سالم خليفة بحر: باحث دكتوراه في الشريعة والقانون المقارن – جامعة باريس 2
يقول عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه٫ والمجمع على رشده من الأمة بلا مطعن ولا خلاف “أنثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين”
إن الناظر في هذه الكلمة العظيمة عالم أوجاهل إلا ويوقن أنها قاعدة عظيمة من قواعد العدل في توزيع المال٫وقصة هذه المقولة٫ أنه لمّا فاض بيت مال المسلمين بالجبايات والأموال٫ أمر عمر عمّاله بتوزيع المال حسب حاجة الناس الأول فالأول٫ فلما فضل جاءه عمّاله٬ فقالوا زاد المال يا أمير المؤمنين٫ فقال هل أخذ كل حقه٫ فقالوا نعم؟ فقال هل نظرتم في أهل الكتاب فينا فلهم عهد وذمة٫فقالوا لا فقال أرزقوهم منه٫ ففعلوا فزاد المال٫ ثم رجعوا وقالوا زاد المال٫ وهكذا فسألهم أن يتتبعوا الفقراء حيث كانوا في ظل بلاد الإسلام حينها وفي خلافته الراشدة٫ فمازال في المال فضل٫ فقالوا يا أمير المؤمنين زاد المال وفضل٫ فقال حينها خذوا القمح وأنثروه على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين
قاعدة عظمية٫ ولفتة من أمير ذا عدل وإنصاف٫ ملئ بالرحمة والرفق والعدل على رعيته من مشاشط رأسه إلى مشاشط قدميه٫ وعَلِمَ أن المال الذي ولّاه الله هو من حق الرعية بحق كتاب الله لا بحق الهوى والتفضل ٫ وما دعاني أن أكتب في هذه القاعدة أني وقفت في إحدى الأسواق لشراء حاجة الأهل٫ وإذ بي في صف الانتظار للمشترين ٫ حدث هرج بسيط مع البائعة مع زبون٫ فلما جاء الدور دار بي الفضول لمعرفة السبب٫فسألت السيدة٫ فقالت لي السيدة أن المشتري لم يستطع دفع الثمن؟!٫ وقالت بأنه سيحضر ما نقص ليشتريه٫فلما خرجت وجدته يتكفف الناس للحصول على ثمن طعام أراد أن يأكله وتركه لعدم القدرة٫ فتذكر بذلك قاعده عمرية عزيزية٫ أعز الله قائلها في الآخرة كما أعزها في الدنيا لا لشئ لأنه عادل٫ فمن هنا رأيت أن كل أمة تجد فيها من يسأل الناس حاجة فأعلم يرعاك الله أن هناك خلل في توزيع المال٫ وأن النطام المعمول به في توزيع الثروة نظام غير ناجع٫ يجب مراجعته
حيث جل مشاكل الأمم اليوم والأفراد والأسر والهيئات والأشخاص وحدث ولا حرج علي جميع المستويات هي قائمة علي سوء توزيع الثروة والمال
فلذلك ترى أن الناس يسعون في جمع المال دون تمييز لحلاله من حرامه كما قال صلى الله عليه وسلم “يأتي زمان على الناس لا يبالى الرجل من أين أخذ المال أمن حلال أم من حرام” والله إنه لعين اليقين اليوم إلا من رحم الله٫ حيث ترى أن الذي يدرس الطب لا للطب ولكن لما يرجوه من تلك المهنة بعد ذلك٫ والدارس للفقه لا للفقه ولكن لما يرجو منها٫ وهكذا دواليك٫ حتى أن سبب الطلب الحثيث والحرص الشديد على أخذه من أي وجه خلط الأمور والأوراق حتى لا يكاد لك أن تفكها باليسير وأصبحنا نغوص في العسير٫ فالكثير من الناس اليوم أصبح يمتهن ما لا يتقنه٫ ويتفنن في ما لا يعرفه٫ بل أنك تجد من يزاحمك بالكلام في موضع السكوت٫ ويتطاول عليك في موضع التعليم٫والسبب تفكيره مالي صرف٫ وله العذر من جانب٫والعتاب من أخرى يطول المقام لشرحه ٫
لذلك أوصيكم ونفسي بإعادة النظر جيداً في توزيع المال فهو إحدى خمس أمور نُسأل عنها يوم السؤال أمام الملك الديان٫ الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة ٫
وفي هذه المناسبة عند الحديث عن مقوله عمر فإن هذه القاعدة العمرية العزيزية أصبحت عادة في بلاد تركيا منذ زمن بعيد حيث ينثرون القمح على رؤوس الجبال وقت سقوط الثلوج عليها ويغطيها بشكل كامل٫ وذلك رحمة من أهل البلاد بالطيور٫ فنحن اليوم نحتاج لتطبيق هذه القاعده العمرية قبل الطيور٫ أن تكون قاعدة عزيزة في أهلنا ٬وفي أنفسنا ٬وفي أوطاننا٫ إذ من العجب أننا أصبحنا نترك إخواننا يفترشون الأرض ونتفاخر بمنعهم القمح لتركيعهم من أجل مراهنات سياسية أو إقليمية أو جزبية أو أو ٫ ونتركهم ينقبون الأرض حتي يصلهم القمح٫
فيا ليت شعري بعد قول عمر أن تكون كلمة عمر قاعدة لها أثر في قلوب من يتمنوا مكان عمر٫ويبحثون أن يتبؤوا نفس المقام الذي ظفر به عمر٫ وأن يرعوا الله في أموال المسلمين٫ وأن المسلم لا يؤمن إذا بات شبعان وجاره جائع فما بالك بمن بات وشعبه جائع يتكفف العراء٫ أو إخوانه في الجوار يمنعهم باسم الأمن القومي والحفاظ علي أمن الأم حفنة قمح٫ كان الأولى أن لا يحرم منه الطير والبهيم فما بالك بالإنسان.
اللهم أهلم أمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهله طاعتك.
اترك رد