حاورته الباحثة نجاة ذويب – تونس
على هامش الندوة العلميّة الدوليّة “الخطاب التكفيري في الفكر العربي الحديث والمعاصر” التي نظّمها مخبر البحث: تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات، أيام 20 و21 و22 أفريل 2017 بكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان تونس، برعاية شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات.
يسعد شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات أن تتواصل معكم، فضيلة الدكتور الساسي الضيفاوي، أستاذ مساعد بكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة، أستاذ الحضارة العربية، عضو مخبر البحث: تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات ومنسّق ندوة “الخطاب التكفيري في الفكر العربي المعاصر والحديث” للإحاطة بأهمّ حيثيات الندوة التي تشرفون على تنسيقها وتنظيمها، وتقديمها لعموم السادة الباحثين والمهتمين بالبحث العلمي في العالمين العربي والإسلامي.
س1: ما هي أهم رهانات ندوة الخطاب التكفيري في الفكر العربي المعاصر والحديث ؟
– تتنزّل ندوة الخطاب التكفيري في الفكر العربي الحديث والمعاصر ضمن عدّة سياقات منها الاجتماعي والثقافي والفكري، ومنها ما يقع في العالم اليوم من جدل ونقاش وحوار إزاء هذا الموضوع الشائك، ومن أهمّ الرهانات التي تصبو إليها هذه الندوة التي ينظّمها مخبر بحث تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات بكلّية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتونس.
– فهم هذه الظاهرة فهما سليما وعلميا وموضوعيا، والوعي بالسياقات التي أنشأتها، وكيف يجب علينا أن نتعامل مع المحمولات الدّينية والثقافية التي لازمت الفكر التكفيري في ظل المنعطفات التاريخية الراهنة والتحديات الأمنية والاقتصادية.
– إعادة تفكيك الخطاب الحضاري، وبصورة خاصّة الخطاب الدّيني والمسجدي، حتّى يقف الباحث على مواطن الضعف فيه، بهدف تجويده وتصويبه.
– التنبيه إلى عدم الاستخفاف بهذا الخطاب والبحث عن سبل ومقاربات علمية وبيداغوجية ونفسية واجتماعية وسياسية وأمنية بهدف مقاومته والتصدّي له، ثمّ السعي إلى إيجاد حلول ومقترحات وطنية ودولية كإستراتيجيات تطبيقية.
– الوقوف على أسبابه ومنطلقاته الداخلية والخاريجة المحلّية والأجنبية، خاصّة برصد ما يفرزه الفكر الماضوي التقليدي المتشدّد من مواقف رجعية وعدائية ضدّ الإنسان والإنسانية، وما يدعو إليه من انغلاق وتقوقع، والإيهام بأنّ كلّ من خالفه هو ضدّه، وأنّ من لا يتماهى معه في كلّ شيء وفي مقدّمة ذلك الدّين يُعتبر خارجا عن الملّة، والغريب أنّ الخطاب التكفيري يبرّر كلّ ذلك بالرجوع إلى النصّ وكُتب التراث والشريعة وفق قراءة مخصوصة تخضع للمؤسّسة الفقهية والفرقية والمذهبية والسياسية، فينقلب النصّ الدّيني إلى ذريعة وسلطة يُدينون وفقه الآخر المغاير ويحاكمونه من أجل أن لا يفكّر، بل أن يُفكّروا مكانه.
– إرساء ثقافة الانفتاح على الآخر والسعي إلى فهمه وفق أسس العيش المشترك ومقوّمات المواطنة والمرجعية الحقوقية والإنسانية والعدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن يتحقّق ذلك إلاّ بالاستناد إلى ثقافة الإنصات والحوار.
س2: كثرت في الآونة الأخيرة المنابر التي تندّد بالخطاب التكفيري وتنادي بالتسامح والاختلاف، ونحن على هامش ندوة تهتم بهذا الشأن: حسب رأيكم هل يعود هذا بالأساس الى ظاهرة التطرف الديني التي أصبحت تغزو المجتمعات العربية؟
– إنّ الاهتمام بالخطاب التكفيري، والدعوة إلى التسامح، واختلاف المغاير، لا يعود إلى ظاهرة التطرّف الدّيني والعنف المتنامي وانتشار ثقافة الخلاف فقط، بل كذلك نظرا إلى ما يغزو المجتمع العربي والإسلامي من فوضى عارمة في كلّ المستويات، فوضى مفاهيمية وعلمية تتمثّل في غياب الفكر النقدي والبعد الإبداعي المنفتح على الثقافات الأخرى، وتطليق الكتاب، وغياب المنهج، وانتشار ظاهرة التلقين وحشو الأدمغة، وغياب الرؤية التربوية الواضحة والمشروع المدرسي التقدّمي الحداثي، وتهميش قيمة العمل وتغييبه إلى حدّ إعدامه، وفي فقْد قيمة العمل يفقد الإنسان هُويّته وكرامته فيعيش مهمّشا خاويا علميا ومعرفيا وقيميا ومهنيا، فالإفلاس المعرفي والعلمي، والانبتات الثقافي، يُضاف إلى ذلك التهميش الاجتماعي وغياب العمل وفقد الكرامة كلّ هذا سيفضي إلى التطرّف في كلّ شيء، فتنمو بذلك نسب الأمّية والتشرّد والفقر والانتحار والتبعية والانحراف بمختلف أشكاله.
س3- ما هو موقف مخبر تجديد مناهج البحث في البيداغوجيا والإنسانيات من القضايا والإشكاليات العالمية والقطرية والوطنية المطروحة على الساحة مثل معضلة الإرهاب والعنف والتسامح والاختلاف؟
– مخبر بحث تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات: هيكل بحثي علمي أكاديمي بالأساس، يهتم بكلّ ما هو فكر وبيداغوجيا ومناهج وإنسانيات، وبناء عليه فإنّ أنشطته تقاوم الفكر الرجعي المتخلّف والمتشدّد، والتطرّف في مختلف مجالاته المعرفية. ويعمل المخبر على صقل ذاك الفكر وتصويبه ودعوته إلى التسامح والرصانة العلمية والموضوعية في البحث والرأي والموقف والحوار والدرس، ويفتح أمامه مقاربات ودراسات ومحاضرات وندوات وأيّام دراسية موصولة بما يحدث محلّيا ووطنيا وقطريا وعالميا من مسائل وقضايا ومشاغل مطروحة على الساحة، مثل معضلة الإرهاب والترهيب والعنف وتهميش قيمة العلم ومنزلة العمل ومركزية الزمن باعتباره مقاربة حضارية وتنموية، ونحو ذلك من القضايا الفكرية والعلمية التي تهدف إلى تجديد الفكر الدّيني وعقلنته وأنسنته.
س4: حسب رأيكم، ما هي السبل الكفيلة لمجابهة انتشار الخطاب التكفيري اليوم؟
– تعدّدت الطرق، وتنوّعت المقاربات، وتباينت السبل، محلّيا وقطريا وعالميا بغية مقاومة الإرهاب والتكفير والعنف، ووضعت الخطط والمشاريع الفردية والمخبرية والجامعية والدولية بهدف التصدّي لكلّ أشكال الإرهاب والترهيب والتكفير، غير أنّ الأمر في تقديرنا يعود إلى أسباب ثقافية وفكرية وتربوية، لذلك وجب الاعتناء بهذا الجانب منهجيا وبيداغوجيا وعلميا على غرار ترشيد الخطاب الدّيني وعقلنته، وتفكيك محتواه، وبصورة خاصّة الخطاب المسجدي، والاهتمام بالعلوم الإنسانية والنفسية والاجتماعية من رياض الأطفال إلى مدارج الجامعات، وإرساء مشروع مجتمعي ينهض على العقلنة والعلم والثقافة والتربية، يُضاف إلى ذلك الاهتمام بالجوانب الاقتصادية والتنموية والأمنية، واحترام حقوق الإنسان وصون آدميته والمحافظة على كرامته حتّى لا تكون محاربة الإرهاب والتكفير ذريعة لمحاصرة حرّية الإنسان ومصادرتها.
س5- ما هي أهمّ المشاريع البحثيّة القادمة لمخبر بحث: تجديد مناهج البحث في البيداغوجيا والإنسانيات وما هي أهمّ ملامح برنامجه السنوي؟ وما هي علاقته ببقية المخابر والهياكل البحثية في تونس وخارج تونس؟
يعمل مخبر بحث تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في الإنسانيات وفق رؤية واضحة مدروسة علميا وبيداغوجيا ومنهجيا، تتمثّل في برنامج سنوي يتمّ التشاور فيه بين مديره الأستاذ الدكتور حمّادي المسعودي وبقيّة أعضاء المخبر، ناهيك أنّه منفتح على كلّ الاقتراحات المفيدة والمقاربات البحثية التي تخدم البحث العلمي وتجوّده، ومن المشاريع القادمة عقد ندوة علمية دولية الشكّ في الثقافة العربية الإسلامية أيّام 3 و4 و5 جويلية 2017، والقيام بأيّام دراسية موصولة بالعلوم الإنسانية ومناهج البحث والتقييم والبيداغوجيا، وتقديم محاضرات لفائدة الطلبة والأساتذة بهدف التكوين والتأطير والمواكبة العلمية، يُضاف إلى ذلك ما يتميّز به من سنّة محمودة تتمثّل في نشر الأعمال الأكاديمية، والانفتاح على الهياكل البحثية داخل تونس وخارجها خاصّة دول المغرب العربي.
س6: كيف تقيمون أداء الإعلام الأكاديمي – وتجربة شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات خصوصا – في قدرته على مواكبة النشاطات العلميّة والأكاديميّة؟
– الحقّ أنّ إشكالية الإعلام الأكاديمكي مقارنة بالإعلام السياسي والرياضي ونحوهما، يشكو نقصا وضعفا، ونعتقد أنّ الأمر مقصود في أغلب الأحيان سواء كان ذلك من قبل الأفراد، أو المؤسّسات الإعلامية المرئية والمكتوبة، أو أجهزة الدول، بهدف تهميش القضايا المصيرية ودور الأكاديمي في صناعة القرار والبناء الحضاري والمجتمعي، وفي تقديرنا أنّ شبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات جانبت هذا التمشّي، وخالفت هذه الأهداف، وسعت إلى أن تنهض بالكلمة الهادفة ونشر الوعي وتخصيب الفكر وإحياء الذات الإنسانية، في ضوء قدرتها على مواكبة الأنشطة العلمية والأكاديمية من أيّام دراسية وندوات علمية دولية ومحاضرات ونقاش رسائل الماجستير والدكتوراه وتقديم الكُتب والمجلاّت العلمية المحكّمة والحوار مع المفكّرين وأعلام الثقافة، ونحو ذلك من الإسهامات الجادّة التي انفردت بها، فكانت بذلك منبرا أكاديميا ومنارة علمية في زمن قلّ فيه الاهتمام بالكاتب والكتاب.
اترك رد