كتاب أروبا والإسلام من تراث الإمام الأكبر عبدالحليم محمود .. د. صالح محروس محمد

د. صالح محروس محمد: جامعة بني سويف

يعد كتاب الشيخ الإمام الاكبر عبدالحليم محمود رحمه الله ( أوربا والإسلام ) من أعظم ما كتب عن الاسلام في القارة العجوز أوربا حيث وضح برؤية ثاقبة حالة الاسلام في أوربا ومستقبله من واقع زياراته ومواقفه التى حكاها في هذا الكتاب وكتابات المستشرقين المنصفين وغيرهم عن الإسلام .ويقول في مقدمته للكتاب كنت أفكر في موضوع الغرب والاسلام وكان شغلى الشاغل حتى وقع في يدى كتاب اللورد هيدلى ( إيقاظ الغرب للإسلام ) وفكرت في العبارات التى قالها ( كيف يمكن للإسلام أن يتغرب حتى يمارس في الأمم الغربية وبعبارة أخرى كيف يمكننا نحن الغربيين أن نعد أنفسنا لنكتب ونفقه معنى الاسلام الحقيقي ) .وفي الفصل الأول من هذا الكتاب بعنوان الإسلام والمسيحية يتكلم فيه عن السيدة مريم والمسيح عليه السلام وأنه جزء من إيمان المسلمين إيمانهم ببعيسى عليه السلام نبياً وأمه مريم العذراء صديقة في الوقت الذى ينكر اليهود على عيسي نبوته ويرمونه بالكذب وبعض مؤرخى الأديان ينكرون مجرد وجود المسيح وأنه من اختراع القديس بولس وأن المسيح ليس إلا أسطورة من خيال القديس بولس والاسلام يحتم على المسلمين الايمان بعيسى عليه السلام نبيا ً ورسولاً ومباركاً ووجيهاً في الدنيا والآخره .. وفي الفصل الثانى تناول أوربا والمسيحية .وعن أوربا في العصور الوسطى وما كان يقوم به رجال الدين المسيحي حيث سجل التاريخ في صورة واضحة مآسى محاكم التفتيش وما كانت تقوم به من إحراق بالنار ورمى في الزيت المغلى وإخراج الاظافر وتقطيع لأجزاء الجسم قطعة قطعة زيادة في العذاب ومضاعفة اللألام وسجل التاريخ الصراع العنيف بين المسيحية ورجال العلم ورجال الفكر وليست مأساة جاليليو بالحادث الوحيد فالكثير من رجال العلم والفكر أحرق أو شنق أو زج به في أعماق السجون وكل ذلك باسم الدين وحرمت الفلسفة ودراستها في مجمع لاتران 1502م . ففى 18 عاماً من سنة 1481 حتى 1499م حكمت محاكم التفتيش على عشرة آلاف و مائتين وعشرين شخصاً بأن يحرقوا وهم أحياء وعلى ستة آلاف وثمانمائة وستين بالشنق بعد التشهير فشهروا وشنقوا , وعلى سبعة وتسعين ألفاً وثلاثة وعشرين شخصاً بعقوبات مختلفة فنقذت ثم أحرقت كل توراه بالعبرية .وتنفس الناس في أوربا الصعداء في عصر النهضة التى كانت ثمرة لجهاد أحمر أريقت فيه الدماء وتيتمت فيه الأطفال ففى القرن السابع عشر الميلادى تحررت الأقلام الأوربية تحرراً كبيراً بالنسبة للنصرانية وتمثل ذلك في كتابات ( اسبينوزا ) حيث قال لقد توهم من قال أن كل ما يحويه الكتاب المقدس منزه عن الخطأ.وبدأ في نقد أسفار التوراه.
وبدأ النقد العلمى للكتاب المقدس في القرن التاسع عشر وبدأ متسلسلا ثم أخذ يتغلغل شيئاً فشيئاً حتى إذا كان أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين شمل نقد المسيحية من جهة عقيدتها ومن جهة كتبها المقدسة . كتب ( رينان )عن المسيح عليه السلام كتاباً يثبت فيه ( أن المسيح لم يكن إلها ولا ابن إله وإنما هو إنسان يمتاز بالخلق السامى وبالروح الكريمة ). وفي الفصل الثالث لكتاب الأمام الأكبر عبدالحليم محمود الغرب والاسلام ركز فيه على العوامل التى تمنع الغرب من اعتناق الاسلام فقال هناك عوامل ترجع للغرب وعوامل ترجع للمسلمين أنفسهم . لقد أعدت الكنيسة الغربية مشروعين لوقف انتشار الإسلام الأول التبشير والثانى نشر أضاليل عن الإسلام . فرغم أن الدين الإسلامى دين التوحيد الخالص يشيعون عنه أنه دين عبادة الأوثان وتمنع الكنيسة الكتب التى توضح الدين الاسلامى الصحيح . أما عن الاسباب التى تمنع انتشار الاسلام في الغرب التى ترجع إلى المسلمين لا تقل خطراً عن الكنيسة أن الدعوة الاسلامية تتم بجهود فردية وليس بجهود مؤسسات . و الأمر الآخر سلوك المسلمين في الغرب الذى ربما يكون بعيد عن الاسلام .السبب الثالث الكتب التى تصل الغرب عن الاسلام والمسلمين . فيجب أن نعرض الاسلام للغرب عرضاً سهلا ً ميسراً قوياً وبأساليب متنوعة قوية.
وفي الفصل الرابع يعرض مفكرون منصفون من الغرب كتبوا كتب موضوعية عن الاسلام درس كاتبوها الاسلام دراسة عميقة فأحبه البعض وناصره وآمن به البعض الآخر ويقول كانت الحروب الصليبية من الأسباب التى جعلت الأوربيون ينكبون على دراسة الاسلام فلد رأى الغرب في المسلمين في الشرق صفات الشهامة والفروسية وأن ديانتهم ليست كما يصورها الغرب من الانحطاط والتخريف . ومن هؤلاء الكتاب الكاتب الكونت هنرى دى كاسنرى له كتاب عميق عن الاسلام ترجمه المرحوم فتحى زغلول نشر بعنوان ( الاسلام سوانح وخواطر ) حكى فيه قصة اسلامه والتى ملخصها ما رأى من حسن أخلاق المسلمين الذي قابلهم . ومن الكتاب الغربيين المنصفين الكاتب الانجليزى كارلايل الذى ألف كتاب ترجمه المرحوم محمد السباعى إلى العربية تحت اسم (الأبطال) تناول في أحد فصوله الحديث عن النبي محمد يقول فيه ( من العار أن يصغي أى أنسان متمدين من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين إن دين الاسلام كذب وأن محمداً لم يكن على حق وقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة فالرسالة التى دعى إليها هذا النبي ظلت سراجاً منيراً أربعة عشر قرنا ً من الزمان هل رأيتم رجل كاذب يستطيع أن يخلق ديناً ويعهد بنشره بهذه الصورة ؟ ومن الكتاب المنصفين أيضاً الكاتب الروسى تولوستوى الذى رد على الحملة الظالمة على الاسلام وعلى رسول الاسلام ومن علماء الغرب المنصفين للاسلام اللورد هيدلى الذى أثار اسلامه ضجة كبيرة والفيلسوف رينيه جينو والعالم الفرنسى جرينيه وإتين دينيه العالم الفرنسى المعروف بناصر الدين دينيه الذى أورد له الفصل الخامس من هذا الكتاب حيث وضح أن كَتب السيرة النبوية معتمداً عل سيرة بن هشام وليس عل كتابات المستشرقين . وفند ناصر الدين كتابات المستشرقين خاصة كتابتهم عن الزواج والحجاب ووغيرها من الموضوعات ورد عليها ومن أشهر كتبه ( الشرق كما يراه الغرب ) يختمه بنصائح للمستشرقين يوصيهم بالرجوع للمصادر الاسلامية الأصليه ومعرفة العوامل الجوهرية مثل الزمن والبيئة والعادات والتقاليد عند دراسة الاسلام وتاريخه. وفي الفصل السادس بعنوان حول التفاهم الإسلامي المسيحى الذى يرفيق فيه الأمام الأكبر عبدالحليم محمود كلماته في ملتقيات اسلامية مسيحية أوربيه ففى أبريل 1978م أرسلت له جمعية الصداقة الإسلامية المسيحية في مدريد عما استقر عليه الرأى ما سيكون عليه مؤتمر قرطبة العالمى الاسلامى المسيحى الأول 1979م اختيار عنوان المؤتمر (محمد وعيسي ملهمان للقيم الاجتماعية المعاصرة ). وأورد الشيخ عبد الحليم محمود في هذا الكتاب كلمته في وفد الفاتيكان في ابريل 1978 فرحب بالوفد المسيحى وتكلم عن مكانة لمسيح عليه السلام ومكانة أمه القديسة في القرآ الكريم . وفى نهاية الكتاب أورد خاتمه مهمه وهى عبارة عن خطاب موجه للمسلمين اليوم وضح أن هناك عناصر تجمعت في موقف عدائي للاسلام من أجل هدم الاسلام في جانبه العقدى و التشريعي و الأخلاقي فجدت كتابات من أبناء الاسلام تدعو للرقص وكتابات تقول أن العفة والبكارة هى علامات تأخر وكتابات عن الجنس وفي تقديره من وراء ذلك الصهيونية العالمية . وكذلك ما ينفق على التبشير من أموال طائلة ويتعرض المسلمين إلى مذابح في البلاد التى فيها المسلمين أقلية . فكل دولة أوربية تخصص من ميزانيتها للتنصير في العالم الاسلامى في مقابل ذلك لم ترسل دولة إسلامية بعثات للدعوة الاسلامية وما يرسل هو بعثات تعليمية ويقول ماذا فعل المسلمون عندما قتل أحمدو بللو بنيجيريا ؟ ماذا قدمت الدول الغنية للإسلام ؟ أيها الدول الغنية بالبترول أين ما أنفتموه من أجل الدعوة الاسلامية ؟ إن زكاة البترول هي الخمس هل أخرجتموها في سبيل الله ؟ وفي الختام يقول الأمام الأكبر شيخ الأزهر السابق وأننى أردت من هذا الكتاب أن أضع القراء الأعزاء في موضع التفكيرفي مستقبل الإسلام الذى لا شك في أنه دين المستقبل لأنه دين التوحيد والعدل والأخوة .


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

اترك رد