د. ميمون جمال الدين: جامعة البليدة – الجزائر
إن نظام الوقف من نظم التكافل والتضامن الاجتماعي ، يجد مشروعيته في الشريعة الإسلامية والتشريع الجزائري ، ويختص بخصائص تجعله متميزا عن غيره من التبرعات، فالوقف تصرف تبرعي لازم ينشئ حقا عينيا للموقوف عليه، كما أنه يكتسب شخصية معنوية مستقلة عن الواقف والموقوف عليه وناظر الوقف ، كما يختص الوقف بقواعد حماية خاصة به.
تتنوع الأوقاف بالنظر للموقوف عليه والموقوف، وبالنظر لاستعمال الوقف وإدارته، وبالنظر لموطن الوقف ومدى صحته.
وقد حصر قانون الأوقاف أركان الوقف في: الواقف، محل الوقف، صيغة الوقف، الموقوف عليه.
وقد خضع الوقف في الجزائر لأحكام مختلفة قبل الاستقلال،إلا أن الفترة الاستعمارية كان لها بالغ الأثر على الأملاك الوقفية نظرا لعملية الاعتداء الواسع والمنظم على الوقف، وقد امتد هذا الأثر إلى ما بعد استقلال الجزائر.
و الوقف في الجزائر يخضع لنظام متكامل من حيث إدارته، ومن حيث استثماره و مراقبته، وقد استفاد النظام القانوني للوقف من كم معتبر من المراسيم التنفيذية والقرارات الوزارية والتعليمات والمناشير كان آخرها التنظيم الخاص بإيجار الأرضي الوقفية المخصصة للفلاحة.
و قد وضع المشرع الجزائري عدة آليات للرقابة على الوقف أهمها جرد ممتلكات الوقف وتوثيق العمليات والتصرفات والعقود الواردة على الوقف، كما يخضع الوقف للمحاسبة باعتباره مؤسسة لها ذمة مالية مستقلة.
غير أن نظام الوقف تشوبه عدة نقائص قانونية كما يعاني من عدة مشاكل واقعية، أهمها:
* الغموض الواضح في نص المادة 04 من قانون الأوقاف 91-10 التي تنص على أن :”الوقف عقد التزام تبرع صادر عن إرادة منفردة” مما يفرز عدة نزاعات قضائية يواجهها قضاة غير متخصصين.
* اكتفى المشرع بتحديد عقود استثمار الوقف فقط مما يضعنا أمام فراغ قانوني خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار اختلاف المذاهب الإسلامية حول أحكام الوقف، يضاف إلى ذلك عدم توفر نماذج لعقود استغلال وتنمية أراضي الوقف حيث لم نجد إلا عقود الإيجار.
* النقص الفادح في مجال المعلومات المتعلقة بأحوال الوقف ونصوص الحجج الوقفية وأهدافها .
* قلة الموارد المالية وانخفاض كفاءة الموارد البشرية وضعف الإدارة وأساليب العمل،حيث تفتقر إدارة الوقف للعنصر البشري المؤهل مما أدى إلى اقتصار عملية إدارة الوقف على الروتين الإداري،كما يتم اختيار موظفي الأوقاف بالنظر للتكوين الشرعي وهذا يخالف طبيعة العمل الاستثماري والذي من مستلزماته الأساسية المهارات الإدارية والتسييرية خاصة في مجال التخطيط والرقابة وإدارة الاستثمارات.
* المركزية الشديدة ومركزية اتخاذ القرارات مما أدى إلى تغييب كلي لنظام ناظر الوقف وتعطيل النصوص القانونية الخاصة به .
كما نتج عن المركزية تأخر الإنجاز ،وعدم ترك حرية القرار للإدارة المحلية .
* عدم التزام الإدارة الوقفية بشروط الواقفين بحيث لا يوجه العائد المادي المحقق إلى المصارف المقررة لها ،وهذا يسوقنا إلى الحديث عن الرقابة في إدارة الأوقاف ذلك أن من أهم مشاكل الفساد الإداري استغلال الأملاك الوقفية لأغراض ومصالح شخصية ،ويمكن رد نهب الأوقاف وضياعها إلى ضعف الرقابة في الإدارة الحكومية للأوقاف .
* تدار الأوقاف على المستوى المركزي من خلال مديرية مركزية تسمى مديرية الأوقاف والزكاة وهي واحدة من بين ستة مديريات تشكل الهيكل التنظيمي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف ،تضم هذه المديرية مديريتين فرعيتين:المديرية الفرعية للبحث عن الأملاك الوقفية والمنازعات والمديرية الفرعية لاستثمار الأملاك الوقفية،يتضح أن إدارة الأوقاف ما هي إلا إدارتان فرعيتان من مديرية الأوقاف والزكاة،غير أن الأولى هو استقلال الأوقاف بمديرية خاصة بها.
وعلى المستوى المحلي نجد مديرية الشؤون الدينية والأوقاف تنتظم في مصالح أهمها مصلحة الإرشاد الديني والشعائر الدينية والأوقاف ،نصيب الأوقاف منها مكتبا واحدا هو مكتب الأوقاف إضافة إلى مكتب الإرشاد والتوجيه الديني و مكتب الشعائر الدينية،إن هذا التقسيم لا يعبر عن إرادة جدية للاهتمام بالأوقاف.
* انقطاع وشائج الاتصال بين إدارة الأوقاف ومؤسسات العمل الخيري في المجتمع المدني،وغياب التنسيق في كثير من الأحيان بين الإدارة المحلية للأوقاف والإدارة المحلية.
ما يمكن أن نؤكد عليه في خاتمة هذا البحث هو الدور الجوهري للنظام القانوني للوقف وفائدته العملية ، فهو الضامن الوحيد لتميز نظام الوقف ذاته، والباعث على الطمأنينة في نفوس الواقفين المحتملين.
في الأخير يمكن أن نقدم التوصيات والاقتراحات التالية- على أمل أن تؤخذ بعين الاعتبار-:
– إعادة صياغة المادة 04 من قانون الأوقاف بما يتماشى وتعديل القانون المدني لسنة 2005 وبما يتوافق مع وضع الوقف باعتباره يخضع لنظام قانوني متميز.
– ضرورة إصدار باقي نماذج عقود استغلال وتنمية واستثمار أراضي الوقف وعدم الاكتفاء بنموذج عقد الإيجار.
– ضرورة تكثيف الدورات التكوينية الخاصة بالسادة القضاة والموثقين والمحامين من أجل توجيه جهودهم لإصلاح أمور الوقف وتدارك مواضع النقص فيه.
– الاعتماد قدر الإمكان على نظام المؤسسة الوقفية والابتعاد عن التسيير الحكومي للأوقاف وذلك من أجل جعل الأوقاف في منأى عن التقلبات السياسية .
– إخضاع نظار الأوقاف لمقاييس علمية معينة لشغل المنصب كاشتراط الشهادة العلمية المتخصصة في الإدارة والتسيير والمالية والمحاسبة والقانون.
– الاهتمام بمالية الوقف وتكوين نظار الأوقاف في هذا المجال، من أجل تقليل النفقات إلى أدنى حد والزيادة في الإيرادات إلى أقصى حد.
– الاهتمام باستثمار الوقف، نظرا للنتائج الجيدة المحصل عليها في الكويت والسودان.
– تحديد دور تنموي للوقف لمجابهة الآثار السلبية للعولمة خاصة مع محاولات انضمام الجزائر لمنظمة التجارة العالمية ودخول اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي حيز التنفيذ .
– إن المشرع الجزائري أعفى الوقف العام من أداء الضرائب كالضرائب على أصول الأموال والضرائب على الإيرادات ومن رسوم التسجيل والشهر، دون أن يشمل ذلك الوقف الخاص، وهذا أمر غير مقبول خاصة إذا علمنا أن الوقف الخاص يـؤول إلى جهة ذات نفع عام عند انقطاع الموقوف عليهم ، على أن تتكفل الخزينة العمومية بأداء رسوم التسجيل والشهر .
– تشديد العقوبات المرتبطة بالجرائم الواقعة على الأوقاف .
– إن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر لا تزال بعيدة عن دورها الحقيقي من حيث تقديم الخدمات الداعمة لمؤسسة الوقف، مثل المشورة في التخطيط، المشورة الاستثمارية وخدمات التمويل، وهنا مثلا تظهر ضرورة إنشاء بنك للأوقاف .
– ضرورة الاهتمام العلمي بمادة الوقف من خلال دراسات ما بعد التدرج، على أن تقدم رسائل جامعية تعنى بهذا الموضوع من أجل تطوير إدارة وتسيير الوقف واستثماره.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى السبيل .
اترك رد