أحمد جمال النجار: تخصص حقوق – فلسطين
ينص المبدأ السادس من القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 وتعديلاته
(مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص)
في خطوة غير مسبوقة بالغة الخطورة تهدد أركان السلطة القضائية وتهدم مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية أقدم مجلس الوزراء الفلسطيني ,على إعداد مشروع قرار بقانون لعام 2017م , يقضي بتعديل قانون السلطة القضائية رقم (1)لعام 2002م.
بادئ ذي بدء و قبل الخوض في غمار حيثيات التعديل وبيان مدى دستوريتها ,فإنه لا بد من تأصيل الأشياء ولذلك لا بد من الإجابة عن التساؤل الآتي هل للسلطة التنفيذية صلاحية قانونية تخولها مكنة تعديل النظام الأساسي للسلطة القضائية الفلسطيني رقم (1)لعام 2002م ؟؟
بداية إن هذا القانون الناظم للسلطة القضائية يُعد من الأنظمة الاساسية الدستورية حيث انه نظم عمل أحد السلطات الثلاث في الدولة بمعنى آخر نظم موضوعاً دستوريا بطبيعته, بناء على إحالة من المشرع الدستوري الفلسطيني بموجب نص المادة (97) من القانون الاساسي الفلسطيني علاوة على ذلك ولأن المشرع الفلسطيني رغب في اضفاء نوع من السمو الشكلي على تلك القواعد الدستورية التي سترد في مضمون قانون السلطة القضائية ,فإنه اشترط قبل اقرارها من المجلس التشريعي أخذ رأي المجلس الأعلى
للقضاء وذلك عملأ بأحكام المادة (100) من القانون الأساسي الفلسطيني وهذا الشرط لا يسري عند اصدار التشريعات العادية ولكن كما قلنا المشرع رغب في اضفاء نوع من السمو الشكلي وبناء على ما سبق فإن قانون السلطة القضائية يتمتع بشكل حاسم وقاطع بمرتبة قانونية أسمى من التشريعات العادية و أدنى مرتبة من الدستور, وبإعمال مبدأ تدرج القواعد القانونية فإنه لايجوز تعديل قانون السلطة القضائية إلا بذات الاجراءات التي صدر فيها أي من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء وإلا كان خلاف ذلك غير دستوري و بمثابة تعديل من الأدنى مرتبة للأسمى وهذا منطق معوج ولا يستقيم دستورياً ومصيره عدم الدستورية.
ثانياً/ انطلاقاً من أن القانون الأساسي الفلسطيني تعلو قواعده وتسمو على سائر القواعد القانونية في الدولة سواء كانت تشريعات أو لوائح أو قرارات فإنه ينبغي على كافة القوانين ألا تخالف الدستور حتى لو تعلق الأمر بالقرار بقانون, و هذا ما أكدت عليه المحكمة العليا الفلسطينية بصفتها الدستورية , وبناء على ما سبق استخلص ما يلي /
أ- إن إقدام مجلس الوزراء الفلسطيني على إعداد مشروع قرار بقانون يقضي بتخويل السلطة التنفيذية صلاحية عزل القضاة وعلى وجه الخصوص رئيس المحكمة العليا, يعد تعديا صارخاً لمبدأ استقلال السلطة القضائية وتدخلا سافرا في شؤون القضاء بما يخالف أحكام المواد (97,98) من القانون الأساسي الفلسطيني,و مخالفة دستورية سافرة لأحكام المادة (99/2) , حيث أن القضاة غير قابلين للعزل سوى في الأحوال التي حددها قانون السلطة القضائية والتي لم يورد ضمنها العزل من قبل السلطة التنفيذية و في ذلك انصياع من المشرع لمبدأ المشروعية و إعمالاً منه لمبدأ استقلال السلطة القضائية ومبدأ الفصل بين السلطات, فلا يجوز لأي سلطة كانت التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة.
ب- إن إقدام مجلس الوزراء الفلسطيني على إعداد مشروع قرار بقانون يقضي بإخضاع النائب العام للمسائلة الحكومية يشكل مخالفة سافرة لأحكام المواد(107,108)من القانون الاساسي,وإقحام غير دستوري لجهاز النيابة العامة في جهة الادارة هذا يتعارض مع كون جهاز النيابة العامة شعب أصيلة من شعب القضاء وهذا ما استقر عليه الفقه الجنائي في فلسطين بحيث ساروا مع ما خلص له د.ساهر الوليد ,فيمكن استخلاص ذلك من قيام النيابة العامة بمهام قضائية وذلك عبر اتصالها بالقضاء خلال مرحلة التحقيق الابتدائي والنهائي
بالإضافة الى أن إن القانون الأساسي لسنة 2003م خصص الباب الخامس منه لتنظيم أعمال السلطة التنفيذية ولم يأت هذا الباب على ذكر النيابة العامة باعتبارها أحد أذرع السلطة التنفيذية ، في حين أن تنظيمه لجهاز النيابة العامة ضمن أحكام الباب السادس في القانون الاساسي وهو الباب الخاص بتنظيم السلطة القضائية علاوة على اخضاعه لجهاز النيابة العامة لذات الأحكام التي تسري على القضاة من حيث شروط التعيين والواجبات والتأديب وتحديد الرواتب والترقيات,يقطع بشكل حاسم و بما لا يدع مجال للشك بأن النيابة العامة شعبة أصيلة من شعب القضاء,وبعد النظر في أحكام
المحاكم وجدنا تأييدا قضائيا لما استقر عليه الفقه, فمحكمة العدل العليا الفلسطينية في الدعوى رقم [82-2012]، حسمت موضوع الصفة القضائية للنيابة العامة حيث ورد في حكمها التالي
” النيابة العامة جزء من الهيئة القضائية لا الإدارية و تصرفاتها تعد من الأعمال القضائية سواء أكانت متعلقة بجمع الاستدلالات مما يباشره أعضاؤها بوصفهم رؤساء لمأموري الضبط القضائي أم بأعمال التحقيق أم الاتهام وفي هذا وحده ما يوجب القول باستقلال النيابة العامة عن جهة الإدارة “.
وبناء على كل ما سبق فإن أي تدخل من قبل الإدارة تجاه اخضاع النيابة العامة لجهة السلطة التنفيذية بأي شكل من الأشكال فإنه موسوم بعدم الدستورية.
اترك رد