تقرير الندوة الدولية الأدب والفلسفة: مراصد نقدية … أحمد الفراك

د. أحمد الفراك (جامعة عبد المالك السعدي/تطوان)

تحت عنوان “الأدب والفلسفة: مراصد نقدية” نظمت شعبة اللغة العربية وشعبة اللغة الفرنسية ومختبر البحث في المجتمع والخطاب وتكامل المعارف، داخل الكلية المتعددة التخصصات بمدينة الناظور (المغرب) والتابعة لجامعة محمد الأول بوجدة (المغرب)، ندوة علمية دولية يومي الأربعاء والخميس 03 -04 مايو 2017، حضرها ثلة من الباحثين في مختلف الحقول الفلسفية والأدبية من المغرب والجزائر وتونس، مثلوا خلالها عشرات الجامعات والمعاهد العلمية، وقدموا أوراقا علمية تلامس كل واحدة منها موضوع الندوة في إحدى إشكالياته المحورية والتي منها:
أولا- نحو نظام نظري (براديغم) ممكن لقراءة العلاقات المختلفة بين الأدب والفلسفة: مفاهيم الإشكالية ومصطلحاتها.
ثانيا- بحث في التقاطعات التاريخية الكبرى بين الأدب والفلسفة: دراسات نظرية تحليلية في تاريخ العلاقة بينهما. ما هي أسئلتها النقدية، وما هي خصائصها وسياقاتها وكيفيات تحققها؟

ثالثا- الكتابة باعتبارها إبداعا أدبيا وتنظيرا فكريا في الوقت نفسه. هل يمكن الحديث عن وجود حدود ابستيملوجية بين الحقلين؟ وإذا افترضنا وجودها، كيف يمكن للنص أن يكون تركيبا بينهما؟ (دراسات حول نصوص نموذجية)

رابعا- نماذج تاريخية من أدب الفلاسفة، وفلسفة الأدباء، دراسات تطبيقية لنصوص نظرية أو أدبية وإبداعية محددة..

والمتتبع لأشغال الندوة من أولها إلى آخرها يلمس جدة وجديد البحوث العلمية المتنوعة والعميقة التي تناولت موضوعا تخصصيا دقيقا تتقاطع فيه المنهجية الفلسفية بمدارسها المختلفة مع الأدب بحقوله المختلفة. وقد ظهر ذلك جليا من خلال فقرات الجلسات العلمية الأربع كالآتي:

في الجلسة الافتتاحية التي سير فقراتها الأستاذ عبد الحميد يويو رئيس شعبة الدراسات الإسلامية بنفس الكلية، تناول الكلمة بعد تلاوة آيات بينات من القرآن الكريم السيد عميد الكلية الدكتور علي أزديموسي ليذكر بما توفره الكلية من تكوينات ومسالك ومختبرات، كما هنأ الجهات المنظمة للندوة على اختيار هذا الموضوع الدقيق الذي تشارك فيه أكثر من ثلاثين محاضرة علمية باللغتين العربية والفرنسية، كما شكر السيد العميد جميع الحضور من الباحثين والطلبة الذين ينتمون إلى تخصصات معرفية مختلفة.

بعد ذلك ألقى الأستاذ يويو كلمة تمهيدية ركز فيها على خاصية التداخل بين العلوم سواء منها العلوم الطبيعية أو الانسانية، معتبرا أنها خاصية أزلية مرتبطة بالعلوم منذ بدايتها الأولى، وإن طرأ أن فصل مؤرخو الفكر الغربي الفلسفة عن العلوم وجعلوها تاريخا للفكر، تتوسط بين زمن الفكر المتوحش المتخلف ما قبل الفلسفة وزمن التفكير الفلسفي المتنور وكأن الإنسان في نظر يويو لم يبدأ التفكير إلا مع الفلسفة ! مثلما اعترض على القول بأن العلوم انفصلت عن الفلسفة بعدما كانت أمها، مذكرا بالنقاش الفلسفي العميق الذي أعاد الاعتبار للغة في الخطاب الفلسفي في المدارس التحليلية والتأويلية والتفكيكية…وخاصة عن الألمان.

من جهته رحَّب المنسق العام للندوة السيد مدير مختبر البحث في المجتمع والخطاب وتكامل المعارف بالمشاركين والمساهمين في التنظيم والتموين وعلى رأسهم المشاركة المتميزة لشبكة ضياء للمؤتمرات والدراسات في شخص الدكتور أحمد الفراك (أستاذ الفلسفة بجامعة عبد المالك السعدي) والدكتور يوسف بنلمهدي (أستاذ العقيدة وعلم الكلام بجامعة عبد المالك السعدي). كما نبَّه إلى أن تاريخ الفلسفة هو نفسه تاريخ الأدب لأن هناك تقاطعات كثيرة بين الحقلين تحتاج إلى رصد أحجامها وألوانها وحضورها، فهناك فلاسفة أدباء وأدباء فلاسفة، فالعلم كما يوق الدكتور المنجرة ينشأ ويتطور عندما تلتقي العلوم، وموطن اللقاء بين الأديب والفيلسوف هو اللغة.

الجلسة الأولى سير مشاركاتها الأستاذ أبو عبد السلام الإدريسي

تناول الكلمة الأولى في هذه الجلسة الدكتور جواد رضواني -هو باحث في مجال الثقافة والهوية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة- في ورقة بعنوان “الأدب والفلسفة: الحدود والتقاطعات”، منطلقا من فرضية مفادها أنه لا يمكن رسم خط فَصْل واضح بين الأدب والفلسفة، أو بين الفلسفة والأدب. فتاريخيا، لا يمكن تحديد أي بداية واضحة لأي منهما باعتبار معيار السبق للوجود تحت أي داع من الدواعي. ويرجع ذلك لكون السبب، أو العلة، أو المحفز الأول للإرادة الإنسانية والدافع بها نحو التفلسف هو نفسه الداعي الأول والمحفز لها ذاتها نحو الإبداع الأدبي. فَهُما أصلا، أي الأدب والفلسفة، ليسا نوعين مختلفين من الإبداع، بقدر ما هما صنف واحد أصله “عملية فكرية/حسية” اعتمدت اللغة كأداة تعبير. فإذا اعتبرنا أن الفلسفة نسق فكري معين، ناتج عن عملية استنباط وترتيب منطقي لأفكار وليدة تفاعل غريزي، ثم عقلاني، مع الواقع (الغريزة تسبق العقل)، وجدنا أن الأدب، رغم اختلاف شكله، وجنسه الأدبي، – وهي تصنيفات اعتباطية تنتفي بمجرد الوقوف عند أصل الشيء وماهيته الحقيقية – ، يَنتُج، في جميع الحالات، عن نفس نوع التفاعل ويخضع لنفس معيار التنظيم الفكري والمنطقي. فرغم تعدد الأشكال السردية/التعبيرية لكل من الأدب والفلسفة، إلا أن كلاهما واحد ولا يمكن أبدا الزعم، بصفة نهائية، أن الفلسفة، أو جميع الأنساق الفلسفية، ليست في أصلها “سرديات،” وذلك بمقدار لا يمكن عبره، في نفس الوقت، النفي بأي شكل من الأشكال، أن الأدب، في أصله، علوم إنسانية تضم الدين، والاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والأخلاق، إلى غير ذلك من المشاغل الإنسانية العامة بجميع أشكالها، منظور إليها من زاوية فكرية خالصة. تسعى الورقة لإثبات الموضوع من خلال أرضية أدبية وفلسفية تنبني على مناقشة أمثلة حية من المجالين موضوع الدرس. ليتناول بعده الدكتور محمد مساعدي من الكلية متعددة التخصصات بتازة في ورقته الموسومة بــ”الأدب وسؤال الحقيقة” سؤال الحقيقة من زاويتين:

زاوية أنطولوجية: تم التركيز فيها على مادة الأدب، أي على الجانب الشيئي في الفن عامة وفي الأدب خاصة.

زاوية ابستمولوجية: تم التركيز فيها على صورة الادب، أي على تلك القوانين المجردة والمقولات العامة التي يفترض العلم وجودها في الأدب ويحاول رصدها لبناء الأدب، ومثال ذلك ما حصل في رواية القوس والفراشة لمحمد للأشعري. ليؤكد الأستاذ مساعدي على أن “الدراسات المتعلقة بالأدب تتجه اليوم صوب التكامل والتفاعل بين البعدين السابقين”.

أما الدكتور جمال لخلوفي من كلية متعددة التخصصات بالناظور فقد عنون مشاركته بــ”الفلسفة والأدب بحث في الأسس الأنثروبولوجية”، معتبرا ان اللحظة اليونانية كانت لحظة انفصال الادب عن الفلسفة من خلال انفصال اللوغوس عن الميتوس، مُعرجا على مفهوم المحاكاة بوصفها الشكل الأول للتعلم مدخلا لإعادة النظر في كيفية تناول العلاقة بين الأدب والفلسفة، مضيفا أن الإنسان بطبيعته في نظر ماكس شيلر غير مُكتفٍ، مادام يولد ناقصا يدفعه نقصه إلى الاستقلال وتكوين عالمه الداخلي متفاعلا مع العالم الخارجي، وتؤدي اللغة دورا مركزيا في هذه العملية المعقدة، فالنوازع تتجاوز صورتها بواسطة اللغة، فيصبح الباطن مشكلا من خلالها فتتنوع بالتالي الأحاسيس بتنوع الثقافات. وفي ورقته الرابعة من نفس الجلسة قدم الدكتور معاد أدهم الأستاذ بجامعة ابن مسيك بالدار البيضاء عنون مشاركته بــ”السيمونطيقا والريتوريقا”.

أما الجلسة العلمية الثانية فقد سير فقراتها الأستاذ الحسين فرحاض، وتوالت مشاركات الباحثين على الشكل الآتي:

في موضوع “الخطاب الفلسفي بين المنطق والبلاغة” قدم الدكتور عبد الله المرضية ورقة علمية ركز فيها على علاقة الفلسفة بالبلاغة قديما وحديثا، من بارمنيدس مرورا بالسوفسطائيين إلى أفلاطون الذي طرد الشعراء من أكاديميته وأرسطو، وصولا إلى ديكارت وكانط وفلسفة ما بعد الحداثة، حيث وقعت في المرحلة المعاصرة انعطافة جديدة جمعت بين الفلسفة والأدب وأعادت الاعتبار للقول الأدبي عموما والبلاغي على وجه الخصوص.

أما الدكتور اسماعيل المساوي من المدرسة العليا للأساتذة بالرباط فقد خصص مشاركته لموضوع “الأدب الصوفي الفلسفي: دراسة تطبيقية لنظرية االفيض”، حيث انطلق من الأسس الفلسفية للطريقة الكتانية الأحمدية، وهي: 1-نظرية الوجود ذات الابعاد الثلاثة: الأحدية، والمحمدية أو برزخ الوجود، والموجودات الجزئية أو التجلي، 2- وحدة الوجود، 3- ماهية الأدب والفلسفة والتصوف.

تلاه رئيس مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية بمكناس الدكتور ادريس مقبول بورقة في “محمد عزيز الحبابي بين الأدب والفلسفة”، مؤكدا غياب الحدود الفاصلة بين الأدب والفلسفة، مبينا أن الفلسفة غالبا ما توجد خارج الدرس الفلسفي، وهو الأمر الذي يؤكده غنى النصوص الأدبية بالمادة الفلسفية، ومثال ذلك روايات الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي “جيل الظمأ” و”العض على الحديد” بالإضافة إلى أشعاره الجامعة بين الذائقة الأدبية والعمق الفلسفي والنقد الاجتماعي. وبعد الدكتور مقبول تناول الكلمة الأستاذ مراد جدي ليتحدث عن معالم التقاطع والتداخل في موضوع “الأدبي والفلسفي في كتابات ابن عربي حول المرأة”، متسائلا كيف استطاع ابن عربي توظيف الأدب الأنثوي في التعبير عن فلسفة نسوية؟ فهو يستحضر المرأة بشكل تجاوز به المنظور الثقافي السائد في زمانه، معتبرا أن الأنوثة أصل الخلق ومبدأ الحياة الإنسانية، فلولا وجود الأنثى لما كان هناك وجود، بل إن حنان المرأة في نظر ابن عربي هو حنان إلى الموطن الذي هو ذاته وهي أنثى، فتعيش بين أنثيين هي وذات الرجل.

وفي الورقة الخامسة من الجلسة الثانية قدم الدكتور عبد الغاني حسين من الكلية متعددة التخصصات بالناظور موضوعه تحث عنوان “الأدبي والفلسفي في الشعر العربي المعاصر”، مبينا حضور الدرس الفلسفي في الكتابة الشعرية المعاصرة، مستشهدا بهيدجر الذي يعتبر الشاعر الحق كالفيلسوف الحق مخرباً، لا يترك شيئا على حاله بل يخلخله وقد يهدمه إذا كان قابلا للهدم، غير أن الشعر وإن كان قد يتضمن نفسا فلسفيا فهو لا يتحول إلى فلسفة خالصة لأنه لا يتجاوز الفردية، فتبقى بين الشعر وهو حجاج تخييلي أداته المجاز والفلسفة وهي حجاج برهاني مسافات غير قابلة للعبور. فلا يمكن أن نعد أدونيس مثلا فيلسوفا. وبعد الأستاذ حسين تقدم الدكتور محمد سعيد الزكري الباحث في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان بورقة في موضوع “الأدب والفلسفة في فكر طه عبد الرحمن” معتبرا أن إشكالية العلاقة بين الأدب والفلسفة، هي قراءة لتاريخ الوعي الثقافي، تتدرج من الإحساس إلى أكثر المفاهيم فكرا وفهما، فينزع من الأشياء و الموضوعات والتحولات حدودها مادية لتصبح صورا خالصة في الإدراك والذاكرة والخيال والفهم، وهذا التجريد من وجهة نظر طه عبد الرحمان لا يقوم ولايدرك أساسا إلا بمقدار ما يتموضع وعيا وينكشف معرفة وعلما وانجازا ودينا وفنا وأدبا بالذات.

لكن الوعي الذي حمل المعطى بتجلياته المختلفة من مجرد استعداد إلى وجود بالفعل، يتجلى دائما في” ثنايا الأجزاء كما في المسيرة كلها قصورا ونقصا، وعدم اكتفاء تلزمه أن يتضمن باستمرار انعكاسا على الذات، قد لا يحسه البعض غير أنه يسهل إداركه، وهذا الانعكاس على الذات هو ما يسميه طه عبد الرحمان بـ”مستوى المشروع الفلسفي”. وفي سياق ما طرحه طه عبد الرحمان يرى أن الفلسفة في تقليدها للعلم وقعت في ” أخطاء” أربعة: ترك الحس، وترك العمل، وترك الخيال والمجاز، وترك الجوار والإبداع، بينما الأدب يطلب أوصاف الحس والعمل والخيال والمجاز والجواز والإبداع. في حين يأخذ الأدب بهذه الأوصاف لأنه يقوم بوظيفتين متقابلتين لوظيفتي الفلسفة المقلدة للعلم: يأخذ الأدب بوظيفة التشبيه في مقابل وظيفة التعريف للفلسفة ،ويأخذ الأدب بوظيفة التخييل ،في مقابل الفلسفة التي تأخذ بوظيفة التدليل. وعليه ،فالأديب مشبه، والفيلسوف مدلل، والأديب مخيل، والفيلسوف مُعرف.

بعد ذلك ألقى الدكتور جمال الدين الخضيري من الكلية متعددة التخصصات بالناظور كلمة تلخص موضوع ورقته في “البعد الفلسفي في المسرح المغربي: تجربة مسرح المرتجلات والمسرح الصوفين أنموذجين”، مبينا أن الفلسفة كانت باستمرار هي خشبة المسرح، حيث ما انفك النشاط المسرحي عن العمق الفلسفي منذ أفلاطون في مسرحية مملكة الشعراء وأرسطو في مسرحية السُّحب مرورا بآلاف النصوص منها المسرح الصوفي ومسرح المرتجلات إلى يومنا هذا حيث يغتني النص المسرحي بالدرر والحِكم الفلسفية.

وفي اليوم الثاني كانت الكلية على موعد مع الجلسة الثالثة من المؤتمر بتسيير الدكتور حسن بنعقية، حيث استأنف القول فيها الدكتور عبد الله جغنين من وجدة باللغة الفرنسية في ” Diversité générique et prosélytisme philosophique chez Voltaire” متخذا من فولتير نموذجا للأديب الفيلسوف الذي أنتج نصوصا أدبية وفلسفية في نفس الوقت، تلته الأستاذة نجاة زروقي من الكلية المحتضنة للنشاط العلمي في مشاركتها بعنوان “De l’intertexte chez Tahar Benjelloun ; entre la référence et la citation “، ثم الأستاذ العربي الطواف من كلية الآداب وجدة في “Poésie et vérité : le chant de l’être chez Mallarmé “، ليخلفه الدكتور جواد رشدي من جامعة مولاي أسماعيل بمكناس في موضوع “Le pouvoir du mot : Au confluent du littéraire et du philosophique”، أما الدكتور بيى الظريف فقد ناب عنه أحد أعضاء اللجنة المنظمة في قراءة ورقته الموسومة بــ”Transposition critique du cynisme antique dans l’ile de la Raison (1727) et l’indigent philosophe (1728) de Marivaux”.

وفي الجلسة العلمية الرابعة والأخيرة التي نسق فقراتها الأستاذ علي صديقي، تقدم الدكتور نور الدين هالي من جامعة قسطنطينة 2 قسم الفلسفة الجزائر بورقة في موضوع “روح الفلسفة في رواية الحمار الذهبي لأبيليوس الحب والنفس… من الرمز إلى المعنى المستتر وراء الأسطورة” معتبرا أن المتتبع لتاريخ العلاقة بين الأدب والفلسفة، سيكتشف أعمالا أدبية عبرت عن تيارات الفلسفية عديدة، وكذا فلسفات عرضت من خلال أجناس أدبية مختلفة، وهذا التداخل يؤكد وجود علاقة تلازم بينهما، في هذا الإطار سنتناول في هذه الورقة البحثية أنموذجا من النماذج التي تبرز للصلة الوثيقة بين الأدب والفلسفة، هذا الأنموذج يمتثل رواية: الحمار الذهبي لأبيليوس المداوروشي الأفلاطوني، وسنتطرق إلى الأبعاد الفلسفية لأحداثها، والكشف عن المعنى المتواري خلف الأسطورة ودلالاتها، وسنبين إلى أي مدى جسدت هذه الرواية تلك الصلة الوثيقة بين الأدب والفلسفة، وكيف تجلت قمة التجريد الفلسفي في نص سردي مفعم بالبلاغة والرموز والصور الفنية الإبداعية. هذا وقد قسم الدكتور هالي بحثه إلى خمسة عناصر تشتمل لمحة موجزة عن أبيليوس الروائي والفيلسوف الأفلاطوني، ثم عرض مختصر للرواية، وفي التحليل سنبرز العلاقة بين الروح والجسد، ومشكلة الهوية، وسؤال الأخلاق والدين والمرجعية الفلسفية للرواية ونظرية الحب والنفس، ومكانة ورمزية الإلهة أوزوريس عند أبيليوس.

ومن تونس اختار الدكتور خالد البحري موضوع “المعنى واللغة والشعر لدى برغسون” متناولا ما كتبه الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون معتبرا أنه ليس ثمة في تاريخ الفلسفة من فيلسوف شغل الأدباء والشعراء معا أكثر من الفلاسفة أنفسهم غير الفيلسوف الفرنسي المعاصر هنري برغسون الذي يعدّ في تاريخ الفلسفة الفرنسية القامة الكبرى الثانية بعد رونيه ديكارت. والحقّ أنّ محاضرات برغسون -صاحب جائزة نوبل للآداب لسنة 1927- كانت تشهد إقبالا منقطع النظير من أسماء تعدّ في تاريخ الأدب الفرنسي علامات بارزة. ولعلّ ما يفسّر ذلك أنّ النصّ البرغسوني جمع في رؤية فنيّة فلسفية بديعة بين الصور والمجازات والاستعارات والأخيلة المنتقاة بعناية خاصّة من ميدان البيولوجيا والتي تحيل إلى حقل الشعر، ومفاهيم فلسفية مبتكرة ومرنة على علاقة وثيقة بالحدس والديمومة والحياة والروح والمادة والتطور والخلق والذاكرة. بل إنّ برغسون لم يتوانى كلّما دعته الضرورة الفنية والفكرية والمنهجية عن انتهاج مسلك الروائيين في صنع الحبكة، وسرد الأحداث وابتكار شخوص؛ وهو في كلّ ذلك إنّما غرضه لم يكن زخرفة القول وإضفاء بعد جمالي عليه وإنّما تدقيق الفكرة وتقريبها من الأذهان ولذلك كان فيلسوفا صاحب أسلوب مميّز وكاتب فنّان منشغل بالكلمات الدارجة والمفاهيم المتداولة ومن ثمّ مهتمّ باللغة رأسا ومثلت نصوصه علامة حيّة على التفاعل بين الفلسفة والفن عموما مما طرح اشكالات عدة من بينها التأويل والمعنى والشعر والايقاع.

ثم بعده تقدم الأستاذ عبد القادر مرزاق من وجدة بمشاركة في “اللاوعي في الفلسفة والأدب الأوربي في القرن الثامن عشر: الأدب الروسي نموذجا”، ومن الجزائر مرة أخرى تحدثت الدكتورة مسعودة لعريط من جامعة مولود معمري في تيزي وزو “في تقاطع الأدبي والفلسفي: رواية الغثيان لجان بول سارتر مثالا”، حيث أبرزت أن الأعمال الأدبية المسرحية والروائية والنقدية لسارتر تؤكد الترابط الوثيق بين الفلسفة والأدب، إذ جعل سارتر من الأدب وسيلة لتمرير أفكاره الفلسفية عن الإنسان والحياة والوجود، فكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية في انتشار الوجودية في الغرب وفي بقاع أخرى من العالم. وقد اختارت مسعودة رواية “الغثيان” لأنها تمنح فضاء أكبرا لتجليات الفلسفة الوجودية، حيث يمكننا أن نبرز من خلالها تقاطع الفلسفي والأدبي عبر امثلة محسوسة، فهل كتب سارتر روايته بأفكار الفيلسوف الوجودي المعروف أم كتبها باعتباره روائيا متميزا؟ أو قل هل الغثيان نص فلسفي أم نص روائي؟

جوابا على هذا السؤال ركزت الباحثة لعريط على ثلاثة عناصر أساسية في نظرها هي: العنوان يوصفه عتبة نصية أولى ترتبط ارتباطا وثيقا بكينونة النص، والفضاء الروائي، لأنه يحضر في رواية الغثيان كعنصر مهيمن على أطراف اللعبة السردية من بدايتها إلى نهايتها. بالإضافة إلى عنصر الرؤية السردية الذي يخول للقارئ فرصة تلمس الكيفية التي قدم بها الراوي عالمه السردي، والذي يجعلنا نصل إلى نوع الوعي الذي تختزنه الرواية، مما يمكننا من تحديد نوعية التفلسف في هذا النص.

أما الدكتور توفيق فائزي من جامعة محمد الأول وجدة، وهو بالمناسبة صاحب كتاب “الفلسفة والاستعارة” وكتاب “الكلام والكتاب والمعنى”، فقدم مشاركته بعنوان “قراءة الفلسفة لبعض أعمال كافكا: مقارنة بين حنا أرندنت وجاك دريدا”، تلاه الدكتور محمود يوسف حسينات من الأردن الذي تعذر عليه الحضور فناب عنه الأستاذ يويو في تلاوة ورقته المعنونة بـ”بريشت كاتبٌ ثائر ومفكر متمرد”، مبرزا اجتماع الوجه الفلسفي بالوجه الفني والوجه النضالي للأديب الفيلسوف، الذي اشتهر ببعض حكمه التي تقول “إذا أصبح الظلم حق، فالمقاومة أصبحت واجبا” مُنكِر أية نزعة إصلاحية تطيل في عمر الظالم على حد قوله. لختتم الجلسة بالمناقشة بين المحاضرين والحاضرين، تلتها جلسة ختامية نوه فيها الدكتور فريد لمريني الوهابي بجميع المشاركين والشركاء وأشاد بنوعية الأعمال العلمية النوعية المقدمة في الندوة، والمجهودات المبذولة من أجلها. كما ضاعف الشكر للسيد عميد الكلية والسيد رئيس الجامعة ولشبكة ضياء ولجميع المتعاونين والشركاء.


نشر منذ

في

,

من طرف

الآراء

اترك رد