د. حسن محمد أحمد محمد: جامعة أم درمان الإسلامية – كلية الآداب – قسم علم النفس
حفل تاريخ المرأة السودانية بصفحات ناصعة في تاريخ السودان ويتجلى ذلك في المعارك السياسية التي كانت دائرة آنذاك ، عندما كانت تحمس الرجال متغنية بالشجاعة والكرم والمروءة والشهامة ، وتزم المتقاعسين عن مثل تلك القيم . ويذكر لنا التاريخ أنها قد ساهمت في مجالات العلم والتعليم عندما قدمت بنت الملك (حسن ود كشكش ) ابنها إلى الشيخ (الحضري) ليعلمه وقدمت له مقابل ذلك ما تملكه من زينة غالية الثمن ، وهي عدد من الأساور والحجول ، حتى يقبل الشيخ تعليم ابنها. كذلك يذكر صاحب كناب الطبقات: أن امرأة كانت في عصمة رجل ولكنها رفضت البقاء في عصمته وتزوجت من رجل فقيه مبررة ذلك برغبتها بالقراءة مع الحيران في المسيد . ومما ذكره الشيخ رفاعة الطهطاوي : أنه شاهد في العهد التركي السيدة أمونة تقرأ القرآن وتؤسس مكتبين أحدهما للغلمان والآخر للبنات لحفظ القرآن … ومن كيسها كانت تنفق على هذين المكتبين .. وكان مصدر دخلها الوحيد هو الزراعة . ويقول ابن خلدون في مقدمته: كما مارست العديد من الشيخات مهنة التدريس والتعليم , الذي كان تعليماً دينياً … فكانت (فاطمة بنت جابر) تقوم بتدريس القرآن في خلوتها في (ترنج) بالقرب من مدينة (كريمة) … وكانت (عائشة الفقيرة بنت قدال) امرأة ورعة ومتفقهة في الدين ولها هي الأخرى خلوة بجبل أولياء … ومن الذين تلقوا العلم على يديها (الشيخ خوجلي عبد الرحمن ) .
ولا أحد ينكر ما وصلت إليه المرأة السودانية من رقي وتقدم منذ فجر الاستقلال ، فتطورها وتقدمها لا يكاد يخفى على العين على الرغم مما يكتنف طريقها من صعاب ومعوقات اجتماعية واقتصادية وسياسية … وغيرها من المعوقات التي تعترض سبيل تقدمها إلا أن كل ذلك لم يثن عزمها ولم يقف أمام طموحها وتطلعها للمستقبل الزاهر , حتى تدرك شقيقها الرجل ؛ وبذا يصلح المجتمع الذي لن يستطيع النهوض بجناح واحد .
تقول الدكتورة سوسن سليم إسماعيل : وقد أخذت على عاتقي مهمة ، دراسة الحركة النسائية السودانية ، … باعتبار أن المرأة السودانية قد سبقت نساء المنظمة العربية في أنها شغلت منصب قاض … والذي لا شك فيه أن كل من يهتم بالعمل النسائي في أي مكان لابد وأن يسترعي نظره تلك المكانة المتميزة التي حصلت عليها المرأة السودانية حيث وصلت إلى القضاء وأصبحت عضواً في مجلس الشعب ، كل ذلك حصلت عليه في وقت كن نظيراتها في العالم العربي في أول درجات سلم النهضة النسائية .
بدأت المرأة السودانية تعليمها المنتظم في أوائل القرن الماضي 1907م ، على يد الشيخ بابكر بدري بمدينة رفاعة الأمر الذي شكل حافزاً لها على السير والمضي قدماً في سبيل تحقيق طموحاتها وأهدافها التي كرست جهودها من أجلها.
بدأت المرأة نضالها بشكل واضح وجلي في فترة ما قبل الاستقلال فالمتتبع للحركة النسائية في السودان يلاحظ مدى ما أنجزته المرأة السودانية منذ الأربعينات من القرن المنصرم :
1/ في العام 1949م تكون اتحاد المعلمات السودانيات.
2/ في العام 1950م تكونت نقابة الممرضات .
3/في العام 1952م أنشئ الاتحاد النسائي العام .
4/ 1953م نالت المرأة حق التصويت والانتخاب إلى جانب الرجل.
5/ 1955م مثلت المرأة في لجنة الدستور .
6/ 1957م أسهمت المرأة في النضال ضد الحكم العسكري .
7/ 1964م شاركت المرأة في ثورة أكتوبر .
8/ 1970م تكون اتحاد نساء السودان .
ولا زالت الإنجازات تترا وتتوالى دون انقطاع فقد أصبحت المرأة تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل بل وشاركته في مقاعد البرلمان والوزارة منذ السبعينات في القرن الماضي ، ومن المتوقع للحركة النسوية في السودان الكثير من التقدم فالمتابع لهذه الحركة يرى الكم الهائل من النساء الذي غزى الخدمة المدنية في القطاعين العام والخاص , كذلك يستطيع المتابع أن يرى الأعداد المتزايدة من الطالبات في المدارس والجامعات كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن النساء قادمات وبقوة إذ إن النساء أصبحن يشكلن منافساً خطيراً للذكور في الكثير بل والكثير جداً من الوظائف فأعادهن الآن تفوق ال38% من نسبة العاملين في القطاع العام ، وفي بعض الوظائف بلغن أكثر من 60% من العمالة . بل لقد نافست المرأة الرجال في العديد من المهن التي كانت في يوما ما حكراً على الذكور كالعمل في طلمبات الوقود مثلاً , ولعل هناك من الأسباب ما جعل أعداد النساء يتزايد يوما بعد يوم في شتى ضروب الحياة العملية نذكر منها :
1/ تفوق الإناث في التحصيل الدراسي ومن ثم الدخول للجامعات.
2/تزايد أعداد الإناث وقلة أعداد الذكور بسبب :
أ/ الحروب .
ب/ الهجرة الداخلية والخارجية .
ج/ تزايد نسبة المواليد من الإناث .
3/ تأخر سن الزواج لدى الشاب والفتاة .
إذن فقد استطاعت المرأة السودانية أن تتغلب على الكثير من العقبات التي كانت تقف في طريق تقدمها مما أتاح لها أن تطرق أبواب العمل المختلفة : سياسية ، طبية ، وظائف ، عمالة يدوية …، هذا بجانب الأعمال التي هي حكر على الإناث وحدهن ولا يشاركهن فيها الذكور . فقد تغيرت الظروف الثقافية والسياسية والاجتماعية و… وغيرها من المشكلات التي ارتبطت بنظام المجتمع والأسرة السودانية والتي كانت تتحكم في المرأة في العهود الماضية ، وكانت سبباً في تأخرها عن شقيقها الرجل . فقد عزت الباحثة محاسن مرغني الناطق ـ في دراسة أجرنها على المرأة العاملة ومشاكلها الأسرية ـ المشاكل التي تعاني منها المرأة العاملة إلى جملة أسباب منها :
1/وجود الأطفال لدى النساء العاملات يشكل مصدر قلق لديهن ، إذ تعتمد 28% منهن في رعاية أبنائها على أمهاتهن و20% على المربيات و3% على الأهل والبقية تركن العمل للتفرق لأبنائهن .
2/ تعاني المرأة العاملة من الخدمة في المنزل . فهناك 38% يتركن الخدمة في المنزل للأهل و47% يقمن بالمسئولية كاملة و10% لديهن خدم و1% يشترين طعامهن جاهزاً .
3/ الرجال يقترحون على المرأة العاملة ترك العمل (الناطق 1999م).
اترك رد