التحكيم العلمي في المجلات: مداخل وإجراءات .. نادية عيشور

نادية عيشور: أستاذة تعليم عالي تخصص علم الاجتماع بجامعة محمد لمين دباغين سطيف2

تواجه مختلف الجامعات في الوطن العربي معوقات عامة ترجع إلى عوامل دولية ومحلية، تغذيها اعتبارات سوسيو ثقافية واجتماعية وتاريخية، نجم عنها تكريس مستديم لإنتاج آليات تخلفها من نواحي التسيير الإداري وتنظيم شان التعليم، التكوين البيداغوجي والتنشئة الأكاديمية. حيث تتفق جميع الدراسات التطبيقية، في تخصصات ومجالات عديدة، على وصم التكوين والتعليم العالي بصفات الضعف والهشاشة. ينسحب هذا الوصف على حال البحث العلمي، نتيجة للمعوقات التي تحول دون اعتماد وتطبيق معايير الجودة أولا في مجال التسيير الإداري ، ثانيا في مجال التعليم والتكوين البيداغوجي للطلاب، وثالثا في مجال البحث العلمي، حيث يبدو الأمر واضحا في مستوى البحوث المنجزة (مذكرات ليسانس، ماستر) وأطروحات دكتوراه، ناهيك عن مستوى المطبوعات البيداغوجية والمداخلات والمؤلفات الجماعية والفردية وأخيرا المقالات العلمية. إذن، يعبر ضعف مستوى المجالات بضعف مستوى المقالات أي ضعف مستوى الباحثين أنفسهم، وضعف الخبرة إنما هو تحصيل حاصل في نهاية المطاف. وهنا نفهم أن مواصفات النسق العام الذي يترعرع فيه الباحث، سواء كان صاحب مقال، أو خبير ومحكم، أو عضو قائم بتسيير مسارات الخبرة ونائم لشؤون المجلة، فهو في النهاية يخضع لجميع المؤثرات والضغوطات، التي تجبره في كثير من الأحيان على مسايرة ظروف النشر. وإذا كانت التحولات الدولية والوطنية تفرض على الجامعات والهيئات العلمية، أن تقاوم عوامل ضعفها، وأن تنتفض لأجل تحقيق نهضة علمية، قادرة على مسايرة وإنعاش مبدأ ترقية البحث العلمي لأجل مصلحة التقدم الاجتماعي، وتحفيز آليات إنعاش الدافعية نحو الانجاز، وتكريسها لتحقيق غايات البحث العلمي، لاسيما في مختلف مجالات التنمية والتنمية المستدامة؛ فإن الأمر فعلا يقتضي إلغاء وتجاوز نظرية المؤامرة للباحثين، التي أضحت تغذي المبررات النفسية التي يلجأ إليها الباحثون لتغطية نقاط ضعفهم وأسباب فشلهم، هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإن وجوب وضع قواعد تنظيمية رشيدة لتسيير شؤون المجلات، وإخضاع التحكيم لعدة اعتبارات موضوعية، تمكن من تجاوز الاعتبارات السوسيو ثقافية، إنما هو أمر مطلوب، يقتضي توفير أفضل الظروف وأنجع السبل من خلال:
أولا- التسيير الإداري
1. الاعتماد على طاقم إداري كاف من حيث العدد، ومؤهل من حيث التكوين،
2. ضبط قواعد وأعراف وأخلاقيات العمل في هذا المجال لاسيما احترام السرية والانضباط بالوقت.
ثانيا- هيئة التحرير
1. اختيار مؤسس موضوعيا ومنهجيا لأعضاء هيئة التحرير، حتى يكون موضع ثقة، من حيث احترام تمثيل التخصصات والفروع العلمية، واشتراط الكفاءة النوعية والاقتدار العلمي، ناهيك عن التحلي بالرسالية كأحد مواصفات وأخلاقيات الباحث الأصيلة والسمعة الأكاديمية.
2. الانضباط والالتزام برزنامة لقاءات دورية، تتماشى و(مدخلات ومخرجات) المقالات العلمية الواردة من كل صوب وحدب، ما سيؤدي إلى انتظام في إصدار الأعداد تواليا،
3. تعيين رسمي لأعضاء هيئة التحرير سيدفعهم للعمل بشكل أكثر جدية وسيحفزهم على تنمية مهاراتهم والاهتمام بترقية المجلة، وهذا يقتضي منطقيا دفع أجورهم،
4. وضع قواعد تنظيم صارمة فيما بين أعضاء هيئة التحرير، لا تقوم على توزيع المقالات بناء على التخصصات فحسب؛ إذ قد يستفرد بعضهم أو أحدهم بالتصرف كيفما يشاء في إدارة الخبرة والتحكيم في مجال تخصصه، دونما تدخل بقية الأعضاء لكونهم خارج نطاق التخصص، فلابد من وضع قواعد عمل وتنظيم تلزم جميع الأعضاء بمتابعة جميع المقالات في جميع التخصصات، تحقيقا للشفافية.
5. على رئيس التحرير بمتابعة عمل أعضاء هيئة التحرير ومراجعة طرق عمليهم.
6. كما يفترض الاطلاع على نتائج الخبرة كلها (المقبولة والمرفوضة والمتحفظ عليها طلبا لإدراج تعديلات معتبرة أو طفيفة) لجميع المقالات في لقاء سابق عن موعد اجتماع الهيئة العلمية للمجلة، وتحديد صلاحياتها تحديدا دقيقا وموضوعيا يحجم من مقدار التعسف في إصدار القرارات المتعلقة بالمصادقة أو التحفظ أو الرفض لمسار الخبرة في العموم.
7. عند إسناد الخبرة للخبراء، يجب مراعاة ما هو آت:
• احترام التخصص ومجال التكوين العلمي للخبير والخبرة المطلوب انجازها
• يفضل أن يقع موضوع المقال المرسل إليه ضمن حيز اهتماماته وانشغالاته العلمية الشخصية.
• تقديم الخبير مبررات قراره في حالة القبول (فقط) أو الرفض (فقط)، وأيضا تقديم توضيحات بشان طلبات التعديل، تكون واضحة بالنسبة للمترشح.
• انضباط الخبير بالوقت المحدد.
• هيئة التحرير أو رئيسها هي من تقوم بإسناد الخبرة وليس الطاقم الإداري إلا تنفيذ التوجيهات.
• الناطق الرسمي لها يكون رئيس التحرير وليس من ينوبه عمليا لاسيما من الإداريين أو احد أعضاء هيئة التحرير.
ثالثا- الخبراء المحكمين، محليين أو خارجيين:
1. قواعد اختيارهم وتزكيتهم من قبل:
• أعضاء هيئة التدريس ككل قد يكون ضروريا عبر تقنية سبر آراء
• أعضاء الهيئات العلمية (اللجان العلمية لمختلف الأقسام)
• أعضاء هيئة التحرير
2. دراسة السيرة الذاتية لهم مطلوبة، غير أنها لوحدها غير كافية، فلابد من اشتراط الكفاءة الحقيقية التي تكرسها السمعة الأكاديمية.
3. دفع أجور الخبراء بحسب قدرتهم على الانضباط بقواعد العمل، وتحقيق أهداف المجلة والانسجام ورؤيتها الرسالية.
4. هذا يلزم الباحثون من المترشحين دفع مستحقات التحكيم، على أن يؤثر هذا على نوعية ونتيجة الخبرة، كما هو شائع لدى بعض المجلات في بعض البلدان العربية، التي تنشر جميع الأعمال مدفوعة الأجر همها كان مستواها العلمي جيد أو ضعيف.
للنقاش بقية

ملف: قضية للنقاش (2) التحكيم العلمي في المجلات والمؤتمرات: تشخيص واستشراف


نشر منذ

في

من طرف

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ عبد الحميد فلفالي
    عبد الحميد فلفالي

    شكرا أستاذة على الطرح ..
    ذكرت في كلامك ما هو مفترض وما ينبغي أن يكون ، لا ماهو كائن ، فالمنشورات في الواقع تعاني السطحية وأبحاثنا تعاني الركاكة بسبب عدم كفاءة الباحث أو تردي مساره العلمي ان لم يكن مرقع، جميل أن أرى كثرة الندوات والمؤتمرات .. لكن السيء هو أن أرى خسارتها (ورق وحبر وراتب ..) أكثر من إنتاجيتها

  2. الصورة الرمزية لـ عبد الحميد فلفالي
    عبد الحميد فلفالي

    شكرا أستاذة على الطرح ..
    ذكرت في كلامك ما هو مفترض وما ينبغي أن يكون ، لا ماهو كائن ، فالمنشورات في الواقع تعاني السطحية وأبحاثنا تعاني الركاكة بسبب عدم كفاءة الباحث أو تردي مساره العلمي ان لم يكن مرقع، جميل أن أرى كثرة الندوات والمؤتمرات .. لكن السيء هو أن أرى خسارتها (ورق وحبر وراتب ..) أكثر من إنتاجيتها

اترك رد