لم تكن المؤسسة الدينية في تاريخ الإسلام حكرا على الرجال فقط، بل كانت المرأة تجلس في الحلقات العلمية وتروي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل أم معقل الأسدية، وترجم المؤرخون وأصحاب التراجم لفقيهات شهيرات مثل ست العرب بنت يحي الدمشقية التي تتلمذ لها الشيخ ابن تيمية ومثل فقيهات قرطبة اللواتي علمنا الفقيه إبن حزم الفقه واللغة والمنطق، كما أنهن تولينا مشيخة مؤسسات دينية وكان لهن دور في الحياة الروحية والعمل الخيري مثل رابعة العدوية التي أدخلت مفهوم ” المحبة الإلهية” إلى السلوك الصوفي وكانت مثلا للمتعبدات وقد انتقل إلى الفضاء السني المغاربي تقليد قبول المرأة أن تتولى القيادة الروحية والعمل الخيري الاجتماعي فارتبطت مدن عندنا بأسماء نساء ندعوهن بلالة اي سيدتي ومنهن السيدة المنوبية بتونس ولالة زينب ببوسعادة التي تولت مشيخة الطريقة الرحمانية ولالة صفية بعين الصفراء وجنوب تلمسان ولالة مغنية وغيرهن كثيرات.
إنّ العمل الوقفي والخيري كانت تتسابق عليه النساء في الجزائر، وتشهد عليه تلك الوثائق والعقود الموجودة في بعض خزائننا ومكتباتنا العتيقة، كما أنهنّ كنّ يوقفنا المصاحف وكتب الفقه والعلوم الدينية في المساجد للفقهاء والعلماء، ويكتب في بداية الكتاب” هذا وقف أمة الله فلانة بنت فلانة…”.
كما أنّ بعض مقابر الجزائر هي أراضي وقفية أوقفتها سيدات مثل العالية بالجزائر العاصمة، والقايدة حليمة بوهران، كما بنوا مساجد في هذه المدينة (ونعني وهران) منها مسجد الشيخ بن كابو( شيخ الطريقة التيجانية) ومسجد الشريفية بالمدينة الجديدة.
كما نعلم أيها السادة، أنه في حالة الشدائد والحروب وفي الثورة التحريرية تحديدا أوقفنا الأموال والذهب. كما تولينا في حقب تاريخية مهنة التدريس ببعض زوايانا الصوفية؛ ولذلك نسب بعض العلماء والصلحاء لأمهاتهم، مثل سيدي بن زرفة الدحاوي، وسيدي يحي بن لالا صفية، وسيدي أمحمد بن عودة، وغيرهم كثير،…
إنّ هذا اليوم الدراسي(والذي يصادف احتفالنا بعيد المرأة يوم 08 مارس) يحاول أن يبرز الوظائف الروحية والاجتماعية للمرأة وحضورها في الذاكرة الجزائرية كفاعل إيجابي، وهذا لكون مرجعيتنا في فضائها المتسامح تقبل بالمرأة كفقيهة ومرشدة؛ بل أن تتولى المشيخة الروحية، وتعطي الورد والأذكار للمريدين والأتباع، مثلما اشتهرت بذلك السيدة لالا زينب بنت سيدي بلقاسم في نهاية القرن 19م.
ولعلّ هذه التنشئة الروحية الاجتماعية أسست لظهور نساء مقاومات كلالا فاطمة نسومر وغيرها. نحن هنا أمام تراث لا يتحدث فقط عن نساء كمتعبدات في المجال الصوفي؛ ولكن أمام نساء صنعن زمنا ارتبطت فيه المقاومة وتحرير الوطن بحبّ الله تعالى وقراءة القرآن الكريم والأوراد.
إنّ مخبرنا ” مخبر الدراسات المغاربية، النخب وبناء الدولة الوطنية” الذي ينظم هذا اليوم الدراسي تحت رعاية مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية وهران، يهيب بالمثقفين والباحثين في ضرورة البحث في قضايا التراث الجزائري ولاهوية الوطنية، وتقديم رؤية استشرافية للعمل الخيري كسلوك مدني، ومؤثر في المجال العمومي.
ويأمل مخبرنا أن نتعاون مع باحثين من أجل إعداد أطروحات وبحوث مشتركة حول مضمون هذا اليوم الدراسي للتحرر من النمطية الموروثة في رؤيتنا للمرأة، والخروج من النقاش التقليدي حول حريتها من عدمها وقضايا المساواة مع الرجل.
ولا يسعنا هنا إلاّ أن نشكر السيد والي ولاية وهران والسلطات المحلية وإدارة جامعة وهران1 أحمد بن بلة، على رعايتهم للنشاط العلمي. والشكر موصول إلى السيد الأستاذ مسعود عمروش مدير الشؤون الدينية والأوقاف لولاية وهران، على حرصه على التعاون مع الباحثين الجامعيين وعلى رعايته المادية لهذا اليوم الدراسي.
كما نشكر الأستاذ الدكتور إبراهيم مهديد مدير مخبر الدراسات المغاربية، النخب وبناء الدولة الوطنية على حرصه هو أيضا ععلى إقامة مثل هذه الندوات العلمية التي تخدم هويتنا الوطنية.
كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأستاذ الدكتور بومدين بوزيد على اقتراحه فكرة هذا اليوم الدراسي على مخبرنا، وتشجيعه لنا.
كما لا يفوتني أن أشكر زميلاتي وزملائي الأساتذة على مشاركتهم في هذا اليوم الدراسي، حيث سنسمع بعد لحظات إلى محاضراتهم القيمة حول تاريخ لالاتنا وجداتنا الصالحات الفاعلات للخير.
شكراً على حسن إصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة الدكتور حمدادو بن عمر ضمن فعاليات اليوم الدراسي حول المرأة في الفضاء الصوفي المغاربي المنعقد يوم 07 جمادى الثاني 1438هـ الموافق ل06 مارس 2017م بقاعة المحاضرات المسجد القطب عبد الحميد بن باديس بوهران.
اترك رد