د.محمـد عبدالـرحمـن عريـف: كاتب وباحــث في تاريخ العرب الحديث والمعاصر
تعود جذور فكرة الاتحاد المغاربي إلى ما قبل الاستقلال، فقد تبلورت في أول مؤتمر للأحزاب المغاربية الذي عقد في مدينة طنجة في المغرب في الثالث من ابريل/نيسان 1958، والذي ضم ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية. وبعد الاستقلال كانت هناك محاولات نحو فكرة تعاون وتكامل دول المغرب العربي خصوصًا المغرب، الجزائر وتونس، مثل إنشاء اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964 لتنشيط الروابط الاقتصادية بين دول المغرب العربي، وبيان جربة الوحدوي بين ليبيا وتونس عام 1974, ومعاهدة مستغانم بين ليبيا والجزائر, ومعاهدة الإخاء والوفاق بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983. جاء اجتماع قادة المغرب العربي بمدينة زرالدة في الجزائر يوم 10/6/1988, وإصدار بيان زرالده الذي أوضح رغبة القادة في إقامة الاتحاد المغاربي وتكوين لجنة تضبط وسائل تحقيق وحدة المغرب العربي. أعلن عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17/2/1989 بمدينة مراكش من قبل خمس دول هي: المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا. لكن التجربة لم يكتب لها النجاح.
من اجل ذلك وفي رحاب جمعية (مركز) البحوث والدراسات لاتحاد المغرب العربي تعقد ندوة دولية كبيرة عن العلاقات المشرقية المغربية بتنظيم مشترك بين جمعية (مركز) البحوث والدراسات لاتحاد المغرب العربي ومقرها في تونس والمنظمة الألمانية هانس زايدل. يعقد مؤتمر دولي تحت عنوان “العلاقات المغاربية – المشرقية بين الواقع والمأمول” 14 و15مارس 2017 بتونس، تأتي أهمية اللقاء بما تتسم به العلاقات الدولية في العصر الحاضر بتشابك العلاقات بين الدول والأمم والمجموعات الإقليمية وقيامها على تفاصيل كثيرة من أهمها وحدة المصير واللغة والدين والعرق وغيرها، وقد تتوطد في أحيان كثيرة بناء على المعطى الاقتصادي والأمني وحده فقط كما هو حاصل في عدد من التكتلات المزدهرة كالاتحاد الأوروبي مثلًا.
سُجلت في نطاق العالم العربي عدة محاولات لبناء تكتلات تجسد الطموحات المبنية على المشتركات الكثيرة التي تجمع بين شعوب المنطقة، إلا نها لم تكن في مستوى التطلعات لأسباب كثيرة، وقد شهدت هذه المحاولات تجربة جزئية ناجحة لحد الآن وهي “مجلس التعاون الخليجي” وتبقى تجربة “اتحاد المغرب العربي” تراوح مكانها لعوامل متعددة ، ولم تبرز لحد الساعة المبادرات الكافية لضم التكتليين المحوريين أو على الاقل تحقيق نوع من الاتحاد الذي يرجع بالنفع على شعوب المنطقة العربية
من الناحية الاقتصادية، فقد برزت استثمارات خليجية في المنطقة المغاربية إجمالاً فقد تزايدت من حوالي36 مليون دولار في سنة 1990(ما يمثل نسبة 8% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة) إلى حوالي 2986 مليون دولار في سنة 2012 (ما يمثل حوالي 40% من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة). وهذا يبين أنها تضاعفت أكثر من 82 مرة تقريبًا. الشيء الذي يشير بزيادة حجم تلك الاستثمارات المصنفة ضمن الاستثمارات البينية العربية-العربية، وفي المحصلة فقد مثّلت الاستثمارات الخليجية حوالي ربع الاستثمارات الدولية في المنطقة المغاربية. وعلى الرغم من حجم الانتقال في الاستثمارات الخليجية في المنطقة المغاربية إلا أنها لم تحقق بعد القفزة النوعية اللازمة الذي تقتضيه العلاقات التاريخية والثقافية بين التكتلين. تظهر العلاقات الأكاديمية بين التكتلين ضعيفة وغير ذات معنى من حيث قلة التشبيك العلمي والأكاديمي بين النخب في الفضاءين على عكس العلاقات بين كل تكتل مع الجامعات الغربية. وتشير المعطيات السالفة الذكر الى وجود اختلالات بنيوية في العلاقات الراهنة بين منطقة المغرب العربي والخليج العربي.
جمعية (مركز) البحوث والدراسات لاتحاد المغربي تطرح تلك الاشكاليات -وغيرها- للنقاش العلمي وذلك بمشاركة خبراء ومختصين من مختلف الأقطار المغاربية والخليجية والمشرقية سعيًا للبحث في إمكانية إيجاد آليات جديدة فعالة لتوطيد العلاقات الخليجية المغاربية، تقدم كمقتراحات لصناع القرار في الفضائين والمشرقي (الخليجي) والمغاربي. وذلك وفق عدة محاور أهمها، التكامل الاقتصادي المغاربي – والمشرقي (الخليجي) بين الواقع والافاق. ومستقبل الأمن القومي الشامل بين الفضائين المغاربي والمشرقي (الخليجي) حتميته وواقعه وافاقه. والعلاقات الثقافية والشبابية والاجتماعية، بين الفضائين. وكذلك العلاقات التربوية والجامعية والبحثية بين المنطقتين، والعلاقات السياسية بين دول المنطقتين. وكذلك مكانة الديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقتين.
الواقع انه لا مفر من التواصل بين المشرق والمغرب العربي، وذلك من اجل التطلع إلى المستقبل، في ضوء ظروف العصر وملابساته. تبقى التجربة محل التقدير.. وتونس تخطو نحو التعاون الدولي.
اترك رد