بغاديد عبد القادر: جامعة تيسمسيلت، الجزائر
توطئة:
عرف الدرس النقدي خلال القرون الثمانية الأولى للهجرة توسعا وتأصيلا قارب العلمية، حيث توالت الدراسات وتنوعت من عصر إلى عصر ومن ناقد إلى آخر. و لعبت حركة الترجمة واتساع دائرة البحث في دأب النقاد الاطلاع على مختلف الآداب من فارسية ويونانية وبالأخص كتابه (فن الشعر) لأرسطو، الذي نهل منه العرب ما استطاعوا استيعابه وبنوا على شاكله مفاهيم وعمدوا إلى توظيفها وتطبيقها على الشعر العربي. وأخذت الدراسات منحنى المنطق والعلمية أكثر فأكثر مع النقاد الأندلسيين، والتي تبلورت مع الناقد الكبير حازم القرطاجني، حيث استطاع وضع مفهوماً مُتكاملا في نقد الشعر بتمثله لمنجزات أسلافه وتطويرها بما اكتسبه من ثقافة علمية ومنطقية ورؤية نقدية أقدم من خلالها على عزل الظواهر وتفريعاتها قصد النفاذ إلى دقائقها.
ومن الحقائق البديهية أنّ الأدب الأندلسي بعامة والنقد بخاصة يُكوِّن مرحلة من مراحل تاريخ النقد العربي، فهو ليس نقد مستقلا بذاته، لأنه يُمثل خلية حيوية في كيانه نشأت وارتقت ونضجت في ظل التأثيرات التي أصابت وصاحبت هذا الكيان. ولم تُؤثر الأحداث المتعاقبة التي عرفتها الأندلس من نزعات وصراعات وحروب وقتال على السلطة والمجد سلباً على الحياة الثقافية، بل ربما زادتها نشاطا وازدهارا، فنبغ كثير من العلماء والأدباء بفعل الاحتكاك الحاصل بالمشارقة الذين نقلوا عنهم ثقافتهم بعد هجرات متعددة، فازدهرت الترجمة ونُقلت كتب الفلسفة اليونانية والإغريقية إلى العربية(1) وبذلك تم اتصال الأندلسيين بالفلسفة ومباحثها وعلومها خاصة ما تعلق بالمباحث الدينية والأدبية واللغوية.
وعلى الرغم من أنّ المدة التي فتح فيها العرب الأندلس كانت قصيرة غير أنها كوَّنت حضارة نظيرة لتلك التي عرفها المشرق العربي، وكان من الطبيعي أن يُصاحب هذا التطور في عناصر الحضارة المادية تطورا مُماثلا في الحياة الأدبية والعلمية والفكرية. لقد أسهم أهل الأندلس كثيرا في الحركة الأدبية العربية والإسلامية من خلال ما صنعته عقول العلماء والمفكرين والفلاسفة، وما جادت به قرائح الشُّعراء والشُرَّاح والنُقاد على اختلاف اتجاهاتهم المذهبية ومُيولاتهم الفكرية.
اترك رد