كمال حمريط: باحث دكتوراه كلية الحقوق ابي بكر بلقايد بتلمسان
يعتبر الدفع بعدم دستورية القوانين آلية جديدة للرقابة في المنظومة القانونية الجزائرية، نصت عليها المادة 188 من دستور 2016، في الفصل الاول من الباب الثالث تحت عنوان الرقابة .متأخرة بذلك قياسا مع العديد من الدول،كالولايات المتحدة الامريكية وفرنسا.واسبانيا ،والمانيا.
ومن خلال تحليل للمادة188 من التعديل الدستوري لسنة 2008 من منظور مقاربة مرتكزة على حماية الحقوق والحريات ،يمكن من استخلاص ان المشرع الدستوري حدد للمجلس الدستوري مهمة تتجاوز مجرد حماية النظام الدستوري الموضوعي ،وذلك عبر ادراج المشرع الدستوري لأول مرة آليات تمكن من حماية الحقوق والحريات من طرف المحكمة عبر تمكين الاطراف في حال نزاع قضائي من الولوج الى المجلس الدستوري في حال الدفع بعدم دستورية اذا كان القانون الذي سيطبق في النزاع ،يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور.
وادراكا من المشرع الدستوري الجزائري بالاهمية الحيوية لهذه الالية من الرقابة في تحقيق العدالة الدستورية وكفالة الحقوق والحريات للافراد ،وفي بناء دولة عصرية ،فقد نص في التعديل الدستوري لسنة 2016 ،على الاخذ باسلوب الدفع بعدم الدستورية،وبذلك فحق إحالة القوانين غير الدستورية على المجلس الدستوري لم يعد قاصرا على الطبقة السياسية، بل أصبح من حق المتقاضين أيضا من خلال قانون الدفع بعدم الدستورية، مما يشكل ثورة حقوقية ونقلة نوعية وخطوة حاسمة في النظام الدستوري الجزائري.
ومن أبرز الإشكاليات المثارة في هذا الصدد تلك المرتبطة بقانون المراجعة عن طريق الدفع بعدم دستورية القوانين؟وأخرى تهم نظام تصفية الطلبات لتفادي احتمال حدوث اختناق للمجلس الدستوري الذي يتصف بمحدودية أعضائه(12 عضو) والتي يتشكل من هيئة واحدة؟،وفي أي درجة من درجات التقاضي ستتم إحالة القضية على المجلس الدستوري ؟وما هي الآليات الاحترازية التي يمكن إقرارها لضمان التحقق من جدية الدفع بعدم الدستورية؟ و كيف يمكن تفادي أن يتحول قاضي الموضوع إلى قاض دستوري سلبي.؟إضافة لإشكالات متعلقة بالآثار المترتبة عن قرار المجلس الدستوري في مجال الدفع بعدم الدستورية؟.
وللاجابة على هذه التساؤلات ،سنركز دراستنا على النحو التالي:
_المطلب الأول:ماهية الدفع بعدم الدستورية في القانون الجزائري واهدافها:
فاذا كانت الرقابة بطريق الدعوى تتخذ طريق الهجوم المباشر على القانون محل النزاع،فان الرقابة بطريق الدفع ليست كذلك .فهذه الوسيلة، تسمح للخصوم المتضررين اثناء قضية اونزاع منظور امام محاكم الموضوع بالدفع بعدم دستورية القانون الذي يراد تطبيقه في هذه القضية ،فاذا تبين للمحكمة ان الدفع جدي فانها توقف النظر في القضية الاصلية لحين تقرير دستورية القانون .
وهكذا يتضح ان هذه الطريق تمثل “وسيلة دفاعية” ينظر فيها صاحب الشأن اثناء نظر دعواه حتى يراد تطبيق قانون عليه مع انه يتضرر منه ،ويرى عدم دستوريته ،فيدفع امام المحكمة ” بعدم الدستورية” .
وبالرجوع إلى الفقه الدستوري المقارن و مقارنته بالأنموذج الجزائري ، نجد أن النصوص الدستورية المحددة في المادة 188 من الدستور الجزائري “ليست بشكل دقيق دفعا بعدم الدستورية،- l’exception- الذي يفترض ” أن القاضي العادي المختص بالنظر في الدعوى الأصلية مختص أيضا بالبث في الدعوى الدستورية كما هو الحال في التجربة الأمريكية ” . في حين أن الآمر يتعلق بمسالة فرعية – préjudicielle- تلزم القاضي الذي أثيرت أمامه بالتوقف عن البث في الدعوى الأصلية و انتظار صدور قرار عن القاضي الدستوري المختص في حسم النزاع” .
وامام تأخر صدور القانون العضوي الذي يحدد كيفية وشروط ممارسة الدفع بعدم الدستورية،نجد انفسنا مجبرون على وضع سيناريو محتمل لكيفية تمتع المواطن بهذا الحق وذلك من خلال دراسة تحليلية لمواد الدستور المتعلقة بالموضوع ،وكذا مقارنة بالأنظمة القانونية المختلفة وبناء عليه، فإن هناك عدة نتائج يمكن استخلاصها من خلال هذه المادة 188 من الدستور،منها:
1_إعطاء حق جديد يمكن للمتقاضي من الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم المضمونة دستوريا،من خلال الولوج غير المباشر للقضاء الدستوري مما يشكل نقلة نوعية لتحقيق عدالة دستورية مواطنة (دسترة حق المواطن).
ان لجوء المواطنين بطريقة الإدعاء أو الدفع إلى القضاء الدستوري مُعترف به اليوم في غالبية البلدان، وحتى في أكثر الدول العربية باستثناء لبنان. النموذج المعياري الأكثر دلالة، خارج سياق المراجعة الشعبية المفتوحة والشكوى، هو الدفع بحسب النظام الفرنسي الجديد QPCمع آليات غربلة. يتميّز النهج الفرنسي الجديد اليوم “ببساطته وسرعته وفاعليته وادارته بشجاعة وحكمة ومسؤولية تجنبًا لعدم الإستقرار الإجتماعي والحقوقي” .
وبذلك فحق إحالة القوانين غير الدستورية على المجلس الدستوري لم يعد قاصرا على الطبقة السياسية، بل أصبح من حق المتقاضين أيضا من خلال قانون الدفع بعدم الدستورية، مما يشكل ثورة حقوقية ونقلة نوعية وخطوة حاسمة في النظام الدستوري الجزائري.
2_استبعد بوضوح الطعن المباشر أمام المجلس الدستوري حيث يتعين أن يمر هذا الطعن وجوبا عن طريق المحكمة العليا ومجلس الدولة .”وها خلاف النموذج الالماني حيث جاء في المادة الاولى من القانون الاساسي الالماني “ان الحقوق الاساسية تلزم السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ولها نفاذ مباشر كقوانين واجبة التطبيق”، في حين وضحت مواد أخرى الاجراءات الواجبة الاتباع التي تبيح للافراد تقديم دعوى دستورية مباشرة امام المحكمة الدستورية اذا ما انتهك حق من حقوقهم” .
كما أجاز الدستور الأسبانى فى الفقرة الثانية من المادة (161) منـه رفع الدعوى الدستورية المباشرة بواسطة الفرد أمام المحكمة الدستورية الأسبانية بسبب مخالفة الحقوق والحريات المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة (53) من الدستـور وهى الحقـوق والحريات العامة المنصوص عليها فى الفصل الأول من الباب الثانى من الدستور، ويتوافر هذا الحق لكل شخص طبيعى أو قانونى له مصلحة مشروعة، وكذلك الحال لمحامى الشعب، وجوهر الرقابة على دستورية القـرارات مـن خلال الدعوى المباشرة التى يرفعها الأفراد يتمثل فى أن المدعى ينقل قضيته الموضوعية مباشرة إلى المحكمة الدستورية دون أن يتوسط فى ذلك قرار من المحكمة العادية أو قرار من أية سلطة أخرى .
3_ان هذا التغيير سيمس كذلك بالاساس وظيفة القاضي العادي او الاداري ،الذي كانت مهمته فقط تطبيق القانون ،حيث سيصبح على القاضي من الان فصاعدا اصدار احكام تتعلق بالتصريح بمدى جدية الدفع بعدم دستورية قانون.
4_حصر الدفع بعدم الدستورية في القانون المتعلق بالحقوق والحريات المكفولة دستوريا مستبعدا إمكانية الطعن في دستورية القرارات الإدارية والأحكام القضائية. فلايكفي أن النص التشريعي مخالف للدستور ،حيث يتوجب أن هذا النص التشريعي محل الطعن ينتهك الحقوق والحريات المضمونة دستوريا.
5_أن يوجه الدفع إلى القانون الذي سيطبق في النزاع أي الذي له انعكاس مباشر على مآل الدعوى المعروضة على المحكمة المختصة .
_6_خطر فردنة القانون individualisation du droit من خلال فتح مجال مراجعة القضاء الدستوري للمواطنين كافة، بدون آليات تصفية، مع ما قد يستتبع ذلك من تضخم وتجاوز. مع الاقرار بضرورة ان تكون العدالة الدستورية في خدمة المواطن، تطرح المبالغة في المراجعة الفردية وانطلاقًا من الاختبار اشكاليات تنظيمية عديدة. تنمي العولمة الهويات الفردية والجماعية وايضًا الحاجة الى مزيد من الصلة الاجتماعية والتضامن .
7_ تلعب المحاكم دور المرشح ( المصفي) التي يحئول دون الإثقال من أعباء المجلس الدستوري عبر غربلة الطلبات لاستبعاد تلك تشوبها المجاوزات أو التكرار، لكن الطريقة غير المباشرة لها سيئة واضحة تتمثل في توقف فعاليتها على نحو كبير على قدرة تلك الهيئات على تحديد الاحكام العامة التي قد تكون مخالفة للدستور،ورغبتها في تقديم طلبات الى المجلس الدستوري .
المطلب الثاني :شروط إثارة الدفع بعدم دستورية قانون أمام الجهات القضائية
إن رفع الدعوى الدستورية بطريق الدفع الفرعي هي أكثر الأساليب شيوعاً لتحريك الدعوى الدستورية, وتكون بأن يدفع أمام قاضي الموضوع بعدم دستورية قانون يمس بحق من الحقوق أو بحرية من الحريات التي يضمنها الدستور, وهنا لا يجاب مبدي الدفع إلى دفعه تلقالياً بل لا بد أن يتأكد القاضي أولا من توفر شروط ، وذلك تطبيقا لأحكام للمادة 188 من التعديل الدستوري 2016، التي تحدد شروط تطبيق الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول، يراد تطبيقه بشأن نزاع معروض على المحكمة،في حالة الادعاء من صاحب المصلحة ان الحكم التشريعي الذي سنطبق على النزاع أنه يمس بحق من الحقوق أو بحرية من الحريات التي يضمنها الدستور.
والمتمثلة في مايلي
_أ _ ان يكون الدفع بعدم دستورية قانون من احد اطراف الدعوى:
كل مدع أو مدعى عليه في قضية معروضة على المحكمة. رغم ان النص الدستوري لم يحدد اطراف الدعوى ،هل المقصود هم الاصليين ام الانظماميين؟وهل يجوز للنيابة العامة وللجمعيات ان يمارسو الدفع بعدم دستورية القوانين امام محاكم الموضوع ؟وهل يجوز للمتدخل التبعي كما يجوز للمتدخل الأصيل في الدعوى ،أن يثير الدفع بعدم دستورية القوانين؟ .
ب_ ان يكون الدفع يستند الى حق او حرية مضمونة دستوريا :
والغرض من اقامة الدفع حماية الحق او الحرية بتقريرها اذا ما نوزع فيها ، فالحق والحرية وجهان لعملة واحدة،هذه الحقوق قد تكون فردية وقد تكون جماعية ،وبالرجوع الى ديباجة الدستور نجدها تنص في الفقرة 12 على أن :” أن الدستور فوق الجميع ،وهو القانون الاساسي الذي يضمن الحقوق والحريات الفردية…..” .ولقد وسع التعديل الدستوري الجزائري لسنة2016 في مجال الحقوق والحريات وهذا في اطار تدعيم دولة الحق والقانون ونال هذا المجال بذلك حصة الأسد من هذا التعديل
ج_ الطابع الجديد للدفع بعدم الدستورية:
يجب الايكون قد سبق صدور قرار من المجلس الدستوري في موضوع الدفع بعدم الدستورية مرتبطة بموضوع الدعوى ذاتها،وهذا تطبيقا لمبدأ حجية الشيئ المقضي به. وهذا من منطلق أن قرارات المجلس الدستوري غير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن بما في ذلك طلب إعادة النظر.
د_ الطابع الجدي للدفع بعدم دستورية القانون :
يجب التاكد من الطابع الجدي للدفع بعدم الدستورية ، خاصة في حالة تعسف بعض المتقاضين في استعمال حق الدفع بعدم الدستورية، مما قد يترتب عنه “اختناق” المجلس الدستوري، علما أن هذه الأخير يتسم بمحدودية أعضائه (12 عضو)، وتشكيله من هيئة واحدة، فضلا عن ممارسته لمهام أخرى استشارية وفي الطعون الانتخابية.
ويذهب رأي فقهي إلى أن المقصود بالطابع الجدي أن يكون الدفع متصلاً بموضوع النزاع, ويقصد بذلك أن تكون مسألة الدستورية المثارة متعلقة بنصوص قانون من القوانين أو اللالحة التي يمكن تطبيقها على الدعوى الأصلية على أي وجه من الوجوه, وأن الحكم بعدم الدستورية سيفيد منه صاحب الشأن في الدعوى المنظورة, وعلى ذلك فإذا أتضح للقاضي أن القانون أو اللالحة المطعون بعدم دستوريتها لا تتصل بالنزاع المعروض عليه قرر رفض الدفع بعدم الدستورية, واستمر في نظر الدعوى الموضوعية دون التفات المسألة الدستورية.
ويستشف من القراءة المتأنية للمادة 188 من الدستور ، استبعاد خيار الطعن المباشر امام المجلس الدستوري ، فهذا الطعن يتعين ان يمر بوجوبا عن طريق الطعن غير المباشر امام محكمة الموضوع العادية ، كما هو الشان في اغلب الانظمة الدستورية المقارنة ( فرنسا ،اسبانيا…)، والسؤال المطروح هل تحيل محاكم الموضوع الدفع بعدم الدستورية ، مباشرة الى المجلس الدستوري ،أم لابد من وضع وسيلة للتصفية قبل عرض الامر على القضاء الدستوري؟ .من خلال المادة 188 من الدستور، والقانون الداخلي للمجلس الدستوري،اقر بازدواجية التصفية ،امام محاكم الموضوع ،يتم إحالتها أمام مجلس الدولة والمحكمة العليا.
_ الاقـــــــــــــتراحات والـــــــــــــــتوصيات
_اقتراح احداث هيئة صلب المحكمة العليا ومجلس الدولة للنظر في وجاهة الطعن .
_ يشترط لقبول الدفع بعدم الدستورية أن يتوافر للمدعى فيها مصلحة قانونية وشخصية مباشرة، والتى تعنى بإيجاز شديد أن يكون قد أصابه ضرر فعلى من جراء تطبيق النص التشريعى غير الدستورى عليه.
_ إحداث غرفة للتصفية ثالثة بالمجلس الدستوري لكن قضاتها لايجب ان يشاركوا فيما بعد في البت في الدفع بعدم الدستورية. ان ضغط الملفات المتعلقة بالدفع بعدم الدستورية التي قد تحال الى المحكمة العليا ومجلس الدولة يستلزم ايجاد منهجية موحدة لمراقبة جدية الدفع بعدم الدستورية ،وبالرجوع الى النظام الفرنسي يلاحظ أن هذه التجربة أبانت عن ولتفادي تضارب الاجتهاد القضائي بين مجلس الدولة والمحكمة العليا حول إحالة أو عدم إحالة ملفات الدفع الى المجلس الدستوري ، ،ولتدارك هذه المعضلة يفضل إحداث غرفة للتصفية ثالثة بالمجلس الدستوري لكن قضاتها لايجب ان يشاركوا فيما بعد في البت في الدفع بعدم الدستورية.
اترك رد