المجلات والمؤتمرات” للنقاش فهي تمس أساس من أسس التقدم والرقي الحضاري. وسنسهم برأينا في هذه القضية من خلال الإجابة عن التساؤلين:
إلى أي مدى يرتبط التحكيم العلمي بالضوابط الأكاديمية الموضوعية المتعارف عليها؟
ما أهم مؤاخذات الباحث على لجان التّحكيم العلمية بالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية؟
ترتبط القضية الأولى في نظرنا بحال البحث العلمي في العالم العربي بشكل عام، وحاله في كلّ بلد من البلدان العربية بشكل خاص؛ ذلك أنّ البحث العلمي عندنا متأخر كثيرا مقارنة بالبحث العلمي في الدول المتقدّمة التي تعمل جاهدة على تشجيع البحث العلمي في كلّ مجالات المعرفة ودون استثناء. حيث ترفع من شأن البحوث العلمية الجادة والمتميّزة، وتختار اللجان بعناية وذلك في الحقيقة انعكاس لواقعهم المتوازن. وعليه فإنه على الرّغم من الصحوة العلمية التي تشهدها بعض البلدان العربية وذلك بإقامة المؤتمرات والندوات والمسابقات العلمية، غير أننا لا زلنا لم نتخلّص من عقد كثيرة. وأظن أنّ أكثر العقد تأثيرا هي العقد النفسية، فيتحكم عدد من المسييرين ـ ولا أقول الباحثين ـ في مصير أجيال كاملة دون أن يمتلكوا الكفاءة المناسبة وأهمها كفاءة التّحكيم نفسها، وأنا أتساءل هنا: كيف يمكن لغير المتخصص في مجال علمي معيّن، أن يكون عضوا في لجنة تحكيم، لتحكيم بحوث خارجة عن مجال تخصصه ؟؟ ربّما يكون هذا أحد الأسباب التي تجعل التحكيم لا يلتزم بالضوابط المعروفة. وهناك سبب آخر أراه مهما جدا وهو أنّ المجال العلمي يرتقي بالتنافس بين الباحثين لتقديم الأفضل، ولكن ما يحصل في الواقع بعيد كلّ البعد عن مثل هذا التنافس؛ ذلك أنّنا نجد – في كثير من الأحيان – بعض البحوث المنشورة لا تتوفر فيها الشروط المتعارف عليها، وبالمقابل نجد مجموعة من الباحثين الجادين لا تحظ بحوثهم بالنّشر ؟ وبذلك يغيب التنافس الحقيقي وتغيب البيئة التي ترعى هذا التنافس. وبذلك يمكن القول إنّ التّحكيم العلمي عندنا تنقصه جملة من الضوابط والأسس ليصبح قادرا على نشر الأفضل.
غير أننا في الوقت نفسه نعترف بوجود مجلاّت تقوم لجانها بواجباتها على أكمل وجه، حيث تطمح إلى التغيير والنّهوض بالبحث العلمي، وذلك بانتقاء الأصلح.
أما القضية الثانية والمتعلّقة بمؤاخذات الباحث على لجان التّحكيم، سواء ما ارتبط بالمجلاّت العلمية، أو المؤتمرات العلمية، فإنّ المؤاخذات كثير، ولكنني سأذكر أهمها:
1. 1 فيما يخص بعض المجلاّت لا يهمها الكفاءة العلمية وإنّما الكفاءة المالية؛ لأنّ النّشر يكون بمقابل مالي معيّن. وإن كنا هنا نفتح قوسا: أنّ عددا من الباحثين الجادين لجأوا إلى هذه المجلات لنشر أبحاثهم لأنّهم لم يجدوا سبيلا آخر، خاصة إذا كان الأمر متعلّقا بمناقشة أطروحة الدكتوراه، ففي الجزائر مثلا يشترط قبل المناقشة نشر مقال علمي.
2.1 عدم تقديم أسباب الرفض في حالة رفض البحث المقدم للنشر، وذلك يسبب قلقا لدى الباحثين لأنّ معرفة الأسباب؛ خاصّة إذا كانت موضوعية تدفع بالباحثين إلى تحسين إنتاجهم العلمي.
3.1 طول فترة التحكيم، وفي بعض الأحيان عدم إبلاغ الباحث بالرفض أو القبول.
1.2 فيما يخص المؤتمرات والندوات عدم الحرص على إبلاغ المتقدمين بأوراق بحثية بالقبول أو الرّفض (بعض المؤتمرات).
2.2 القصور في تحكيم بعض البحوث تحكيما جيّدا، وذلك من خلال معاينتنا الواقعية في عدد من الملتقيات والمؤتمرات، حيث يتم تقديم أوراق لا تتوفر على أدنى الشروط.
3.2 بعض المؤتمرات والملتقيات هي ملتقيات أصحاب وأحباب، ولا علاقة لها بالبحث العلمي، فتصيبك الدهشة عندما تسمع عن ملتقيات مرّت ولم تسمع بها إلاّ بعد …؟؟
وقد حاولت أن اختصر قدر الإمكان، لكن القضية مُسيلَة للحبر. وعلى الرّغم من كلّ ما قيل ويقال؛ فإنّ العاملين بإخلاص في هذه الأمة موجودون وهم أملنا في النهوض بالبحث العلمي، فتحية خاصة وخالصة لهم جميعا، من هذا المنبر الشمعة المضيئة.
ملف: قضية للنقاش (2) التحكيم العلمي في المجلات والمؤتمرات: تشخيص واستشراف
اترك رد