د. حسن محمد أحمد محمد: جامعة أم درمان الإسلامية – كلية الآداب – قسم علم النفس
إذا تتبعنا خط سير حياة المرأة منذ النشأة الأولى ، فإننا نجد العديد من التغيرات النفسية والعاطفية التي تخلل حياة المرأة ، فمن ذلك أن البنات في مرحلة الطفولة أقل تأثراً بالاضطرابات النفسية عند مقارنتهم بالذكور في نفس السن .. , وكن عندما تبدأ مرحلة المراهقة (الطفولة المتأخرة ) والتي تتميز بظهور علامات جسدية واضحة ، تظهر في شكل الجسم ووظائف أعضائه (إفراز هرمونات ) ومن أبرز التغيرات التي تحدث للفتاة لأول مرة نزول دم الطمث ، ولا شك أن هذه التغيرات الجسدية تكون مصحوبة بتغيرات نفسية. كذلك تمر المرأة بكثير من المواقف الانفعالية أثناء حياتها منذ الطفولة مروراً بالمراهقة والشباب (النضج الأنثوي) حيث يأتي التفكير في الزواج ومن ثم الأمومة … فالمرأة تواجه مشكلات خاصة بها : أعباء الزواج والأمومة ، أو الطلاق ، أو العنوسة … ولا شك في أن هذه التغيرات الانفعالية لها مردودها النفسي الذي ينعكس على حياة المرأة في شكل متاعب وآلام نفسية .
يعد اضطراب الاكتئاب من الأمراض النفسية المنتشرة في العديد من المجتمعات ، ويقول علماء النفس عنه أنه يصيب النساء أكثر من الرجال (1:2) لاسيما في سن الثلاثينيات من العمر وترتفع نسبة الإصابة حتى تصل إلى ما بين 10% إلى 15% بين النساء في جميع أنحاء العالم . ويتميز مريض الاكتئاب ببعض السمات الخارجية التي تبدو في الشكل الخارجي للإنسان المكتئب ومن أول نظرة وهي تبدو في : إهمال الفرد لمظهره وعدم العناية به – الملابس , الشعر ، عدم النظافة ـ كما يلاحظ ميلان في زاوية الفم نحو الأسفل بالإضافة إلى بروز سمة الحزن في العينين وفقدان بريقهما وتساقط الشعر وظهور تجاعيد طويلة في بين الحاجبين ، وأيضاً يلاحظ انخفاض الكتفين وميل الجسم إلى الأمام مما يجعل الفرد – لاسيما المرأة – يبدو أكبر سناً مما هو عليه ، ومن الأعراض المميزة للاكتئاب البطء الشديد في الحركة ، وانخفاض الوزن أو العكس نتيجة لكثرة الأكل والخمول الشديد ، وهناك جفاف البشرة نتيجة لعدم تناول كمية كافية من السوائل . كل ذلك يؤدي بالمرء إلى فقدان النواحي الجمالية فيه ، فينعكس ذلك سلباً على حالته النفسية فيكون عرضة لكثير من الاضطرابات النفسية .
كذلك تعد المرأة أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية غير الاكتئاب كالانهيار العصبي مثلاً ، تقول فاطمة الكتاني : إن المرأة أكثر عرضة للانهيار العصبي والذي هو عبارة عن حالة هستيرية تصيب الشخص بسبب الضغوط النفسية عليه مما يتسبب له في حالة انفعال هستيري (انهيار عصبي) . وتتمثل تلك الضغوط في ضغط العمل أو ضغوط اجتماعية وعائلية الأمر الذي يجعل الفرد في حالة من عدم التوازن النفسي عند مواجهته لأيِّ موقف أو مثير انفعالي ، فيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ؛ لأن الانهيار لا ينجم عن الموقف الحالي وإنما نتيجة لتلك التراكمات السابقة ، فينهار الشخص ويفقد قدرته على السيطرة على انفعالاته التي تنفلت منه في شكل هياج وصراخ وهياج عصبي ، وربما يصاب بحالة من الإغماء (فقدان الوعي) لبعض الوقت .
لماذا نجد أن المرأة أكثر عرضة للإصابة من الرجل بتلك الحالة العصبية ؟
تجيب الكتاني : إن المرأة أكثر عرضة للانهيار العصبي بجكم وضعها الاجتماعي فهي تعاني من تعدد أطراف الضغط من عدة اتجاهات : الزوج ، الأولاد ، نظرة المجتمع السلبية إليها ـ إن كانت مطلقة ـ ، عدم الزواج ـ لاسيما إن تقدم بها العمر ـ ثم تأتي المرأة لتضيف إلى تلك الأعباء عبئاً آخر هو عبء العمل ـ إن كانت عاملة ـ وربما تعاني من عدم تقدير كفاءتها الوظيفية في العمل . وبالإضافة إلى تلك الأسباب هناك سبباً جوهريا ويكاد أن يكون هو المسبب الأول للانهيار العصبي لدي النساء وهو أن المرأة بطبيعتها أكثر حساسية وتسيطر عليها العاطفة ، وهي بذلك تكون عكس الرجل الذي ربما يكون أكثر قوة وجلداً أمام المحن ، وبجانب ذلك فهو يتمتع بعلاقات اجتماعية واسعة الأمر الذي يجعله أقل عرضة للإصابة بالانهيار العصبي . وهناك بعض سمات الشخصية التي تتوفر لدى بعض الأشخاص قد تجعلهم أكثر عرضة للانهيار العصبي من غيرهم حيث تسيطر عليهم سمات الخوف من المواجهة ، القلق ، الاكتئاب ،النظرة التشاؤمية ، الشعور بالدونية والاضطهاد ، الإحساس بعقدة الذنب وعدم الرضا عن الذات … وغيرها من الأسباب التي نجمت عن التنشئة أو التربية الاجتماعية ، والتي ربما تؤدي بالشخص إلى الإصابة بحالة انهيار عصبي .
ولا يحتاج الفرد في هذه الحالة إلى عقاقير طبية (أدوية كيميائية) بقدر ما يحتاج إلى المعالج النفسي الذي يقوم بعمل محدد وهو :
1/ مساعدة المريض على استعادة ثقته بنفسه وتقدير ذاته .
2/ مساعدة المريض على تصويب نظرته للمجتمع الذي يعيش فيه .
3/ تبصير المريض بنقاط الضعف لديه ليعمل على تقويتها .
4/ التدرج والتمرحل بالمريض حتى يتمكن من بناء شخصيته الجديدة ويستعيد استقراره النفسي ؛ عندما تنكشف له مجالات كانت غائبة عنه بانفتاحه على الآخرين .
ويتحقق مفهوم الاستقرار أو التوازن النفسي من خلال تحقيق التواؤم مع أربعة مفاهيم هي :
1/ العقيدة: وهي تمثل الجوانب الروحية في الفرد .
2/ النفس : وهي تشكل بناء الشخصية وتنميتها من خلال المعرفة. 3/ الجسد ومن خلاله تبرز قوة شخصية الفرد ؛ لذلك يجب أن يهتمم الشخص بمظهره وغذائه والرياضة .
4/المجتمع وهو الذي يضبط انفعالات الفرد ويجعله يتحكم في السلوك الصادر منه تجاه الآخرين بحيث لا يقلل من مكانته الاجتماعية ولا يؤذي أحداً .
ويعد الجوع العصابي من أشهر الاضطرابات النفسية التي تصيب النساء أكثر من الرجال ، و يكثر شيوعه بين النساء بنسبة 1:10وخاصة في سن المراهقة حيث تقوم الفتاة بعمل حمية قاسية لتحافظ على رشاقتها بوزن محدد أو لتفقد الكثير من وزنها والذي فد يصل إلى ما يقرب من 30% من وزنها ، مما يؤدي بالفتاة إلى فقدان مظاهر الأنوثة (ضمور الثديين واضطراب الدورة الشهرية) . وعلى العكس من ذلك هناك من يصبن بالشراهة العصابية حيث تميل الفتاة إلى الشره بشكل واضح بتناولها لكمية كبيرة جداً من الطعام لاسيما تلك التي تحتوي على سعرات حرارية عالية كالحلويات والدهون ، ولكنها تعود لتفرغها عن طريق القي المتعمد ، وكل ذلك في سبيل إنقاص الوزن أو المحافظة على وزن محدد .
من الملاحظ أن المرأة لا تعبر عن شعورها الاكتئابي بإظهار مشاعرها الحزينة فقط ، ولكنها تعبر عن ذلك الشعور الذي يتملكها أو يسيطر على مشاعرها بلغة الجسد ، حيث يلاحظ أن النساء يكثرن من الشكوى من الصداع وآلام العنق والظهر والأرجل والبطن … وغيرها من الشكوى التي تعبر بها عن صرخات استرحام وانداءات استغاثة مكبوتة تستعطف بها من حولها . وتزداد الشكوى من الآلام والأمراض كلما شعرت المرأة بضعفها أمام أي خطر يتهدد ها أو يهدد حياتها الزوجية مثلاً .
ولكن هل صحيح أن المرأة أكثر عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب النفسي ؟ وهل صحيح أن معظم النساء يعانين من متاعب صحية لعدم حصولهن على قسط كاف من الراحة بسبب العمل المستمر في المنزل وخارجه ؟ .
مثل هذه التساؤلات أجابت عنها الدراسات القديمة والحديثة على السواء بنعم . إذ اتفقت هذه الدراسات في الإجابة على الرغم من اختلافها في تفسير الظاهرة فمن الثابت علمياً أن نسبة الإصابة بالاكتئاب وسط النساء أكثر من ضعف هذه النسبة وسط الرجال . وقد تمت هذه الدراسات في الدول المتقدمة ـ في الأغلب ـ ؛ وقد حاول بعض الباحثين القول بأن الفارق في النسبة في الإصابة بالاكتئاب بين الرجال والنساء ما هو إلا فارق ظاهري وغير حقيقي وسببه أن المرأة أكثر قابلية للشكوى وأكثر قبولاً لفكرة التردد على عيادات الأطباء العضويين والنفسيين وأكثر ميلاً للتعبير عن مشاعر الاكتئاب وذلك لجذب عطف من حولها . ولكن الدراسات التأكيدية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن المرأة أكثر ميلاً للاكتئاب من الرجل , كما أنها أكثر عرضة للإصابة بأعراض القلق ، وربما للكثير من الاضطرابات النفسية الأخرى .
ولكن ما هي الأسباب ؟ والإجابة بالطبع ليست يقينية غير أنها أقرب إلى الصواب في رأينا :
أ/ من الناحية النفسية والاجتماعية نجد أن حياة المرأة أكثر صعوبة من حياة شقيقها الرجل وأن المرأة في كثير من الأحيان تكون أكثر تعباً وإرهاقا من الرجل ، إذ أنها تواجه خبرات حياتية صعبة ومؤلمة أكثر مما يواجهه الرجل , حتى وإن تساوى الاثنان فالمرأة ليست لديها القدرة والمهارات الكافية للمواجهة ـ مثل الرجل مع بعض الاستثناءات ـ ، الأمر الذي يعرضها لكثير من الاحباطات وخيبة الأمل أكثر من الرجل .
ب/ من الملاحظ أن المرأة مشحونة بكتلة من المشاعر والعواطف الجياشة فهي بالتالي ربما تكون أكثر عاطفة من الرجل ، مما يجعلها عرضة لكثير من حالات القلق والاكتئاب دون أن تكون واعية لأسباب تلك الاضطرابات النفسجسدية التي تعاني منها المرأة وتردد بسببها على عيادات الأطباء . فالصراعات والصدمات النفسية تكون أكثر تأثيراً على نفسية النساء منها على نفسية الرجال ؛ وذلك لأن الرجل في كثير من المجتمعات ـ إن لم يكن جميعها ـ ينعم بحرية واستقلالية أكبر من المرأة الأمر الذي يقلل من شحنة المشاعر العاطفية لديه .
ج/ المرأة تعمل بلا إجازة أو عطلة طالما أنها ربة منزل ولها زوج وأطفال فهي لا تستطيع أن تمنح نفسها عطلة من عمل المنزل بالرغم من أنها تمنح هذا الحق في مجال العمل خارج المنزل ؛ لذلك نراها تعمل باستمرار بالمقارنة مع الرجل الذي نجده يتمتع بعطلته عن العمل وبيسرها كما يشاء .
د/ نجد أن المرأة قد استدرجت إلى منافسة غير متكافئة في ميدان العمل ، فهي تعمل في البين وتلهث خارج البيت بهدف تحقيق الذات والطموح مما جعلها تدفع الثمن باهظاً حيث أضيف عنصر جديد هو عنصر المنافسة إلى ما سبق من أعباء . فالمرأة تريد أن تحقق النجاح في عملها والاستمرار فيه ، وفي ذات الوقت تريد أن تحتفظ بمكانتها لدى زوجها وبمكانتها كأم لأطفالها ؛ لذلك نراها تلهث ليل نهار للقيام بكل هذه المهام ونتيجة لذلك كثيراً ما نراها تهمل في نفسها(احتياجاتها) وصحتها في هذه المعمعة اليومية , وبذلك تكون قد حملت المرأة نفسها ما لا طاقة لها به ومن هنا تنشأ الصراعات لدى النساء حيث يتولد لدى المرأة شعور وبالذنب وينتابها إحساس بعدم الرضا عند التقصير في أحد الأدوار التي تقوم بها تجاه بيتها (الزوج والأولاد ) أو عملها. وخاصة إذا تلقت المرأة شيئاً من النقد عند حدوث بعض الهنات ـ وهي لابد واقعة ـ مثل هذا الأسلوب الذي يقوم على عدم التسامح والنقد وتضخيم الأخطاء هو الذي يخلق في نفس المرأة الشعور بالمرارة ومن ثم الشعور بالاكتئاب .
هـ/ إذا نظرنا إلى الناحية الفسيولوجية من حيث التكوين الجسدي في المرأة بالمقارنة مع الرجل نجد أن لها تركيبتها الجسمانية الخاصة مما يجعلها تحتاج إلى أن تكون في وضع يلائم هذا التكوين الجسدي ولكن المجتمعات الحديثة قد دفعت المرأة قسراً إلى أن تخالف هذه الفطرة مما يؤدي إلى حدوث مصاعب جمة بالنسبة للمرأة وانعكس ذلك سلباً على سلوكياتها . فمن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن المرأة تمر بتغيرات فسيولوجية شهرية تصاحبها تغيرات هرمونية تؤثر في كل وظائفها الجسدية والنفسية مما يجعلها في أمس الحاجة للراحة والرعاية ، ولكننا نجدها تقوم بالعمل على أكثر من صعيد ، حيث تستيقظ من نومها لتعد نفسها للخروج للعمل وفي الوقت نفسه تهيئ أبناءها للمدرسة وهناك الزوج الذي يحتاج إليها أيضاً , وبعد كل هذا لا تعود من العمل إلى الراحة بل إلى العمل المنزلي ، بينما يخلد الرجل (الزوج أو الابن ) إلى الراحة والنوم إلى أن يحين وقت الغداء . وحينما يأتي الليل ربما تعاني من الأرق والقلق على أطفالها الصغار ـ لاسيما الرضع ـ الذين هم في أمس الحاجة لرعايتها ، ولذلك فهي تعاني من الإرهاق في الصباح .
كل هذه الأعباء لا ترحم في المرأة ـ وخاصة المرأة العاملة ـ ضعفها وحاجتها للراحة لاسيما في بعض الفترات التي تكون فيها تعاني من التغيرات الفسيولوجية بسبب الطمث أو الحمل أو غير ذلك من الاضطرابات الجسدية . ولكن وبرغم كل ما ذكر فقد أكدت الدراسات أن المرأة التي تغادر منزلها في الساعة الثامنة صباحاً هي أكثر مرحاً من تلك التي تبقى بالمنزل طوال ساعات اليوم على الرغم مما يقال عن الأولى أنها لا تجد وقتاً لحل مشاكل البيت والعمل معاً . وذلك لأن النشاط والجهد المبذولين يساعدان على التخلص من التوتر والتأزم النفسيين.
اترك رد