أ.د. إسماعيل محمود: أستاذ الأدب والنقد في قسم اللغة العربية وآدابها – كلية التربية بالزلفي – جامعة المجمعة
لا تفصح “العَضَّةَ” لعبد الله السعدون عن هُوِيَّة جنسها الأَدَبِيّ بسهولة، ولعل منهجية البناء وطريقة العرض التي انتهجها المؤلف هي التي أوجدت الصعوبة وأوقعت في اللبس؛ لأنه عمد إلى تقسيمين متزامنين للرواية، انتهج في الأول التقسيم العلمي القائم على الفصول، وانتهج في الآخر التقسيم الأَدَبِيّ القائم على ذكر عناوين الموضوعات حسب دلالتها الأَدَبِيّة، وهو ما يجعل من رواية “العَضَّةِ” عملا مراوغا.
ولقد قادت الثنائية في البناء والمزواجة في العرض إلى اختلاط الأمر على المتلقين، وكان من الطبيعي أن يتحيروا في حقيقة الكتاب، وأن يتقبله البعض على أنه كتاب مقدم بأسلوب أدبي في التنمية البشرية وتطوير الذات، وأن يتقبله البعض الآخر على أنه عمل أدبي يندرج تحت أجناس الأدب، ولعل هذا الصنيع ما قاد البعض إلى إدراج “الْعَضَّةِ” في عداد القصة القصيرة، وقاد البعض الآخر إلى إدراجها تحت فن السيرة الذاتية.
وفي الحقيقة: إنني شخصيا وقعت في الحيرة والتردد فيما يخص الجنس الأَدَبِيّ “لِلْعَضَّةِ”، ولم أستطع الجزم برأي عن جنسها الأَدَبِيّ إلا بعد القراءة المتأنية الفاحصة لتفاصيلها، وقد قادني الاقتناع في الأخير إلى أن أنسبها إلى فن الرواية؛ لأنها اشتملت – في اعتقادي – على كل المقومات الفنية التي تقوم عليها الرواية.
وقد كشفت الدراسة أن رواية “الْعَضَّةَ” احتفت باللغة وأولتها عناية خاصة، وكان هذا الاحتفاء تأسيسا على حيوية اللغة في الأعمال الأَدَبِيّة، ومع التسليم بأن بناء المؤلف لمقومات الرواية وعناصرها الفنية جاء مبتكرا وفريدا؛ لأن هذه المقومات لا تفصح عن وجودها إلا بعد عناء، فضلا عن تصدير الرواية بالحكاية الإطارية المؤسسة والاختزال في الشخصيات والاقتصاد فيها، وهذا الحكم لا يعني البتة أن رواية “الْعَضَّةَ” تقف على قدم المساواة مع بعض الأعمال الروائية التي استخدم مؤلفوها تقنيات السَّرْد بحرفية عالية، بقدر ما يعني أنَّ رواية “الْعَضَّةَ” بداية صالحة للمؤلف ومحرضة له على أن ينطلق منها إلى تقديم مشروعات روائية متمكنة وذات حرفية عالية، خاصة وأن المؤلف يملك موهبة مواتية في عالم السَّرْد، وصاحب ملكة فطرية تحتاج إلى صقل ومران.
اترك رد