د. خالد عبد السلام: قسم علم النفس وعلوم التربية والارطفونيا، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2 الجزائر
اسمحوا لي زملائي الاساتذة ان اشارك معكم في مناقشة اشكالية التحكيم للمقالات والبحوث والمداخلات العلمية انطلاقا من تجربتي الميدانية المتواضعة لأفيدكم بجملة من الملاحظات الواقعية التي سجلناه في الكثير من المناسبات ذات العلاقة .
فواقع الممارسة الميدانية لعملية التحكيم وعمليات الخبرة والتقييم للمقالات والبحوث والمداخلات يشوبها الكثير من الاختلالات والعيوب التي يصعب مداواتها في القريب العاجل نتيجة لسيطرة منطق الترقية الإدارية والعلمية في الكتابات العلمية باستعمال كل الوسائل والطرق. واخص بالذكر مجموعة الاختلالات الاتية:
1 – ان اختيار المحكمين في الكثير من الحالات يخضع لاعتبارات ذاتية وميزاجية للمشرفين على المجلات والملتقيات والمخابر أكثر ما يخضع لاعتبارات الكفاءة العلمية والمهنية.
2- ان معايير الصداقة والعلاقات الشخصية و الانتماء الايديولوجي والسياسي او الجهوي او المنصب الاداري والنفوذ في المؤسسات و الانتماء للهيئات العلمية كثيرا ما كانت هي السيدة في عملية الاختيار والانتقاء والتعيين، بدل الترشيح وفق معايير واضحة وشفافة. فلو سألنا أي إدارة تحرير المجلة عن المعايير التي تعتمدها في عملية الانتقاء ومدى الشفافية التي تعتمدها سنكتشف الكثير من الضبابية والغموض.
3- في الكثير من الحالات الملاحظة، سجلنا أن الكثيرين لا يستطيعون قراءة محتوى الاعمال المقدمة للتحكيم نتيجة تراكمها وكثرتها للشخص الواحد. وهو ما يجعلهم يكتبون تقارير شكلية كلها ايجابية دون ملاحظات سلبية ولا تقويم موضوعي للعمل، مما افرز اعمالا منتحلة او مسروقة بنسب متفاوتة.
4- ان أسماء المحكمين والخبراء كثيرا ما يتم تسريبهم للمعنيين بالأمر قصد التدخل على مستواهم لطلب الاسراع في تقديم التقرير دون ملاحظات، وهو ما غيب سرية العمل وموضوعية التقويم والتحكيم.
5- نتيجة للهفة الكثيرين من الباحثين والأساتذة وراء الترقيات العلمية والادارية وبعض الامتيازات المادية جعلهم يستبيحون كل شيء ويستعملون كل الوسائل ( التدخلات والوساطات والمحاباة والهدايا والاغراءات و يأخذون حتى أعمال الطلبة ويتبونها وكأنها من انتاجهم وفي حالات أخرى يكلفونهم بإنجاز أعمال لينسبونها لأنفسهم دون وجه حق)..
6- ان شخصنة الاعمال وشخصنة المجلات والبحوث والمخابر ميع وغيب المعايير العلمية و الاخلاقية في عمليات التحكيم بموضوعية ومهنية.
7- ان الكثير من اعمال التحكيم والتقارير فارغة المحتوى ينجزها اصحابها فإما في نفس اللحظة التي تسلم لهم العمال العلمية أو بعد أشهر من الانتظار دون الاطلاع الجيد على محتواها. المهم ان تكون ايجابية ومقبولة ترضي كل الناس.
8- ان اعمال التحكيم التي قد تتضمن ملاحظات حول أخطاء منهجية او علمية او تضمنت اكتشاف سرقات علمية يصبح اصحابها غير مرغوب فيهم ومنبوذون و يهمشون في كل الاعمال العلمية في الكثير من الجامعات. لان الجدية والصرامة والنزاهة العلمية والاكاديمية والمهنية اصبحت غير مربح بها في الكثير من الجامعات وكثيرا ما تزعج وتقلق الكثير من الجهات.
وعليه فإن عملية التحكيم او الخبرة العلمية يفترض أن تتصف بمجموعة من السمات لا سيما:
أولا: عملية التحكيم في اصلها أنها مسؤولية اخلاقية واكاديمية وعلمية تقع على عاتق كل استاذ وباحث مكلف بها قبل أن تكون امتياز شخصي.
ثانيا: أنها مسؤولية التحكيم تتطلب درجة عالية من النزاهية والجدية والانضباط العلمي والأخلاقي من قبل المحكمين.
ثالثا: أن عملية الخبرة او التحكيم العلمي تستلزم العمل بمعايير دقيقة، واضحة، شفافة، وإجراءات فنية وتقنية تجمع بين قواعد البحث العلمي والنزاهة الاكاديمية وموضوعية الطرح والمعالجة والأصالة….. وغيرها.
رابعا: أن عملية التحكيم تحتاج الى وضع معايير موضوعية في اختيار المحكمين والخبراء انفسهم يراعى فيها التخصص ومجالات الاهتمام و الخبرة الميدانية و درجة الالتزام والانضباط المهني والأخلاقي، عن طريق تقييم اعمال المحكمين من قبل لجان مستقلة تنشأ على مستوي كل مجلة او جامعة او مخبر او مركز دراسات تعمل هي الاخرى وفق معايير دقيقة واضحة وموضوعية وشفافة، تضمن العدالة والجدية والنزاهة الأكاديمية والتناوب على المسؤولية دوريا لمنع الاحتكار.
خامسا: تحتاج عملية التحكيم الى وضع ميثاق الشرف وتعهد يمضي عليه اصحابها المكلفين يتضمن ضرورة الالتزام بمجموعة من القواعد والضوابط المهنية والعلمية والاخلاقية مع تثمين جهود أصحابها للتأسيس لنوع من التعاقد بين الطرفين ( إدارة التحرير او الملتقى والمحكمين) وفق شروط وقواعد متفق عليها مسبقا ليسهل بعدها اتخاذ كل الإجراءات الإدارية والقانونية عند الاخلال ببنود الاتفاق لضمان نوعا من الشفافية في العمل.
فهل نتلعم لنرقى ونطور تفكيرنا واعمالنا لنجد مكان محترما بين جامعات العالم؟ نتمنى ذلك في المدى المتوسط والبعيد من خلال إصرارنا واجتهادنا وتفانينا. وتعاوننا على الجد والاتقان والنزاهة في كل المستويات والممارسات البحثية.
ملف: قضية للنقاش (2) التحكيم العلمي في المجلات والمؤتمرات: تشخيص واستشراف
اترك رد