زواج الأصدقاء: حقيقته وفكرته … عبد الرزاق بهزاد

الدكتور عبد الرزاق بهزاد (المغرب)

يعد الزواج من المسائل التي ترتكز عليها حياة الأسر، ومن الأسرة تتكون الأمة التي تعمل الشريعة على تقوية شوكتها وتهذيب عواطفها، وصوغها في قالب الفضيلة ومكارم الأخلاق، وتنقلها من مكان الشقاء إلى درجات السعادة والهناء، فالفروج لا تحل إلا بكلمة الله، ولا تباح إلا إذا استكملت الشرائط التي بينتها الشريعة الغراء، وهذه الشروط لم تذكر هملاً، بل أحكامه سبحانه وتعالى لا تصدر عفوًا ولا تتوجه لغير مصلحة، فالناظر في أسباب الإباحة أو التحريم التي وردت في نصوص الوحيين –في تشريع الزواج- لا يسعه إلا أن يطأطئ الرأس، إجلالاً لهما ولمبادئهما المطهرة، وأن يعترف بما لها من شرف الغاية ونبالة المقصد…وهذا المقال يكشف عن هَدْي الإسلام في صورة من صور الأنكحة المعاصرة _زواج الأصدقاء_ الذي انتشر مؤخراً في المجتمعات العربية والإسلامية، مما تطلب الوقوف عند هذا النوع من الزواج المعاصر من حيث صورته وأسباب انتشاره، محاولاً تلمّس واقع المجتمع الحديث…
المسألة الأولى: ماهيته
زواج الأصدقاء أو ما يعرف بزواج (فريند) [Friend] شكل لم يعرف في الفقه الإسلامي، وهو في الأصل دعوة أطلقها الشيخ عبد المجيد الزنداني ، من كبار علماء اليمن، لتيسير الزواج على الشباب، وقد نالت هذه الدعوة اهتماماً واسعاً في أوساط الأقليات المسلمة في أوربا، حيث خصصت العديد من المنظمات الإسلامية لقاءات عدة حضرها دعاة ومتخصصون لمناقشة هذه الدعوة، وبيان الحكم الشرعي الصحيح لهذا الزواج (زواج الأصدقاء- فريند).
ودعوة الشيخ الزنداني تتلخص في أنه يتم عقد زواج شرعي للشباب المسلم من دون اشتراط توفير المسكن أو النفقة، بل يبقى الزوج الشاب والزوجة الشابة كل في منزل والديه، ويلتقيان في خلوة شرعية، ويتفقان على ألا ينجبا أطفالاً ما داما في مسكنيين منفصلين، ويبقيان على هذه الحال حتى يتمكنا من إنهاء دراستهما، والحصول على عمل، وتوفير مقومات فتح بيت خاص بهما وتأسيسه، والإنفاق على نفسيهما وأولادهما.
ولعل المقصود من استخدام مصطلح (فريند) [Friend] هو التعبير عن أنه زواج أصدقاء، طالما لا يستطيعان تأسيس بيت للزوجية مستقل بهما.
ولفظة (زواج) تفيد بوجود عقد شرعي بين الزوجين، ولكن اختياره لفظة (فريند) أي: الصديق والصديقة قد يؤدي إلى تشويش حول مصداقية هذا الزواج وشرعيته، ولذا كان الاعتراض على هذا اللفظ من قبل بعض العلماء، لأن ( الفريند) في المفهوم الغربي يعني: المصاحبة والصداقة، وإعطاء هذا الزواج – الذي هو زواج شرعي- هذا العنوان ربما يشجع الآخرين على السير مع العنوان دون الشرع، فهناك خطورة في استعمال المصطلحات الغربية على هذا النوع من الزواج الشرعي، لأنها تضفي عليه صبغة عدم الشرعية.
المسألة الثانية: المجتمع الغربي وفكرة زواج ” فريند ” [Friend]
عزا الشيخ الزنداني إطلاقه لهذه الفتوى إلى طلب تلقاه خلال زيارة قام بها إلى أوروبا للإسهام في حل مشكلة أبناء الجاليات هناك الذين لا تستطيع أسرهم منعهم من إقامة علاقة خارج إطار الشرع، وتوقع أن هذه الفتوى ستحافظ على أبناء المسلمين في أوروبا، وتصون أعراض العائلات، وتحفظ النسل من الضياع، كما ستمكن الجاليات العربية والإسلامية من مواجهة تأثيرات المجتمع الغربي.
ويضيف قائلا: “زوج فريند.. جاءت عندما كنت أتحاور مع أحد الإخوة القادمين من أوروبا، فجاء ذكر حال الشباب وما يتعرضون له من ضغوط ومفاسد حتى لا يكاد الأب يسيطر على ابنه أو ابنته، لأن المجتمع ضاغط عليهم ضغطاً شديداً، بل يأتي الولد إلى بيت أبيه ومعه صديقته، والأب والأم يعلمان أنها صديقته وأنه يعاشرها، وكذلك الفتاة تُحْضر الشاب إلى بيتها على أنه صديقها، والصديق والصديقة قد يكونان من الشباب المسلمين.. فقال لي ذلك الأخ إن مشكلتنا هي (boy friend – girl friend) الصديق والصديقة، فأنا قلت إن علاج المشكلة هي زوج فريند (Zawj friend) وتستند أساساً إلى الأركان الواجب توافرها في الزواج الشرعي والمحددة بوجود المأذون والشاهدين وصيغة العقد والمهر المتراضي عليه، إضافة إلى ما يستوجبه من إشهار لعقد الزواج وإعلانه، وليس في هذه الشروط وجود منزل مع الزوج”.
ومنعاً للفتنة أشار الزنداني إلى أن تطبيق “زواج فريند” في الغرب بين أبناء المسلمين يؤدي إلى اتقاء شرور الفتن الأخلاقية، وذلك بإيجاد الحلول الشرعية المناسبة من خلال تيسير الزواج، لأنه يمكن لأي شاب وشابة أن يرتبطا بعقد زواج شرعي من دون أن يمتلكا بيتاًَ، إذ يكتفي في البداية بأن يعود كل منهما لمنزل أبويه بعد اللقاء.
ويفسر الزنداني” المقصود بالزواج بأنه هو الزواج الشرعي وفق القواعد الشرعية، وهي مسألة شرعية، فالأب يرضى وكذلك الولي والزوج والزوجة، والعقد يتم بناء على رضا الطرفين (إيجاباً وقبولاً)، والمهر يحدد، ثم له بعد ذلك أن يخلو بها فهي زوجته وهو زوجها. والمطلوب من الزواج هو الإشهار، ويكون هذا العقد أمام مجموعة من المسلمين في المسجد أو في مكان عام، ليعلم الجميع إذا جاء ولد من هو أبوه، فما يحدث في أوروبا والغرب أن الفتاة تحمل، ولكثرة من يمرون عليها من (boy friend) لا يعلمون من والد ذلك الطفل ولا يستطيعون تحمّل ولد لا يعلم إذا كان ابنه أم لا.. “.
وقد أكّد أيضاً أن الصيغة الشرعية الصحيحة الموجودة في الزواج يمكن تطبيقها في أوروبا باسم “زواج فريند”، لأنها صيغة شرعية إذ اكتملت فيها أركان الزواج الشرعي. لكن لم نشترط ما لم يشترطه الشرع من بيت وغيره، فيسكن الزوج في أي مكان، فهذه الصيغة تناسب أهل الغرب، لأن الفوضى الجنسية ضاربة وتجرف شبابهم وشاباتهم إلى شيء اسمه صديق وصديقة، فعندهم العلاقات الزوجية تقوم على الصداقة ولا تقوم على الزواج الشرعي، أما في بلاد المسلمين فالفتوى تتغير من مكان إلى مكان، لذا أطالب بتسهيل الزواج والزواج المبكر وخفض المهور.
ويُذَكِّر الزنداني هنا بقاعدة ” التيسير ” التي يستند عليها الفقة الإسلامي شرعياً وتاريخياً بخصوصية المكان والزمان ومراعاة هذا الفقه للمتغيرات الجارية على حياة الناس، ومن هنا جاءت دعوته إلى النهوض بما يعرف “بفقه الأقليات” والعمل الدؤوب على تطويره… ولتقريب الصورة أكثر اعتمد الشيخ الزنداني على استعمال القياس فقال: إنه بدلاً من أن يدخل الشباب المسلم في الغرب في علاقات ” بُويْ فرِينْد” (boy friend) وغير فريند، يجب أن تتاح له علاقة زوجية ميسرة دون امتلاك منزل لأنه كما سبق التوضيح البيت ليس شرطاً شرعياً من شروط صحة الزواج.
وقد أثارت الفتوى جدلا واسعا في العالم الغربي والعربي والإسلامي- باسم زواج فريند-، ثم أكد أنها زواج ميسر.
ومهما اختلفت التسمية إلا أن فتوى الزنداني لاقت ردود فعل متباينة ما بين التأييد والمعارضة، البعض رآها وسيلة للقضاء على المشاكل التي تواجه الأقليات الإسلامية بالغرب في ظل ظروف مجتمعية صعبة وتحديات جمة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية، في ظل مجتمعات ينتشر فيها الانحلال والفساد وتفتقد للقيم الإسلامية، لذا كان الزواج هو الحل ليخفف من تلك المعاناة بما يتناسب مع تلك المجتمعات، خاصة أن أركانه من الناحية الشرعية متوافرة.
أما الجانب المخالف له، فقد أكد أن الفتوى تعد ستارا وبابا خلفيا للفساد والانحلال الأخلاقي، ووصل الأمر إلى وصفها بالزنا المقنن، وأكدوا أنها باطلة لافتقادها شروط الزواج وأركانه الأساسية وتهديده لسلامة البناء العائلي من جهة ثانية، بالإضافة إلى كونه يثير مشكلة الاحتكاك بين قيمنا الإسلامية الأصيلة وبين القيم السائدة في بلاد الغرب حول مسألة بالغة الدقة تتعلق بما هو حلال وما هو حرام في العقود والعهود التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة.
وما بين الشد والجذب تباينت الردود حول فتوى الشيخ الزنداني الذي يصر على أن فتواه تعد تيسيرا للزواج وتصحيحا لوضع يعتبره من وجهة نظره شاذا.
الملحقات:
1- رئيس جامعة الإيمان باليمن، ورئيس مجلس الشورى في حزب التجمع اليمني للإصلاح.
2 – المشكل طُرِح قديمًا، أما اليوم فقد استطاع الطب الحديث –عبر التحليلات- التوصل إلى معرفة الأب الحقيقي للطفل المشكوك في نسبه.


نشر منذ

في

من طرف

الكلمات المفاتيح:

الآراء

  1. الصورة الرمزية لـ سميه
    سميه

    اللهم اجعلنا من المتفقهين ولكل مرحلة ومكان وزمان فقه يتناسب مع حاجات الانسان الا المفصل من القران والصريح من القول وكثيرا من الذين يعترضون على الفتوى لا يستطيعون ايقاف الفوضة فى العلاقات بين الجنسين فى بلاد المسلمين ناهيك فى بلاد الغرب والناظر الى حالة الطالبات فى كثيرمن الدول وعلى سبيل المثال عندنا فى السودان نجد دور الاطفال اللقطاء اغلبها من الطلاب والطالبات وقصص نستحى ان نحكيها لذا يجب الاقتناع بالفكره لانها مكتملة الاركان الشرعية لعقد الزواج من ولى ومهر واشهار وهذا خير من الفوضة وانتهاك حقوق الاطفال ورميهم فى براميل الاوساخ ولربما تاكلهم الكلاب والقطط

  2. الصورة الرمزية لـ سميه
    سميه

    اللهم اجعلنا من المتفقهين ولكل مرحلة ومكان وزمان فقه يتناسب مع حاجات الانسان الا المفصل من القران والصريح من القول وكثيرا من الذين يعترضون على الفتوى لا يستطيعون ايقاف الفوضة فى العلاقات بين الجنسين فى بلاد المسلمين ناهيك فى بلاد الغرب والناظر الى حالة الطالبات فى كثيرمن الدول وعلى سبيل المثال عندنا فى السودان نجد دور الاطفال اللقطاء اغلبها من الطلاب والطالبات وقصص نستحى ان نحكيها لذا يجب الاقتناع بالفكره لانها مكتملة الاركان الشرعية لعقد الزواج من ولى ومهر واشهار وهذا خير من الفوضة وانتهاك حقوق الاطفال ورميهم فى براميل الاوساخ ولربما تاكلهم الكلاب والقطط

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: