أكّد باحثون وأكاديميون سوريون وروس على عمق التوافقات بين الجانبين، في ما يتعلق بسيناريو الحلّ السياسي في سورية، وفق معطيات بيان جنيف 1 من دون أن يكون للأسد دور في مستقبل سورية، وشخّصوا أسسَ معالجة الجانب العسكري في سيناريو الحل السياسي، والسمات العامة للسلطة الدستورية العليا في المرحلة الانتقالية، وتحليل الشروط العامة اللازمة لإعادة الإعمار المادي والمجتمعي في هذا الحل، وتوافقوا على أن الدور الذي تلعبه إيران في سورية سلبيٌّ، وأن هذا الدور ليس مُدمّرًا لسورية فحسب، وإنما يهدد روسيا بخطر مستقبلي.
بالتعاون بين مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة، والمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، والمجلس الروسي للعلاقات الخارجية، ومركز تحليل الصراع في الشرق الأوسط في معهد كندا وأميركا بموسكو، بدأت يوم الجمعة أعمال ندوة علمية أكاديمية، في العاصمة الروسية موسكو، حول الصراع الدائر في/ على سورية، ويشارك في الندوة نحو 30 باحثًا وسياسيًا ومختصًا وإعلاميًا، من السوريين والروس.
وخلال اليوم الأول من الندوة التي تستمر يومين، ناقش الطرفان مجموعة من الأفكار الملموسة حول الواقع السوري، واحتمالات المستقبل، والعقبات التي تواجه كلّ حلّ من الحلول المطروحة على المستوى الإقليمي والدولي.
وفي افتتاح الندوة، تحدّث اليكسي فاسيليف -رئيس معهد الدراسات الأفريقية في أكاديمية العلوم الروسية- عن مصالح روسيا في الشرق الأوسط، وقال إنها مهتمة باستقرار المنطقة وتوفير أمن الطرق البحرية والجوية وأنابيب النفط، والتعاون الاقتصادي والثقافي مع بلدان هذه المنطقة، بغض النظر عن أيّ نظام قائم في هذه البلدان، مشيرًا إلى الضعف الاقتصادي النسبي لروسيا مقارنة باللاعبين في الشرق الأوسط؛ ما يدفع إلى القناعة بأن موسكو لن تكون “مايسترو” الأحداث في هذه المنطقة، لكنها يمكن أن تكون أحد المراكز والأقطاب التي تُشارك في رسم مستقبل المنطقة وخاصة في سورية.
ورفض فاسيليف الفكرةَ التي تقول إن الولايات المتحدة هي التي تُهيمن وتقرر على مستوى العالم، كما أعرب عن قناعته بأن الربيع العربي قد تحوّل إلى خريف، وانتقد اعتقاد المعارضة المسلحة بإمكانية الوصول للسلطة بمساعدة دول أخرى، وشدد على ضرورة اتفاق الحكومة السورية والجزء العقلاني من المعارضة (المعتدلة)، وقال إن الموقف الروسي مع وقف أعمال القتال، ومواصلتها مع المتطرفين، والاتفاق على نموذج لصياغة دستور ثم عقد انتخابات، ومن يفوز بها يحكم البلاد.
من جهته، الكسندر شوميلين -مدير مختبر رصد مخاطر عدم الاستقرار السياسي في الجامعة الوطنية للبحوث- خالفه الرأي، وقال: لم يكن على روسيا أن تتدخل بالأزمة السورية بالطريقة العسكرية في أيلول/ سبتمبر 2015، ورأى أنه لا يجب الخوف من المعارضة الإسلامية المعتدلة، إذا استلمت السلطة، كما شدد على وقف إطلاق النار، من دون أن تُسحق المعارضة، كما أعرب عن قناعته بصعوبة إيجاد حل سياسي في سورية بوجود الأسد، وأشار إلى مشكلة التدخل الأميركي في سورية الآن، مشيرًا إلى استدارة العديد من الدول العربية من العلاقة مع موسكو إلى التوجه نحو واشنطن، وقال إن إيران بدأت تتحول إلى مشكلة كبيرة بالنسبة إلى روسيا، بعد معركة حلب.
من جهته، أعرب أندريه كوروتايف، من المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، عن أمله أن تُثمر الحوارات بين الأكاديميين والخبراء من الطرفين بتقريب جهات النظر والوصول إلى قواسم مشتركة يمكن أن تساهم في وضع أطر عامة للحل في سورية.
فيما شدد سمير سعيفان- المدير التنفيذي لمركز حرمون للدراسات المعاصرة- على أهمية التغيير في سورية، ونفى أن يكون التغيير ناتجًا عن تدخل أو مؤامرات خارجية، وأشار إلى أن التدخل صار بنتيجة إطالة أمد المشكلة وعدم حسمها في وقت مبكّر، وأعرب عن قناعته بأن روسيا كان من الممكن أن تلعب دورًا مهمًا لو أنها تدخلت تدخلًا صحيحًا في ذلك الوقت، وأن هذا الصراع الخارجي في سورية تسبب بدفع السوريين إلى كثير من الدماء، كما قال إن روسيا يمكن أن تلعب دورًا مختلفًا بدلًا من استمرارها بالتدخل السلبي، وحذّر من تقسيم سورية ومن المخاطر الإيرانية ومن التدخل السلبي الدولي المستمر في سورية، داعيًا الخبراء والأكاديميين إلى تقديم بعض الأفكار المهمة، سواء للحاضر أم المستقبل.
الجلسة البحثية الأولى:
في الجلسة الشاملة البحثية الأولى، تحدث الباحث كيريل سيمينوف -المختص بالنزاع في سورية واليمن وليبيا- عن مناطق خفض التوتر، وقال إن هذا الاتفاق لا يسدّ حاليًا العديد من المنافذ التي يمكن أن تستفيد منها القوى المؤيدة للحرب في سورية، كطهران و(جبهة فتح الشام) التي قال إنها لا تريد حلًا سلميًا في سورية، وأشار إلى أن هذه الاتفاقية اقتُبست من اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة في كانون الأول/ ديسمبر 2016 مع تطويرها وتفادي المشكلات ونقاط الضعف فيها، ومعالجة القصور فيها بعد تجربتها عمليًا في أكثر من منطقة في سورية.
ورأى أنه لا يوجد آليات وقدرات لمراقبة الهدنة بشكل طويل الأمد، وأشار إلى ضرورة وجود عقوبات على كل من يخترق الهدنة، سواء من المعارضة أو من النظام، وشدد على ضرورة مشاركة دول غير مشاركة بالنزاع في مراقبة وقف إطلاق النار هذا، كالولايات المتحدة وغيرها.
وأشار إلى أن النسخة الأولى من الاتفاق تترك للنظام السوري قدرةً على المناورة والالتفاف، كما انتقد عدم شمل كل المناطق السورية، وقال إن عدم شمل كل هذه المناطق في الاتفاقية يهدد بنسفها وإفشالها.
كما تحدث الباحث والإعلامي أنطون مارداسوف، عن مناطق خفض التوتر والصعوبات والمشكلات التي تكتنف الاتفاقية المعنية بوقف إطلاق النار في مناطق مختارة، وأشار إلى الصراعات التي تحصل بين بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة.
وانتقد تواجد القوات الشيعية الموالية والتابعة لإيران في المناطق الحدودية، وقال إن هذا يُشكّل خطرًا على الحوار السياسي والاستقرار السياسي، وشدد على ضرورة تلافي تشكيل الهلال الشيعي الذي تسعى إيران لتشكيله، كما أكّد على أن السوريين في شمال سورية يرفضون ما يقوم به حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” السوري التابع لحزب العمال الكردستاني، منبّهًا من احتمال تغيير الولايات المتحدة لرأيها ووقف دعمها للأكراد، بعد معركة الرقة المرتقبة، ورأى أن معركة حلب كانت تحديًا روسيًا لإيران التي كانت تسعى للسيطرة على حلب، وقال إن العلاقة بين روسيا وإيران هي كـ “زواج المتعة” يمكن أن تنتهي إلى طلاق.
أما اللواء محمد الحاج علي، فقد قدّم تحليلًا للوضع العسكري الراهن في سورية، سواء من طرف النظام أم من طرف المعارضة، كما ناقش سيناريو (اللاحل) في مجرياته المحتملة.
وفي تحليله للوضع العسكري على جبهة النظام، قال الحاج علي إن النظام السوري فقد 75 في المئة من قدراته العسكرية عما كانت عليه عام 2011، وعلى الرغم من عدم وجود أرقام حقيقية، إلا أنه أشار إلى أن القوات العسكرية المنضوية للجيش لا تزيد عن 75 ألف جندي، وبقي لدى النظام نحو 5 آلاف دبابة، و400 بي ام بي، ونحو 1500 مدفعية، مع الإشارة إلى أن غالبية السلاح المتبقي غير صالح أو مهترئ أو قديم بسبب سوء الصيانة، وبقي طائرات مقاتلة 20، ومثلها من طائرات الدفاع، وحوامات أقل من 25 طائرة من مختلفة الأنواع، وجميع هذه الطائرات تحتاج لصيانة,
وأشار إلى قوات الدفاع المدني التي عملت عليها إيران لصناعة ميليشيات مشابهة للحرس الثوري الإيراني، ولإعفاء قوات النظام من المسؤولية القانونية عن الجرائم التي ترتكبها هذه الميليشيات، وقال إن عددها في سورية نحو 100 ألف، وتنتشر في كل مناطق النظام وأسلحتها متوسطة وخفيفة.
أما عن كتائب البعث فقال إنه من مسلحي البعث المسلحين بأسلحة خفيفة وتمويلها من التجار والنظام، ومستوى تدريبها ضعيف. وبالنسبة إلى قوات صقور الصحراء فقال إنها ميليشيات طائفية من المغالين طائفيًا وعددها نحو 2500 مقاتل، وتدريبها جيد، وتُدعم من قبل طيران النظام والطيران الروسي، وأشار إلى وجود 5 فصائل فلسطينية على الأقل تساند النظام السوري، وعدد مقاتليها بين 5 إلى 7 آلاف مقاتل.
واستنتج أنه ليس لنظام الأسد أي خيار إلا القتال، وأي شيء آخر هو نهايته، فالحل السياسي والعسكري يعني نهاية الأسد ونظامه، وهو مستعد لفعل أي شيء للبقاء في السلطة، ودمر البنية التحتية ومازال يصر على القتال من أجل ذلك، وأنه رغم استنجاده بالإيرانيين وروسيا لم -ولن- يستطيع القضاء على المعارضة.
وقال إنه ليس لدى النظام جيش، وكل من هناك هو ميليشيات، وصار النظام أقرب لقوى المعارضة العسكرية بالتشتت، ولولا روسيا لسقط من فترة طويلة، بعد أن فقد طبيعته الوطنية.
وعن المشاركة الإيرانية أشار إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وإلى وجود كتائب وقوى عسكرية إيرانية تتبع لجهات إيرانية مختلفة، وقال إن معركة سورية هي معركة مصير بالنسبة لإيران ولحزب الله، الذي يشارك نحو 6 إلى 7 آلاف مقاتل في سورية، وخسر نحو 1500 مقاتل في سورية خلال المعارك مع المعارضة. كما أشار إلى وجود أكثر من 15 ميليشيا عراقية، تعمل تحت إدارة قاسم سليماني، تعدادهم نحو 12 إلى 15 ألف مقاتل، وإلى وجود قوات أفغانية وباكستانية، كزينبيون وفاطميون، وقدر عدد مقاتليهم بنحو 4 إلى 5 آلاف مقاتل، وقال إن سقوط الأسد في سورية سيؤدي إلى انكفاء إيران عن سورية، لذلك لن تتخلى عن الأسد.
وتحدث عن الميليشيات الكردية في شمال وشمال شرق سورية، التابعة لحزب العمال الكردستاني – فرع سورية، يدعو لفيدرالية مشابهة لتلك المطبقة في العراق، وقدر عدد المقاتلين بنحو 30 ألف مقاتل. وعن مقاتلي (داعش)، قال إنهم نحو 15 – 20 ألف مقاتل، مرفوضون من غالبية المعارضة السورية، كما أشار إلى وجود نحو 150 ألف مقاتل، تمتلك كل الأسلحة عدا مضادات الطيران، وتؤمن بقضية وثورة، وحلل وفكك انتماءات هذه القوات المعارضة، وتقسيماتها وفصائلها، وانتقد تفرقها وأخطائها واختلافاتها، وكذلك ضياع بوصلة العديد منها، وقتالها الداخلي بأوامر الداعمين، كما انتقد انفصال السياسي عن العسكري.
وعن سيناريو الحل، أكّد الحاج علي على استحالة إعادة تأهيل وإصلاح النظام السوري، وقال إن سيناريو (اللاحل)، أو استمرار الصراع، وهو سيناريو يدفع روسيا إلى الاقتناع بضرورة بقاء الأسد، وتتجه روسيا وقوات النظام للسيطرة على “سورية المفيدة”، ولا تصل مع أميركا إلى حل، وتستمر أميركا بزيادة قوتها في سورية لموازنتها مع القوة الروسية، وسيجد الأكراد فرصة تاريخية بهذا السيناريو لاقتطاع جزء من شمال سورية، وهذا السيناريو يبدأ بتوافق أميركي روسي على مناطق وقف إطلاق نار ضمن مناطق محددة، وتقسيم سورية إلى مناطق مؤقتة، ومنطقة نفوذ كردية شمال سورية، ومنطقة نفوذ المعارضة وسط وشمال وسط سورية، وتحصل سلطات الأمر الواقع على اعتراف مؤقت ويتعامل معها المجتمع الدولي كسلطة أمر واقع لتسيير الأمور المحلية، وهذا سيخلق مشكلة للميليشيات التي لها مصلحة باستمرار الحرب، وستسعى لتخريبه، وتنمو التنظيمات المتطرفة بسبب عدم وجود حل، وسيكون لدينا عراق ثاني زاخر بالتفجيرات، وسيبقى هذا الحل مكلف لروسيا، وستكلفها أخلاقيًا وسياسيًا واقتصاديًا وأيضًا عسكريًا.
الجلسة البحثية الثانية:
وفي الجلسة الثانية، ناقش د. سمير سعيفان، سيناريو الحل السياسي في سورية، وأشار إلى أن ملامح السياسة الأميركية لم تتضح حتى الآن باتجاه هذا الحل، ورأى أن تعزيز النفوذ الأميركي على الأرض سيدفعها ربما للمواجهة مع الطرف الآخر الروسي والإيراني، واعتبر أن هذا السيناريو يمكن أن يتحقق فقط إن كان هناك توافق روسي أميركي، أما اللاعبون الإقليميون لمثل هذا السيناريو، فتركيا تتوسع وتزيد نفوذها وتشدد على عدم تقسيم سورية حتى لا يتحول العراق وسورية لقواعد لحزب العمال الكردستاني، ونوّه باحتمال تغير العلاقة التركية – الأميركية وتأثير ذلك على احتمال زيادة قوة السياسة التركية، فيما اعتبر أن إيران لن تقبل بهذا السيناريو إلا مُرغمة، فيما يبقى السوريون من كل الأطراف مبعدون كليًا عن التأثير للوصول إلى هذا السيناريو.
وشدد سعيفان على ضرورة التمسك ببيان جنيف للوصول لنظام حكم يتم من خلاله معالجة مسألة الرئاسة، مشيرًا إلى وجود قناعة كاملة باستحالة عودة الأوضاع للاستقرار بوجود الأسد وهيكل نظامه، كما أشار إلى إمكانية ترتيب معطيات محددة تضمن مصالح روسيا في المنطقة، وإلى ضرورة تشكيل مجلس عسكري، ومعالجة موضوع مسلحي الطرفين، ووضع برنامج لإخراج المقاتلين الأجانب، ولمن يرفض تسليم السلاح، كما يجب أن يكون هناك مبادئ عامة لمبادئ دستورية، وليس دستور، معتبرًا صياغة دستور خارجي هي عملية في غاية الخطورة، ثم وضع أسس لعدالة انتقالية منتظمة وواضحة، ثم الانتقال لعملية إعادة الإعمار يؤخذ فيها بعين الاعتبار مصالح الأطراف الأهم المقبولة، على أن يكون قرار دولي مُلزم وواضح هو الناظم لكل هذا الحل السياسي.
وعدّ أن مثل هذا السيناريو يناسب روسيا -اقتصاديًا وعسكريًا ومصلحيًا- وسينعكس إيجابًا على روسيا عربيًا ودوليًا، ويضع حد للتطرف الذي تخشى منه روسيا، مشيرًا إلى أن هذا الحل هو الوحيد الذي يسهم على ما تبقى من سورية ويضمن لها انطلاقة جديدة، وعودة استقرار سورية والمنطقة عمومًا، ويحقق إبعاد إيران عن المنطقة، ويمكن أن يلقى تأييدًا سوريًا واسعًا.
من جهته، وصف اليكسي فاسيليف -رئيس معهد الدراسات الأفريقية- العلاقةَ الإيرانية-الروسية بـ “زواج مصلحة”، وانتقد السياسة الروسية، وقال إنها لا تنظر إلى الأسد من وجهة دينية، وترى به رئيسًا علمانيًا، وتعتقد أن ما جرى في سورية هو “مؤامرة غربية”، وبالنسبة لروسيا ليس أمرًا محوريًا أن يخلف الأسد شخص من طائفة معينة أو قائد منفرد، وإنما مجموعة حاكمة في سياق الاتفاقات، حسب بيان جنيف لعام 2012، مجموعة تستطيع الانتقال لصيغة حكم جديدة.
أما عن إيران فقد قال إن إيران لا ترى نفسها جسمًا أجنبيًا، ولا فاعلًا إقليميًا، بل ترى نفسها عاملًا داخليًا كبيرًا، على حساب العلاقة مع الشيعة وحزب الله، وتركز على ذلك، أما روسيا بالنسبة إلى إيران فهي حلقة هامة في سلسلة مقاومة الغرب ثم في سلسلة تنشر الممرات الأرضية التي تؤمن اتصال إيران بحزب الله والوصول إلى حدود إسرائيل، وتعتبر روسيا من قبل القيادة الإيرانية هي عنصر حاسم لنشر النفوذ الإيراني وجعله نفوذًا إقليميًا.
وانتقد مواقف النظام السوري وإيران من اتفاق تخفيف التوتر، ومحاولتهما عرقلته وتعطيله، وقال إن هذه التصرفات تساهم في تباعد الموقف الروسي عن الموقف الإيراني، كما أشار إلى تزاحم طهران وأنقرة في الإقليم، لكنّه في نفس الوقت شدد على أن روسيا مستعدة للتفاهم ليس مع مجموعات المعارضة السورية المعتدلة فقط، وإنما مع كل فصائل المعارضة السورية المسلحة، كما حصل في أستانا حين جُمعت هذه الفصائل على طاولة المفاوضات.
وقال إن السياسة الروسية متناقضة، من خلال مواقفها المتناقضة من إيران، وعلاقتها بالمعارضة السورية المسلحة ومحاولة إنهاء المعتدلة منها على حسب المتشددة، وسواء بموقفها المتناقضة أيضًا من الأسد، ورأى أن روسيا قد تتورط أكثر من الوضع الراهن ربما ضمن استراتيجية أميركية تُسعد لذلك.
وشارك، في الندوات والجلسات الحوارية المختصة، عددٌ من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين السوريين، من بينهم د. سمير سعيفان، د. عبد الله تركماني، د. إبراهيم الفريحات، نزار أيوب، نادر جبلي، باسل العودات، محمد الحاج علي، د. محمود الحمزة وغيرهم، ومن الجانب الروسي 15 باحثًا ومختصًا من المؤسسات العلمية والأكاديمية المشار إليها.
وفي اليوم الثاني الختامي للندوة العلمية الأكاديمية وورشات العمل المرافقة لها، والتي عقدها مركز (حرمون) للدراسات المعاصرة، بالتعاون مع المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، والمجلس الروسي للعلاقات الخارجية، ومركز تحليل الصراع في الشرق الأوسط في معهد كندا وأميركا بموسكو، حول الصراع الدائر في/ على سورية، في 26 و27 أيار/ مايو الجاري، أكّد الباحثون من كلا الطرفين السوري والروسي على حجم التوافق الكبير بين رؤاهما حول هذا الصراع، وقدّموا مجموعة من الأفكار الملموسة حول الواقع السوري، واحتمالات المستقبل، والعقبات التي تواجه كلّ حل من الحلول المطروحة على المستوى الإقليمي والدولي.
وفي الجلسة الختامية للندوة التي عُقدت في العاصمة الروسية موسكو، بمشاركة نحو 30 باحثًا وسياسيًا ومختصًا وإعلاميًا، من السوريين والروس، أوضح الجانبان أنهما بحثا، بعمق، سيناريو الحل السياسي وفق جنيف من دون الأسد، من الناحية السياسية، العسكرية، الدستورية، والقانونية، وإعادة الإعمار المادي والمجتمعي.
وحلل الجانبان مضمون الحل السياسي القابل للتحقق، ويمكن أن يُعيد الاستقرار، والقائم وفق جنيف وقرارات الأمم المتحدة، وحللا شكل المشاركة في السلطة بين النظام والمعارضة وأطراف من المجتمع خلال المرحلة الانتقالية، وشكل السلطة الحاكمة للفترة الانتقالية، وأي مؤسسات سلطة مساعدة خلال هذه الفترة، ونقاط قوة وضعف مثل هذا الحل السياسي.
كما بحث الجانبان أسسَ معالجة الجانب العسكري في سيناريو الحل السياسي، وحللا شروط تحقيق وقف إطلاق النار ومراحله، ووسائل معالجة المجموعات المسلحة على طرفي النزاع، والمجلس العسكري المشترك، وأسس إخراج جميع الميليشيات والمقاتلين الأجانب من سورية، وعودة العسكريين المنشقين، وأسس إعادة هيكلة القوات العسكرية والأجهزة الأمنية وشروطه ومراحله، وطرق مكافحة الإرهاب، فضلًا عن التحديات التي تواجه الجانب العسكري في الحل السياسي وسبل التغلب عليها.
وشددا على أهمية العدالة الانتقالية، وعدم مشاركة مجرمي الحرب من كِلا الطرفين، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بحيث تلائم وجودها في دولة طبيعية، وإلغاء أو دمج العديد من الأجهزة الأمنية، وإعادة هيكلتها ديموغرافيًا، وتحديد مهمّاتها، وعلى ألا يتم تشكيل أي كيان عسكري على أساس طائفي أو إثني، ومحاربة (داعش) من كل الأطراف، والتخلي عن قصف المدن والأحياء المدنية بحجة قصف جبهة (فتح الشام)، وتلازم الحل السياسي مع الحل العسكري، وضمان عدم استبداد العسكر بالحكم والسلطة والقرار.
كما بحثا السمات العامة للسلطة الدستورية العليا في المرحلة الانتقالية، وأسس معالجة الجوانب الدستورية والتشريعية والقانونية في هذه المرحلة، والأسس العامة التي يجب مراعاتها لدى كتابة الدستور (مبادئ ما فوق دستورية)، والخطوط العامة، ومبادئ تنظيم العدالة الانتقالية، وأسس التعامل القانوني مع مؤسسات الدولة ومؤسسات حزب البعث.
وحللا الشروط العامة اللازمة لإعادة الإعمار المادي، والأسس العامة لتنظيمه، والدراسات المبدئية التي تحتاجها هذه العملية، وقضية تمويل إعادة الإعمار ومصادر التمويل المحتملة وشروط تحققها، وأسس وشروط معالجة موضوع المهجرين داخل سورية وخارجها، وأسس وشروط منع الانتقام، وإجراءات تحقيق إعادة اللحمة الوطنية في سورية، وحللا الشروط المساعدة لمواجهة الظواهر التي أفرزها الصراع: نمو العنف، توسع انتشار الفساد، الجريمة المنظمة وغيرها.
وشدد الجانبان على ضرورة عدم تهميش أي تطبيق عزل سياسي على أي جهة، ولا يجوز أن يكون الانتماء الديني أو الطائفي أو المذهبي مبررًا لإشراك أي أحد في العملية السياسية، كما لا يجوز معاقبة أحد إلا إذا تورط بجرائم حرب.
وأخيرًا شرّحا بشكل عام الأجسام العسكرية لكلا الطرفين: المعارضة والنظام، وما يمكن أن تكون عليه العلاقة بين الجسم العسكري والأجسام السياسية، ومدى صلة المسار العسكري بالمسار السياسي.
وشارك، في الندوات والجلسات الحوارية وورشات العمل المختصة، عددٌ من الباحثين والأكاديميين والإعلاميين السوريين، من بينهم د. سمير سعيفان، د. عبد الله تركماني، د. إبراهيم الفريحات، باسل العودات، محمد الحاج علي، نزار أيوب، نادر جبلي، د. محمود الحمزة وغيرهم، ومن الجانب الروسي 15 باحثًا ومختصًا من المؤسسات العلمية والأكاديمية المشار إليها.
ناقشت الندوة، خلال يومين وعبر سلسلة من ورشات العمل المختصة، مجموعةً من الموضوعات المهمة، تتعلق بالجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية للقضية السورية، والتحديات السياسية والعسكرية والدستورية والقانونية، وإعادة الإعمار المادي والمجتمعي، وكذلك تحليل (سيناريوهات) تطور الوضع في سورية ونتائج كل منها، مع التركيز على سيناريو الوصول إلى حل سياسي وفق جنيف من دون الأسد، وقيام سلطة انتقالية شراكة بين أطراف من النظام والمعارضة وجهات مستقلة مجتمعية، مع دعم هذا الحل من قبل القوى الإقليمية والدولية.
اترك رد