ندوة علمية التسامح والحياة العامة

محمد العطار: جامعة عبد المالك السعدي بتطوان

نظمت شعبة الفلسفة و علم الاجتماع و علم النفس بتنسيق مع مختبر حوار الحضارات و الأبحاث المتوسطية يومي 27 – 28 ابريل 2017 ندوة وطنية حول موضوع التسامح و الحياة العامة برحاب كلية الآداب و العلوم الإنسانية بتطوان ودلك بحضور فعاليات ثقافية وحقوقية من مختلف مناطق المغرب .
اهتمت الندوة في محورها الأول بدراسة علاقة الفلسفة بالتسامح من خلال تقديم العديد من المداخلات بتنسيق وتسيير رئيس شعبة الفلسفة الأستاذ مصطفى حنفي .
المداخلة الأولى للأستاذ عبد الحي أزرقان : التسامح من وجهة نظر الفلاسفة .
أكد عبد الحي أزرقان في معرض مداخلته على أهمية طرح مثل هده المواضيع التي تكتسي بعدا راهنا تسمح بالنظر إلى العالم و الى المجتمع انطلاقا من الفكر والفلسفة , على اعتبار أن التسامح مهمة ينبغي أن يتناولها كل المفكرين بغض النظر على انتماءاتهم , حيث أشار الى ضرورة التركيز على مضمون المفهوم من اجل ادراك الشروط الكفيلة بترسيخه على ارض الواقع بوصفه قيمة إنسانية نبيلة ينشدها الانسان بشكل عام اد أن خطاب التسامح يمكن أن يتخذ طابعا أخلاقيا أو سياسيا حسب طبيعة الشروط التي تنتجه .
هذا التمايز بين القيمة الأخلاقية و القيمة السياسية للتسامح دفع عبد الحي أزرقان الى التركيز على مفكرين أساسيين انخرطا في مقاربة البعد السياسي و الأخلاقي للتسامح مثل ايمانويل كانط الذي قام بالتفريق بين المجال الأخلاقي و السياسي , إذ اعتبر أن التسامح من الناحية الأخلاقية يحمل طابع الإكراه كضغط داخلي يرتبط بالواجب بوصفه أمر أخلاقي قطعي و خالص بيد أن التسامح من الناحية السياسية يتصف بطابع الاكراه كضغط خارجي تسببه القيم و الأعراف و القوانين .
فما الذي سيجعل الانسان داخل مجتمع ما يجسد قيمة التسامح ؟ وإذا كان التسامح يفيد القبول , أي قبول ما يمكن أن يكون ممنوعا , فكيف يمكن توجيه هذا القبول انطلاقا من إكراه داخلي أو خارجي ؟ و إذا كان الإكراه الخارجي يفيد السلطة المرتبطة بالتشريعات فإن القوة الواحدة التي ينبغي أن توجه المجتمع هي القانون الذي يعمل على تنظيم العلاقات بين الأفراد والحفاظ على سلامة المجال المشترك الذي يحيون فيه بغض النظر عن معتقداتهم الدينية
كيف يمكن للقانون أن يفعل في المجال الديني كي يقبل أو يمنع ؟ .
من الناحية السياسية يمكن الاستناد إلى كتابات الفيلسوف جون لوك الذي تناول مسألة التسامح من الناحية السياسية من خلال محاولة اجابته عن الإشكال التالي : كيف يمكن أن تكون هناك ضوابط خارجية لا تتوقف على أهواء الفرد ؟ وإلى أي حد يمكن تجاوز حالة الاعتباطية و العشوائية التي يعيش في ضلها المجتمع ؟
يفيد التسامح حسب جون لوك القبول ويفيد القوة و الضعف إذ أن القوي يتسامح والضعيف يطلب التسامح فكيف يمكن التأسيس لقوة القانون بالشكل الذي يخدم التسامح ؟
ينبغي حسب لوك أن تكون السلطة شرعية , أي تم تفويضها لمنع الاعتباطية و العشوائية ولتشريع القوانين حتى يتحقق الأمن و السلم وهدا يعني بأن الدولة ينبغي أن تتدخل فيما هو خارجي أي فيما هو مصدر للعنف و الفوضى حيث يصعب على الحاكم أن يوجه ضمير الأفراد لذلك تقتصر سلطته على توجيه أفعالهم وتصرفاتهم .
المسألة الثانية بالنسبة لجون لوك هي أن التعدد و التنوع من خصائص الإنسان وبالتالي ينبغي للحكومة أن تتدخل فيما هو خارجي دون أن تمس بمسألة المعتقد الذي هو حرية شخصية ترتبط بالضمير ولا يجوز للجهاز السياسي التحكم فيه .
– ضرورة ربط السلوك الإنساني بالمؤسسات
– قيمة التسامح اما أن تكون أخلاقية أو سياسية
– عندما تسود الشعوذة يصعب الحديث عن التسامح
– حمل الأحكام المسبقة هي سبب التعصب و العنصرية
– الشروط الأساسية لترسيخ التسامح أن يكون التسامح قيمة أخلاقية
– أن تكون السلطة للقانون
– أن يكون المجتمع موجه بمبدأ التعاقد و الاتفاق .
المداخلة الثانية : الفلسفة السياسية و التسامح للأستاذ أحمد الطريبق .
حاول أحمد الطريبق المرور على أهم المواقف الفلسفية التي اهتمت بإشكالية التسامح انطلاقا من أفلاطون في كتابه الجمهورية حيث أسس نظريته حول الفيلسوف الحاكم الذي يوجه عامة الناس بحكم تفوقه المعرفي واهتمامه بما يفيد كافة الناس مرورا بالعصور الوسطى حيث توارى مفهوم التسامح بسبب تحكم السلطة الدينية الكنسية في مختلف مجالات الحياة بما فيها الفكر و الثقافة , لكن انطلاقا من ميكيافلي برزت فلسفة جديدة تؤسس شرعية سلطة الدولة على العقل كما هو الشأن لفلاسفة العقد الاجتماعي اللدين نظروا لمجتمع مدني سياسي يتجاوز حالة حرب كل ضد الكل و يؤسس لوضع يكون فيه الكل في مأمن من الكل حيث تكون السلطة مشتركة و يخضع الجميع للإرادة العامة .
بعد ذلك أكد أحمد الطريبق على أن نظرة الفلسفة السياسية المعاصرة قدمت نظرة مغايرة للتسامح , حيث ربطته بالقوة كما هو الشأن بالنسبة لميشيل فوكو والألماني ماكس فيبر اللذين تناولا قضية التسامح في ارتباطها بخصائص الفاعل السياسي وحاول الإجابة عن الأسئلة التالية:
هل الفاعل السياسي قادر على تطبيق اقتراحات الفيلسوف؟ ما هي خصوصيات الفاعل السياسي هل تستطيع الشعوب إعداد وإنتاج فاعلين سياسيين يرسخون التسامح؟
المداخلة الثالثة: بحث في أطروحة برتراند راسل , التسامح وإرادة الشك للأستاذ أحمد بوعود.
افتتح الأستاذ أحمد بوعود مداخلته بإثارة إشكال أساسي يربط بين الوثوقية والتسامح : هل الدوغما عائق أمام التسامح؟
قسم الأستاذ أحمد بوعود مداخلته إلى ثلاث محاور
المحور الأول : تحت عنوان التفكير الحر الأزمة و الدلالة .
المحور الثاني : تناول فيه موضوع عوائق التفكير الحر التي لخصها في التعليم خاصة في مرحلة الابتدائي حيث يتم شحن الأطفال بمجموعة من الأفكار المسبقة المعززة للعنف والمشرعنة للتعصب على اعتبار أن التعليم هو أحد الأجهزة الاديولوجية التي تمرر من خلالها الدولة سلطتها السياسية التي يمكن أن تدعو للعنف أحيانا كما يمكن أن تحجبه الى جانب ذلك اعتبر الأستاذ أحمد بوعود بأن الدعاية أو ما يصطلح عليه البروبغاندا تعمل على الحد من أفق التفكير الحر القائم على النقد من خلال استهلاكها لبعض الخطابات التي تدعو إلى الانغلاق وتشجع على التمركز على الذات وعلى تهميش الغير والتقليل من قيمة ما يمتلكه من موارد للمعرفة والعلم , إن الدعاية تشوه الواقع وتقدم صورة مغلوطة عنه توسع من دائرة الأوهام تؤثث حياة الانسان في المجتمع المعاصر الذي يعرف مجموعة من التحولات خاصة على المستوى الاقتصادي الذي يعتبر بدوره عائقا من عوائق التفكير الحر حسب الأستاذ أحمد بوعود.
مداخلة الأستاذ مصطفى الحداد : حول موضوع التسامح والتعدد الثقافي مقاربة نقدية .
اعتبر مصطفى الحداد أن التسامح مفهوم قديم ارتبط بالفلسفة مند بدايتها الأولى مع اليونان لذلك يجب مقاربته بشكل دقيق ليس من جانبه الدلالي فقط بل في لجانب المرتبط بشروط بروز هذا المفهوم على مستوى لتداول اليومي لذلك أثار الحداد السؤال التالي : لماذا طرح الان هذا المفهوم ؟
بالرجوع الى دراسة الحركات التي ناهضت الميز العنصري في أوروبا خاصة كتابات مارتن لوثر لا نجد أي إشارة لمفهوم التسامح لأن مارتن لوثر طرح سؤال الميز العنصري في اطار سياسي وليس أخلاقي , وهذا يعني أن الكلمات المتداولة اليوم حول موضوع الديموقراطية وحقوق الانسان والمواطنة تؤكد على وجود حقل لغوي جديد في النقاش العام ينبغي التساؤل عن سبب بروزه , فلماذا ضهر هذا الحقل اللغوي الثقافي ؟ .
برزت مسألة التسامح في سياق مداواة الحروب الدينية ومن أجل خلق الدولة الوطنية المناقضة للفوضى وللحرب المزرية التي كان يعيشها الانسان في حالة الطبيعة . فكيف يمكن أن نجعل الناس تعيش بالمعية في أمن واستقرار ؟ .
هذه الحياة المشتركة القائمة على الليبرالية السياسية هي من صميم التسامح الذي ينبغي تأسيسه على مبادئ الدستور المنضم لسلطة الدولة .
– الليبرالية لها بعد سياسي ولها بعد اقتصادي كذلك
– العلاقات الاجتماعية تحكمها معايير قابلة للتبادل وللأخذ والعطاء .
– يمكن التعبير عن الليبرالية الاقتصادية بمقولة فولتير التالية : ” عندما يكون الحديث عن المال نصبح على دين واحد ”
تؤسس الليبرالية لمبدأ اقتصاد السوق , لذلك يجب على الدولة أن لا تتدخل إلا فيما هو عام ومشترك لأن الأمور الخلافية ينبغي أن تضل في البيوت حكرا على المعنيين بها غير أنها خرجت الى العلن عندما تحولت الى مطالب يرفعها الناس الى الجهات الحاكمة .
مداخلة الأستاذ مصطفى حنفي : في الحاجة الى التسامح في الحاجة الى فهم الرهان .
يعتبر الفلاسفة أن التسامح قيمة من القيم التي يمكن أن تعمل على احتواء المعارك الدينية من أجل بناء الحياة السعيدة , لذلك ينبغي على المجتمعات أن تعيد النظر في المرجعيات التي تحركها قصد الانخراط في بناء حضارة الانسان الكوني مع الاعتراف بالهويات الثقافية و العرقية المختلفة ما دام زمن الشعوب اليوم يقاس بمعيار الإنجازات على الرغم من بعض الصعوبات التي تعيق عملية تجسيد قيمة التسامح , فلماذا ينضر إلى التسامح كقيمة صعبة للتحقيق ؟ .
يجيب الأستاذ حنفي قائلا بأن التسامح ليس مجرد معطى تلقائي , بل هو معطى تشكله التربية و المدرسة من خلال برامجها التعليمية التي تهدف إلى بناء الانسان المواكب لكل التحولات التي يشهدها العالم ومن ثم ضرورة ربط التسامح بالمضمون القانوني والسياسي المبني على التعاقد بالشكل الذي سيمكن الانسان من القضاء على نوعين من الطغيان : طغيان الأقلية و طغيان الأغلبية التي تتنافى مع مبدأ التسامح و الاعتراف بغيرية الاخر .


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد